سحابة سوداء قاتمة من الحزن والتعاسة تجثم علي قلوب الأغلبية الغالبة من المصريين في مدنهم وقراهم،شوارعهم وحواريهم، صباحاتهم ولياليهم حتي غدت السعادة الصافية والإحساس بالكرامة الإنسانية علي المستويين المادي والمعنوي رفاهية بعيدة المنال وهي التي أصبحت حقوقًا طبيعية وضرورة حياة غير كمالية لكثير من شعوب الأرض الذين كان المصريون يسبقونهم في مضمار التطور الحضاري والإنساني قبل عقود. كيف حدث هذا؟وهل هناك من سبيل للخروج؟ إنها السياسة، السياسة التي خلت من السياسة، والسياسة التي خلت من السياسات. في الأولي خرج الشعب من دائرة صنع القرار وبذلك أصبحت السياسة خالية من السياسة، وأصبح الأفاقون وكذابو الزفة وحملة المباخر هم أبطال المشهد السياسي الزائف والفارض وصايته علي الناس والمتحدث باسم الشعب، والشعب منه براء. وفي الثانية خرجت الكفاءة من إدارة موارد الشعب التي لا سبيل لتعظيمها والإفادة منها إلا حين يصبح الأكفاء هم المنوط بهم إدارتها. الخائفون لا يبدعون، لا يبتكرون. هذه هي الحقيقة التي لا تحتاج لوقت كثير وقت أو مجاهدة لإثباتها، حيث البحث عن الأمان هو الأولوية المطلقة وباستخدام جميع الوسائل أخلاقية كانت في بعض الأحيان أو غير أخلاقية في أغلب الأحيان، حيث يخطو الخائف خطوات أخري متقدمة في دهاليز النفاق والمداهنة واليد التي «تبوسها»، لأنك لا تقدر عليها، ولتبتعد روح هذا الخائف عن شمس الحق والعدل التي يري أنه لا يستطيع احتمالها. وهذه هي التربة المثالية لتوحش الاستبداد كمرحلة تالية لتدشينه تحت دعاوي وطنية أو قومية أو دينية أو أخلاقية زائفة تدعي أنها استجابة لأوامر الشعب، وشيئًا فشيئا لا يسمح لهذا الشعب وسط أجواء الخوف والإرعاب إلا بالاصطفاف للهتاف للقائد الضرورة وفدائه بالروح والدم حتي قدوم قائد ضرورة آخر يتسلم القيادة في ظروف لا دخل للشعب بها. ومن هنا تصبح السياسة بلا سياسة أي بدون الشعب. أما الجانب الأهم الآن والذي أود التركيز عليه فهو السياسة التي خلت من السياسات، ولكي أقرب ما أرمي إليه فإني أشير إلي تجربة الصين التي لم تصنع معجزتها الاقتصادية المبهرة تجربة سياسية تعددية تعتمد علي اختيار الشعب، أي أن السياسة في الصين كانت خالية من السياسة، لكنها لم تكن خالية من السياسات بفعل الإصرار علي أن كفاءة إدارة الحزب الواحد وبما وفرته من تجدد لخلايا القيادة داخله كانت العاصم الأكبر من مواجهة مصير الحزب الواحد في الاتحاد السوفيتي وحلفائه من دول الكتلة الشرقية سابقًا، وهنا لا بد من ذكر الرؤية الصائبة لقائد عظيم هو (دنج شياو بنج) الذي أدرك وبوعي نادر أن الجمود الأيديولوجي كارثة كبري علي الصين، ومن هنا جعل الوصول لكفاءة السياسات ووضع آليات تحقيقها ضرورة لا غني عنها لتحقيق الانطلاقة الصينية المنشودة. وهذا بالضبط ما افتقدته مصر تحت الحكم الفردي للرئيس مبارك، ولننظر إلي أغلب السياسات التي أتخذت علي أرض الواقع طوال الثلاثين عاما الماضية بداية من التردد