في العصر الروماني وعبادة الأوثان، كان يتم تشييد الكنائس تحت سطح الأرض، وينال القديسون أبطال الإيمان أبشع صنوف العذاب حتي الاستشهاد لتمسكهم بالمسيحية دينا، وبالتنقيب علي مر العصور تم اكتشاف كنائس وأديرة أثرية، ومازالت مصر تزخر بالكثير، وحول هذه الكنائس وجدنا جبّانات مقابر لقديسين وكهنة بل وبطاركة ورهبان. فالتاريخ القبطي حافل بسيرتهم الروحية، وتم الاحتفاظ برفاتهم في هذه الأديرة والكنائس وحتي الآن منذ زمن بعيد، فنطلب شفاعتهم ونوال بركتهم، وتحوّلت لمزارات سياحية يؤمها السيّاح من كل أنحاء العالم. وفي الآونة الأخيرة، أثارت مقابر الكهنة في الكنائس جدلاً واسعًا بين الرفض والتأييد، والمقصود به هنا (رعاة الكنائس)، فنجد بعضهم له مقبرة في الكنيسة ومدّون عليها (مزار) وتحمل اسمه، والبعض الآخر ليس له. وكأن هذا يمتاز عن ذلك في البرارة والمجد. إذ يري فريق من الشعب رفض هذه الفكرة بحجة أنه لم يثبت بعد أنه (قدّيس). أما غيرهم فيؤيدها باعتبار الكاهن مقدم القرابين وله سيرة عطرة ولا يُضير الكنيسة من خلال تقييم خاص زمني وروحي مادامت يوجد بها مساحة.. ومن المدهش أن الفريق الرافض يدعم فكرة إنشاء المقبرة بالحسب والنسب للسلطة الكنسية.. مما يميّز الكاهن المنوط عن زميله بنفس الكنيسة.. ويتساءلون: لماذا يتم هذا؟! والمتابع لتلك الأفكار يري أن أغلبية الكهنة لهم مقابر خاصة مع مقابر رعاياهم، وليست بحاجة إلي إضاءة شموع أو تبخير. وعلي مستوي المعايشة والواقع فما ذكرته هو علي صعيد الكنائس القبطية الأرثوذكسية في مصر. أما عن الكنيسة الكاثوليكية هنا فتوجد مقبرة للآباء البطاركة والمطارنة والأساقفة الكاثوليك تحت كاتدرائية السيدة العذراء سيدة مصر بمدينة نصر بالقاهرة بدون تمييز، وفي دير سانت كاترين بسيناء للروم الأرثوذكس، نشاهد حجرة بمثابة مقبرة للرهبان كاشفة لهم من جماجم وعظام بطريقة تدعو للتأمل في الحياة والآخرة وبلا تمييز وبلا أسماء هي مزار للجميع. ومن هذا المنطلق فكل له رؤية، وأري وأشجّع من يتبرعون لكل الكنائس علي مختلف طوائفها بمساحة من الأرض تُخصّص مقابر للكهنة وللفقراء، نظرًا لارتفاع الأسعار، أو بدعم مادي وعيني لهذا الغرض يفي بالمتطلبات والاحتياجات. إنه حينما ينتهي عام ويبدأ عام جديد وبحلول عيد الميلاد المجيد، نفرح ونبتهج ونهنئ أنفسنا بأجمل التهاني وأطيب الأماني، ومنّا من يهتم بزيارة القبور للصلاة والترحّم وتجديد للذكريات وتوزيع للصدقات، ونتناسي أن تكون لنا مقبرة أسرية أو مقبرة نهديها للكنيسة، ولنجول نصنع خيرًا.