بالأمس كنت أتحدث عن الاختلافات الجوهرية بين الجامعات القاهرية التي لها تاريخ معروف من ناحية والجامعات الإقليمية من الناحية الأخري.. وكيف أنه من الصعب جدا جدا مزج النوعين في بوتقة واحدة ومعاملة هذه الجامعات بقواعد وقوانين واحدة وعلي مقياس واحد من الجودة.. واليوم أتناول الجامعة الواحدة التي هي ليست جامعة في الكليات المختلفة التي تنتمي لها.. والمقصود هو أن الجامعة نفسها تحتوي علي كلية يكون عدد الطلاب فيها عشرين ألفا تقريبا، وبجوارها كلية أخري لا يتعدي عدد الطلاب فيها الأربعة آلاف طالب.. وقد يتصور البعض أن هذا الفارق ليس بذي أهمية لأن عدد الطلاب الكبير سيكون له من الأساتذة ومن الهيئة الإدارية ما يؤدي إلي قيام العملية التعليمية كما في الكليات الصغيرة.. ولكن هذا ليس صحيحا، فالكليات التي تعارفوا علي تسميتها ب(الكبيرة) نظرا لأعداد طلابها يتميز أساتذتها - أقول هذا آسفة - بالقدرة علي جمع أموال طائلة من المذكرات - ولن أدعوها كتبا - التي يشتريها كل هؤلاء الطلاب مجبرين في كل فصل دراسي.. أما بالنسبة للدورات الدراسية الخاصة التي أصبح المعيدون والمدرسون المساعدون يتهافتون عليها ليكملوا بها للطلاب مسيرة الدروس الخصوصية وليغلب التعليم الثانوي علي التعليم الأكاديمي الجامعي، فهي بالطبع تتوفر بصورة كبيرة في الكليات ذات الكثافة العالية.. ومع كل ما سبق من الفوائد القانونية وغيرها للأعداد الكبيرة، أضف عدد الامتحانات وتصحيح الأوراق وأعمال الكنترول وما إلي ذلك مما يرفع من دخول هؤلاء الأساتذة ويجعلهم مختلفين عن غيرهم من أساتذة الكليات الصغيرة.. وقد لا تكون الكلية كبيرة في أعداد طلابها ولكن أساتذتها متخصصون فيما يتهافت عليه سوق العمل وأكبر الأمثلة لذلك كليات الطب والهندسة.. وغالبا ما يكون أساتذة هذه الكليات، أو معظمهم، من أصحاب الأعمال الخارجية الخاصة التي تستنفد كل أوقاتهم واهتمامهم وتركيزهم.. وقد لا يتواجد بعضهم في الكلية إلا مرتين أو ثلاثا في العام الدراسي كله.. نعم فالمسألة بالنسبة للبعض مجرد لقب يحصل عليه من الجامعة ليضعه علي لافتات عمله الخاص.. والمضحك أن بعضهم يحصل علي الدكتوراه مثلا عن طريق بعثة قد تكفلت بها الجامعة فيعود ليتفاخر بها في عمله الخاص بدلا من أن يفيد بها الطلاب في الجامعة.. وإذا كانت الجامعة مصدر تمويل مباشر لبعض أساتذة الكليات الكبيرة، فهي لا تمثل بالنسبة لأساتذة الأعمال الخاصة سوي واجهة ولقب شرفي دال علي الخبرة والمستوي العلمي مما يرفع من قدر أعمالهم الخاصة.. ولكن.. هل هذا هو حال كل الأساتذة في كل الكليات وفي كل الجامعات؟ ألا يوجد أساتذة يستعينون بالمراجع والكتب الأصلية الأجنبية في محاضراتهم ومع طلابهم دون طباعة ورقة واحدة عليها أسماؤهم؟ ألا يوجد أساتذة يعملون بالتدريس الجامعي فقط وليس لهم أي أعمال خاصة خارج نطاق الجامعة؟ هل من المنطقي إذا أن نتحدث عن الأساتذة ككل وكأنهم متساوون؟ وهل ينطبق قانون واحد ونظام واحد وقواعد وآليات تنفيذ واحدة علي هؤلاء جميعا؟ الأمر يحتاج إلي وقفة طويلة وإعادة نظر في الهيكل كله.. وللحديث بقية..