المبالغ فيه من اتخاذ قرارات (وخاصة اقتصادية) غير شعبوية نتيجة ميراث الدجل السياسي الذي تمت ممارسته علي الشعب بادعاء الحفاظ علي حقوقه من عمال وفلاحين ومحدودي الدخل وبما يؤدي إليه هذا النفاق السياسي في تمرير السيطرة علي قوي الشعب المتعددة، ودون الوعي بحقيقة بسيطة مؤداها أن تعلم الصيد للفقراء أجدي لهم وأنفع من الإحسان إليهم بسمكة، خاصة إذا كان الصياد الذي ينتظر منه الشعب هذه السمكة محدود الموهبة والقدرة علي الصيد. ورغم أن الشعب المصري كان كعادته صاحب فضل علي كل حكامه، خاصة حين قيل له إن الصورة سوداء وإن عليه الصبر لاجتياز عنق الزجاجة، فإنه بدلاً من مكافأة هذا الشعب كان الجحود والنكران هو ما واجهه. والأكثر من ذلك أنه تم اعتماد سياسات لا تمت للكفاءة بصلة جعلت حفنة محدودة من المغامرين والمدعين تحصد ثمار شقاء المصريين وتذهب بصبرهم وعملهم أدراج الرياح. ولنأخذ سياسات الخصخصة في صناعة واحدة مثل صناعة الأسمنت وما دفعه المصريون نتيجة لانعدام الكفاءة في اتخاذ هذا القرار الذي كلف المصريين في السنوات الخمس الماضية ما يقرب من أربعين مليار جنيه خرجت من جيوب المصريين ظلما وعدوانًا كفرق سعر بين السعر العادل المربح بحساب التكلفة وبين السعر الذي يتم البيع به (مائتا جنيه فرقًا في الطن باستهلاك أربعين مليون طن سنويًا لمدة خمس سنوات) مع التباهي الحكومي بزيادة حصيلة الضرائب من هذه الصناعة دون أن يلتفتوا إلي أن هذه الزيادة لا تزيد علي عشرة في المائة من الفرق الذي تحمله المصريون، والأمثلة غير ذلك كثيرة. أما السياسات العقارية فهي الطامة الكبري التي ستظل صفحة سوداء في تاريخ مصر الحديث. فأغلب طبقة المغامرين الفاسدين الذين شهدتهم السنوات العشرون الماضية صنعوا ثرواتهم الطفيلية عبر بوابة الكفاءة المعدومة لإدارة هذه السياسات. وهنا لابد من توضيح أن (مصر الجديدة جدًا) الواردة في عنوان هذا المقال مقترنة بزعامة البرادعي هي محاولة لتجسيد الأفق الواسع الذي يمكن أن تحققه زعامة وطنية تسعي بصدق لتفعيل قدرات هذا الشعب برسم سياسات تتسم بالكفاءة والفاعلية لتحقيق سعادة لهذا الشعب طال بحثهم عنها،ولصنع مصرجديدة مختلفة عن مصر المكتئبة والمزدحمة والمختنقة واللا آدمية. فالثمانون مليونًا من المصريين يسكنون علي مساحة لا تتعدي مليون فدان علي أقصي تقدير (حوالي 4 مليار متر مربع) مدنًا وقري عاصمة وأقاليم تمثل جزءا واحدا من مائتين وخمسين من مساحة مصر، أي أن المصريين يسكنون في أقل من نصف في المائة من مساحة مصر بجانب حوالي أربعة في المائة هي مساحة ما يزرعون (8 ملايين فدان). ليسكن القاهريون في مائة ألف فدان (نصف مليار متر تقريبًا) هي المساحة المحصورة داخل الطريق الدائري، ومثلها تقريبًا في المدن الجديدة المجاورة للقاهرة والتي هي بالطبع خارج الدائري، وهي التي تم بها صناعة المليارات الطفيلية التي تم اقتناصها وخروجها من مصر غالبا لتحرم منها قطاعات إنتاجية حقيقية زراعية وصناعية وخدمية كانت كفيلة بمضاعفة دخول ملايين المصريين بدلاً من دسها في جيوب حفنة فاسدة لتعود بها إلي عالم السياسة مستأسدة للإجهاز علي ما تبقي من مصر والمصريين. راح اللي راح ولكن ماذا عن المستقبل؟ هل من أمل هناك؟ هل ما زال هناك ما بقي لاستغلاله وتعويض ما فات؟ لحسن الحظ نعم، فإذا ما كان الفساد في بيع مائة ألف فدان للسكن (نصف مليار متر مربع تقريبا) قد أورث المصريين كثيرًا من المتاعب والعذابات اليومية المريرة خاصة في هذه العاصمة المختنقة، فإن من كرم الله علي هذا البلد أنه ما زال أمام المصريين ما يعادل مثل هذه المساحة ألفين وخمسمائة مرة. إذن تبقي كفاءة السياسات التي يكون حدوثها نتيجة بصيرة قائد عظيم أمرًا جائزًا ومحتملا لكنها مؤكدة مع كفاءة السياسة عبر تمكين الشعب وعودة الكفاءة معيارًا للقيادة. وليست تلك تجارب سابقة لشعوب غيرنا، بل إن العودة لصفحة مشرقة في تاريخنا الحديث يمكن أن تلهمنا وتعطينا الثقة في قدرتنا علي الإنجاز ثانية. فبناء ضاحية مصر الجديدة بداية القرن العشرين مثال ملهم كبير، حيث لم تكن سوي قطعة صحراء ميتة مثلها مثل باقي صحاري مصر الممتدة، لكن الزمن ساعتها كان يحمل تقديرا للكفاءة والإبداع، فكانت هذه الكفاءة لبارون بلجيكي وباشا مصري هي التي أهدت إلي مصر العريقة مصر الجديدة كأروع ضواحي القاهرة التي لم تستطع الأزمنة اللاحقة التي تقلصت فيها الكفاءة معيارا للقيادة من الوصول إلي مستوي إبداعها الذي جاء وجهه الأبرز إبداعا في أنه ليس بالضرورة أن تعمل عقودا من السنين لتحصل علي مسكن في هذا المكان، وهوالامر الذي لم يحدث في السياسات العقارية الكارثية طوال العقود الماضية، وآخرها نموذج (مدينتي) الذي أجد أن تسميتها (محافظتي) هي التسمية الأقرب للأمانة، فالمساحة التي هي ثلاثة أضعاف مساحة أحياء المهندسين والدقي والعجوزة والجيزة لا يمكن إلا تسميتها كذلك. دعونا نحلق بعيدا لنتساءل هل هناك إمكانية ولو علي مدي عشر أو عشرين سنة أن نحلم بأن تعيش كل عائلة في مصر مكونة من عشرة أفراد في بيت كبير (فيلا) مساحتها ألف متر، أي مائة متر للفرد الواحد،لسبعين مليون مصري مثلا، أي أن المطلوب سبعة مليارات متر مربع أي أكثر قليلاً من مليون ونصف مليون فدان. (لنتذكر إن المصريين كلهم ومنذالفراعنة وللآن يسكنون علي نصف هذه المساحة تقريبا). هذا هو الأفق المتاح أمام المصريين (والمصريين دون غيرهم) فقط للمرة الألف المطلوب هو كفاءة السياسات التي تجعل من فوضهم الشعب في إدارة أموره ينظمون إعطاء هذه المساحات بلا ثمن أو بثمن زهيد كما فعل المصريون سابقا في تجربة مصر الجديدة قبل ما يزيد علي المائة عام، (وللأمانة) كما يفعل وان كان دون المستوي وعلي استحياء وبدون كمال للتجربة الوزيررشيد محمد رشيد في الأراضي الصناعية الأن. وكما أن الحكومة لن تأخذ شيئا فإنه ليس مطلوبا منها أن تدفع شيئا ويكون الناس هم من يمول كل المرافق التي لن تكلفهم بأي حال ما يزيد علي خمسة في المائة من