مثلما يقال مصر أم الدنيا، فالقاهرة "أميرة الدنيا" كما يعرف المؤلف عرفة عبده علي بموضوع كتابه "القاهرة.. رحلة في المكان والزمان" الصادر لدي الهيئة العامة للكتاب، ويحكي عن القاهرة التاريخية بأبوابها وجوامعها، وملامح القاهرة الحديثة وشوارع وسط البلد، ثم فترة يطلق عليها المؤلف "تاريخ العظمة" يصور فيها طبيعة السرايات الملكية والفنادق التي زينت القاهرة، وكذلك متاحفها، أما الأجمل فهي الصور المرفقة في آخر الكتاب وفيها تسجيل حي لملامح قاهرية كثيرة تلاشت. يحذر عرفة من الخطر الذي يحاصر المدينة، ويتلف تاريخها العظيم، يحذر من تزايد التكدس السكاني، والإهمال البيئي، لا ينقل هذا الحذر صراحة، لكنه يدعونا إلي تأمل ماضي المدينة وحاضرها البعيد، ويقارن بين حاضرها القريب، علي نفس تلك الوتيرة تأتي مقدمة الروائي جمال الغيطاني الشهية والمتدفقة للكتاب بعنوان "القاهرة مدينة العصور المتجاورة"، ويأتي فيها وصف دقيق ومفصل لمراحل متعاقبة من تاريخ القاهرة وأماكنها وآثارها وأشهر معالمها كميدان القلعة، فعبقرية ما كتبه الغيطاني وكذا المنهج الذي يتتبعه هذا الكتاب، تكمن في ربطه بين الماضي والحاضر، حيث ينتهي إلي تداعيات ما أسماه ب"التحديث"، وعن تلك المنطقة التي يدعوها صاحب "الزيني بركات" ب"مثلث الوهم أو الضياع"، وتمتد من حافة القاهرة القديمة إلي وسط المدينة الحديثة التجارية، باختصار هي المنطقة التي شهدت بداية "أوربة المدينة" أي تمازج ملامح المدينة المصرية بملامح أوروبية، وينتهي فيما يشبه التحذير من خطر موجود وقادم، يتساءل: "أي المباني التي نعرفها ستظل قائمة؟ وهل سندرك ملامحها مع معدل النمو المتزايد والسريع؟". يعرفنا الكتاب بأن هناك عناصر عديدة أسهمت في اختيار موقع القاهرة، وجعلته يتمتع بإمكانيات حماية طبيعية، من هذه العناصر ما هو تاريخي وما هو جغرافي وما هو سياسي، لكن ثمة حكايات بعضها حقيقي، والبعض الآخر نسجته المخيلة الشعبية، وتفسير هذا حسبما يرد في الكتاب أن "هذا هو دائما شأن المكان الذي تتراكم فيه طبقات التاريخ". عمر المدينة الحقيقي وفق تقدير الغيطاني، صاغته فترتين بالتحديد مزدهرتين: الفاطمية والمملوكية، ففي المرحلة الأولي من تأسيس المدينة، كانت مدينة ملكية، وأثر هذا علي تصميمها، ثم ما بقي لنا من معالمها الآن آثار حجارة وألواح خشبية وعمائر خربة، أما في الزمن المملوكي، فيؤكد الغيطاني أن القاهرة القديمة لا تزال تحتفظ بجانب كبير من ملامح الزمن المملوكي، والأدعي للانتباه أن هذا الخلود المملوكي والحضور التاريخي القوي في وقتنا الحاضر، لم يتجسد في الحجارة وتخطيط الشوارع فقط، بل في علاقات الناس ببعضهم.