عندما تغيب عن الوعي بما يدور حولك لفترة قصيرة، ثم تعود فتنظر في الصحف التي لم تقرأها طوال أسبوع، تجد أنك لم يفت عليك الكثير.. فالأحداث كما هي من جرائم إلي مشاكل إلي تشاحنات إلي مظاهرات.. وقد يكون الأسبوع أقل سخونة من غيره أو أكثر - وهذا هو كل الاختلاف.. ولكن ما جذب انتباهي منذ فترة هو عودة الحديث عن الجامعة وأحوالها خاصة علي هذه الصفحات من جريدة "روزاليوسف". وقد لا يلتفت الكثيرون إلي حقيقة بسيطة وواضحة تجعل تناول مشكلات الجامعة بطريقتنا الجمعية تناولا خاطئا تماما.. وتقول هذه الحقيقة إن الجامعة ليست جامعة.. وأقصد أن الجامعات في مصر تتباين ولا تتشابه، وكليات الجامعة الواحدة تختلف عن بعضها البعض اختلافات جوهرية، كما أنه من المستحيل أن تضع القواعد نفسها للكليات والجامعات كلها لاختلاف طبيعة كل منها بأساتذتها، وطلابها، ومبانيها، وطبيعة الدراسة فيها، واحتياجاتها، وغير ذلك.. ولذا صار من غير المنطقي أن نتناول الجامعة ككل ونهمل تلك الفوارق العظيمة التي - في رأيي المتواضع - أحد الأسباب الرئيسية لمشاكل الجامعات بوجه عام، وأساتذة الجامعات علي وجه التحديد. وأول ما نرفض الاعتراف به هو أن الجامعات في بلدنا مستويات.. علي الرغم من أن الجامعات التي أقصدها بالحديث هنا هي الجامعات الحكومية، فلا تتساوي الجامعة القاهرية مع الإقليمية.. وغالبا ما تختلف هذه عن تلك بداية من المباني ومرورا بالمعامل والتجهيزات ثم انتقالا إلي الطلاب والأساتذة وأخيرا إلي الخريجين.. وهناك من يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة ويظنون أنهم بهذا يحفظون كرامة تلك الجامعات وأساتذتها.. لكن العكس هو الصحيح لأن إنكار تلك الحقيقة سوف يقضي علي معظم الجامعات المصرية التي ستخضع لمقاييس جودة تتساوي مع مثيلاتها من ذوات الإمكانيات الأعظم. هل يصح أن يطبق قانون واحد علي جامعات تتباين بتلك الصورة؟ هل قمنا بمقارنة المكتبات المركزية في الجامعات المصرية بعضها ببعض؟ هل تخصص للجامعات المصرية كلها مساحات متساوية وإمكانيات متعادلة في مدرجاتها وحجراتها وأماكن الثقافة والترفيه والأنشطة بها؟ هل تكون امتيازات الأساتذة والإمكانيات المتاحة للطلاب متعادلة في تلك الجامعات كلها؟ إذا كانت الإجابة (لا)، فلا يصح أن نتعامل مع الجامعات كلها وكأنها جامعة واحدة. في الولاياتالمتحدة تنقسم الجامعات بوضوح شديد إلي ثلاثة مستويات مختلفة يعرفها كل الطلاب: مستوي أول - هافارد مثلا - عال في مصاريف الدراسة به، ولا يقبل سوي الطلاب المتميزين جدا، ولجامعات هذا المستوي شروط عالية ومرهقة ولأساتذته مقاييس فوق الممتازة.. وبالتالي يقوم بتخريج مستويات متميزة يلتقطها سوق العمل بشغف ويدفع فيها الكثير.. ومستوي ثان هو ما يدعي ب (جامعة الولاية) وهو المستوي العام المتوسط الذي تعمر مبانيه بالطلاب بأعداد كبيرة وله من المكتبات والإمكانيات ما يجعله منافسا جيدا.. ثم الجامعات المحلية الصغيرة التي تمثل مستوي أقل كفاءة وإمكانيات ولا تتوافر بها كل التخصصات، ولخريجيها أعمال متوسطة حسب امكانياتهم. هل نبدأ نحن في الاعتراف بأن جامعاتنا ليست متساوية ولا متكافئة حتي تكون اقتراحات الحلول مناسبة وواقعية؟ عموما للحديث بقية.