أسعار مثيلاتها لدي المضاربين المحتكرين للمساحات القليلة التي يوفرها حكم غير كفء الان بدعوي أنه لابد من ترفيقها أولا، (فيا نحلة لا تقرصيني ولا عايز عسلك). هذا مثال واحد لما يمكن أن توفره كفاءة السياسة والسياسات من حياة آدمية للمصريين يتذكرون بعدها أحياء العشوائيات والفقر التي قذف بهم إليها الاستبداد والجهل كصفحة غابرة مضت إلي غير عودة بإذن الله. أما السياسات العقارية للبناء علي الأرض الزراعية فإنها لا تختلف عن سابقتها في الأراضي الصحراوية،بل كانت مسرحية إغريقية عبثية، حيث لم يتنبه أي من واضعي هذه السياسة أن ال 250 مدينة و4000 قرية مصرية مقامة علي أرض زراعية منذ فجر تاريخ الفراعنة وحتي الآن، ولم يكن كل من يشيد جدرانا تأويه وأولاده يقضي سنوات في عبث تحرير محاضر واحالاتها للمحاكم إلي تقديم رشاوي للمحليات ومديريات الزراعة بإداراتها المختلفة والهروب من تنفيذ أحكام الحبس لزوار الفجر الجدد الذين قد يظن المرء أنهم يناضلون من اجل القبض علي من أضاع فلسطين. كل ذلك دون أن يبحثوا عن حل حقيقي للموازنة بين الاحتياج الطبيعي للبناء داخل مدن وقري مصر الزراعية بطبيعتها. وربما كان السؤال البدهي هنا لماذا يتم تجريم البناء علي الأرض الزراعية؟للحفاظ علي التربة الزراعية، أليست هناك طريقة للحفاظ عليها مع السماح بالبناء؟ربما يكون بنقل هذه التربة من الأماكن المرادالبناء عليها ليعاد زراعتها في أماكن أخري غير زراعية (صحراوية أساسا) وهي الأماكن التي لا تبعد إلا حوالي عشرة كيلو مترات في الوادي بداية من الجيزة وحتي أسوان، وتطول إلي خمسين كيلو مترا عبر ظهيري الصحراء الشرقي والغربي المحيطي بالدلتا. اذا من الممكن أن تكون هناك حلول حقيقية تسهم في خلق قيمة مضافة حقيقية دون تعذيب الناس (الشعب) وبما يزيد من خلق فرص عمل حقيقية لنقل ما يزيد علي مائة مليار متر مكعب من هذا الطمي الذي يخرج من مساحة 25الف فدان بعمق مترين، وهي المساحة المتوقع البناء عليها سنويا، وهي مساحة تعادل ثلاثة أضعاف ما يتم البناء عليه حاليا (8 آلاف فدان)نظرا للانخفاض المتوقع في أسعار الاراضي نتيجة زيادة المعروض منها للبناء وبما يسمح بزيادة مساحات البيوت والشوارع لتشهد شكلا جديدا ورائعا لقري مصر الحديثة. (وايشي خيال يا ناس علي رأي سمبل محمد صبحي). أما القاطرة الأكبر لبزوغ مصر جديدة جدًا فهي السياسات الإنتاجية زراعية وصناعية وخدمية،فلا أمل لمصر للخروج من الحفرة التي ألقي بهم إليها عدم كفاءة حكمها الحالي إلا بالإنتاج. فمن غير المصريين الذي سيسدد أكثر من تريليون جنيه ديونا راكمها هذا الحكم عليهم وهو الذي لا يسوق للشعب إلا جانبًا واحدًا من الصورة عبر تعداد إنجازات البنية الأساسية طوال الثلاثين عاما الماضية، وهي التي لا تتجاوز تكلفتها كلها من محطات مياه وصرف وطرق وكباري ومدارس ومستشفيات وتليفونات وغيرها أكثر من نصف هذه الديون. إذاً تعظيم إنتاج المصريين زراعة وصناعة وخدمات هو ضرورة حياه قبل أن تجرفهم ريح الديون ونيران خدمتها. برنامج الرئيس بمصانعه الألف بتكلفة مائة مليون جنيه لكل مصنع وتوفير أربعة ونصف مليون فرصة عمل بهذا البرنامج في الزراعة والصناعة والسياحة بمشروعاتها الكبيرة والصغيرة أبدا لا تكفي المطلوب لإنقاذ المصريين. (حتي بعيدا عن التشكك في توفير فرص عمل حقيقية بهذه الأرقام وبتلك الاستثمارات ). فأضعاف ذلك بكثير هو المطلوب. وعلي الجانب الآخر لابد إن يتعرف المصريون علي كارثة الرئيس مبارك بجانب برنامج الرئيس مبارك، فأربعمائة مليار جنيه ديون تهدد شعوبًا لها مثل عائداتنا الحالية هي حصاد برنامج السيد الرئيس، لا أحد منهم يذكر الكارثة، فقط يذكرون البرنامج. من هنا كان الاحتياج مرة أخري وكضرورة حياة لزعامة وطنية تؤمن بالشعب وتفعل قدراته الإبداعية في حقول الإنتاج لصنع مستقبل آخر مختلف عن الذي يذهب بنا إليه هذا الحكم. المطلوب تريليون جنيه استثمارات أغلبها خارجي في سنوات مقبلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة (مائتا مليار دولارتقريبا) أي ثلاثة أو أربعة أضعاف المعدلات الحالية. ولكن تدفق الاستثمارات لن يكون بهذا المعدل إلا في دولة قانون تضمن لأصحاب الحقوق حقوقهم وتقيم التوازن الدقيق بين أطراف المصالح المتعددة، وتجتذب المبدعين والشرفاء من رجال أعمال حقيقيين لا يساعد مناخ الفساد الحالي في جذبهم خاصة من المهاجرين المصريين الذين لم تتح لهم الفرصة للعب دور المهاجرين الصينيين لأمريكا في صناعة معجزة الصين الحالية. أما القضية الأخري فهي أين سيتم ضخ هذه الاستثمارات؟وهل من الممكن أن نغيرشكل خريطة الزراعة والصناعة والخدمات في مصر بهذه الاستثمارات؟ نعم هي الإجابة،فالزراعة مثلا جاهزة لاستقبال ثلث هذا المبلغ تقريبا لتغيير نظام الري في ملايين سبعة من رقعة مصر الزراعية إلي الري الحديث وبما يوفره من مياه تستخدم بنفس الطريقة لإضافة مثل هذه المساحة علي الأقل إلي رقعتها الزراعية. وساعتها لن نستورد نصف القمح الذي نستهلكه أو ثلاثة أرباع الذرة التي نغذي عليها ثروتنا الحيوانية والداجنة التي يحتاج إنتاج ما يكفي من هاتين السلعتين الأساسيتين إلي مليوني فدان وليس سبعة، (الذرة صيفا والقمح شتاء) ولنتصور هذا التاريخ الجديد للزراعة في مصر الجديدة جدا حين يصبح رأس مثلث الدلتا يبدأ من نقطة بين بني سويف والفيوم وقاعدته من العريش شرقا وحتي قرب مطروح غربا. ولن يكون استخدام ثلث هذه الاستثمارات في مضاعفة الإنتاج الصناعي في مصر بعيدًا تماما عن هذه الصورة، فالمواد الخام الزراعية في الأرض الجديدة ستنشأ عليها أهم صناعة نملك فيها أكبر المزايا التنافسية وهي صناعة المواد الغذائية التي يجمع الخبراء علي أنها(بعد تخفيض الدعم عن الزراعة في أوروبا وأمريكا طبقا لاتفاقية الجات)ستصبح أكثر قصص الصناعة المصرية نجاحًا. وعلي الخطي نفسها تسير صناعات التشييد والبناء والكيماويات والبتر كيماويات (خاصة مع توفر الغاز الطبيعي ) والغزل والنسيج والملابس وصناعة البرمجيات والأثاث وغيرها. وتبقي صناعة الخدمات وفي مقدمتها السياحة والنقل وغيرها ليكون هناك عشرون شرم الشيخ والغردقة والجونة ومرسي علم لتشكل قطاع الخدمات الضلع الثالث في هذه المنظومة لبناء هرم مصر الجديدة جدا. ويبقي السؤال هل لدي المصريين ما يمول ذلك؟وهل من شركاء جاهزين للمساهمة في حشد هذا المبلغ للاستثمار؟ رفع الائتمان المتاح من البنوك المصرية من 53 في المائة الي 75 في المائة (وفق إجراءات علمية متروكة للخبراء ) وقدوم مهاجرين مصريين بعد إنجاز التغيير الديمقراطي ليلعبوا ما سبق وأشرنا إليه من دور مشابه للمهاجرين الصينيين لأمريكا يوفر حوالي نصف هذا المبلغ، واحسب إن أموالا عربية لن تكون بعيدة عن هذا الإطار،فمن صندوق الكويت الاستثماري إلي صندوق أبو ظبي ذي التريليون دولار وغيرهما إلي فوائض الصين التي جاوزت التريليوني دولار تستطيع وبسهولة توفير النصف الثاني وبما يمثل لها من فرصة استثمارية مربحة وآمنة. هل هذا خيال؟لا هذاعلم، ولكن العلم كان دائمًا موجودا عند مسئولي مصر من رؤساء وزارات ووزراء؟لكن هذا العلم يلقي في أول سلة قمامة أمام طغيان حكم القرض واستبداده. ولعل رأس الدكتور الجنزوري الطائر أما عيني عبيد رئيس الوزراء الذي خلفه هو ما جعل الثاني وفيًا لعادة إلقاء العلم في أقرب سلال القمامة، ولترسخ إيمان الرجل بأن مصر فيها ضابط واحد لابد أن يكون له كل تمام حتي لو كان ذلك مقدمة غرق سفينة الوطن وموت المواطنين بمن فيهم من ضباط الذين هم في النهاية فرع شجرة لا حياة لهم بموت الشجرة، وهو ما حدث بالضبط تحت سنابك الاستبداد بفعل وسوسة شياطين الإنس المتحلقة التي زينت مشروع التوريث بدلا من التقدم في الإصلاح السياسي الذي أيده الجنزوري وأعلنه مرارا، وليدفع المصريون ثمنا مريعا أحال حياتهم وأكل عيشهم إلي قطعة من جحيم، ادخل مستقبلهم ومستقبل أولادهم في هذا النفق المظلم الذي يحاول مخلصون لهذا البلد الخروج منه الآن والذي ربما يكون في مقدمة خطواته حشد هذا التريليون جنيه للاستثمار لتحقيق ثلاثمائة مليار أرباحا بواقع ثلاثين في المائة سنويًا وبما يضخ ستين مليار جنيه ضرائب في خزينة الدولة المدينة والتي عانت من عجز هذا العام فاق مائة مليار جنيه لتكون بداية إنقاذ مصر من هذا النفق الذي أوشك الهواء فيه علي النفاد، وبما يضخ أيضًا من زيادة حقيقية في دخول المصريين تجعلهم غير محتاجين للدعم الهزيل للسلع الغذائية الذي لا يتجاوز بدوره عشرة في المائة من الضرائب المحصلة من المصريين أما دعم البترول فتلك قصة أخري. هذا الدعم الذي تاجر باسمه الدجالون السياسون ليحفروا به فزاعة اقتصادية كبري لا تماثلها إلا فزاعتهم السياسة المسماه بالإخوان المسلمين. أعظم علاج للدعم ألا يحتاج الناس دعما. هذه هي زعامة البرادعي وهذه هي مصر الجديدة جدا. وبقي أن يبدأ المصريون في الاصطفاف خلف زعامة البرادعي لبناء مصرالجديدة جدا. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.