مبني ضخم تعلوه منارات أو قباب وتحيطه الأسوار، يثير عند العابرين أمامه غموضا أو شكوكا، يظنه البعض قلعة حربية أو «بيت الأسرار»، إنه «الكنيسة» هذا المكان المقدس في قلب كل قبطي والذي تطوله الاتهامات من حين إلي آخر بأنه «مخزن الأسلحة» فيتحول «بيت السلام» في الأذهان إلي «بيت للحرب»، كلمة كنيسة مأخوذة من الكلمة العبرية «كنيس» والكلمة اليونانية «إككليسيا» ومعناها محفل أو جماعة، وقد وردت كلمة «كنيسة» في الكتاب المقدس 77 مرة. وفي هذا التحقيق نتجول بين عدد من الكنائس والأديرة، لنكشف أسرار هذا المبني الغامض ونسلط الضوء علي مكوناته، وكنوزه ونحاول أن نجيب عن السؤال: هل يتم تخزين أسلحة داخل الكنائس بالفعل؟ الكاتدرائية الكبري هي أشهر كنيسة بالقاهرة لوجود المقر البابوي بها،وكذلك لضخامتها، فالمبني مقام علي مساحة 6200 متر مربع، وقد وضع حجر أساسها الرئيس جمال عبدالناصر مع قداسة البابا كيرلس السادس في يوليو ,1965 وافتتحت في يونيو 1968 وتحمل اسم «القديس مرقس - مبشر مصر بالمسيحية - ويقول المهندس ماجد الراهب - أمين جمعية مجلس التراث المصري الذي شارك في تصميم نحو 20 كنيسة: إن الكاتدرائية المرقسية ترتفع عن الأرض 5 أمتار ويتم الوصول إليها بصعود 21 درجة، أما صحن الكاتدرائية فتبلغ مساحته 2500 م وارتفاعه 36 م، ما عدا القبة الرئيسية التي يصل ارتفاعها إلي 55 م، ويسع صحن الكاتدرائية 5000 شخص يمكن زيادتهم إلي 8000 في المناسبات، وفي مقدمتها الهيكل الكبير وأمامه خورس الشمامسة. والكاتدرائية شكلها من فوق علي هيئة صليب، أما من الجانب فتعطي الشكل الغالب في الكنائس وهو شكل السفينة، رمزا لسفينة نوح التي نجا من دخل فيها من الطوفان المدمر - فالكنائس تبني علي ثلاثة أشكال، شكل الصليب، رمز الخلاص، والسفينة - سفينة نوح - والدائرة رمز الأبدية بلا نهاية. وعن سر وجود الأسوار بالكاتدرائية يقول المهندس ماجد: إن أي مبني يقام به نشاط اجتماعي لابد أن يكون له سور، فالكنيسة قد تجمع الآلاف، وهؤلاء لا يمكن أن يخرجوا إلي الشارع مرة واحدة، فلابد أن يخرجوا إلي الفراغ ثم إلي الشارع وهو أمر هندسي بحت أتت منه فكرة «الحوش»، وهناك ناحية مرتبطة بفلسفة العمارة فلابد من التمهيد نفسياً للدخول إلي الكنيسة لكي ينقي الإنسان نفسه من همومه ويستعد للقاء الله. كذلك يضيف الراهب إن السور يفيد في المناسبات، حيث يمكن استخدام الحوش بإقامة سرادق يستوعب عددا أكبر من المصلين. وحول استخدام كتل ضخمة من الخرسانة والأحجار في البناء يقول الراهب إن الخرسانات قوية وتحمل السقف، وخاصة في الارتفاعات الكبيرة فلايمكن في الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس استخدام حوائط حاملة .. وهذا الأمر معروف في كل المباني المرتفعة ، وعندما قمت بتصميم كنيسة القديسة دميانة بمنتجع ميراج سيتي بالقاهرةالجديدة العام الماضي استخدمت خرسانة كثيرة لأن الشكل يفرض ذلك فهذه الكنيسة بلا أعمدة . لأن الأعمدة تحجب الرؤية . لذلك لابد من تقوية السقف . كما أن استخدام مواد متينة يرجع لصعوبة الحصول علي ترخيص بالترميم والتجديد . لذلك يتم البناء بمواد تعمر طويلاً. وعن السبب في إثارة موضوع وجود الأسلحة بالكنائس من وقت لآخر يقول الراهب إن السبب في ذلك هو لغياب التطبيق العملي لمبدأ المواطنة . فإخواننا المسلمون الذين يدخلون الكنائس في المناسبات لايمثلون 10% منهم . كما أن المدارس لا تنظم رحلات للأديرة الأثرية باعتبارها آثارا مصرية، لذا فإن المبني لكثيرين يمثل مكانا غامضا وغريبا، ولكن إذا دخلنا الكاتدرائية فسوف نجد نفس تصميم المسجد وأيضاً المعبد الفرعوني. فمثلاً منطقة الهيكل والتي تحتوي علي المذبح تسمي في المعبد قدس الأقداس وفي المسجد تماثل المحراب، وصحن الكنيسة هو صحن المسجد ويماثل صالة الأعمدة في المعبد، وباقي ملحقات الكنيسة، هي غرفة القربان وغرفة المعمودية. ولا يمكن إخفاء أسلحة بالكنائس لأن المسيح ضد العنف، كما أنه لا توجد كنيسة فيها بدروم أو مخبأ ولا توجد فيها غرفة ممنوع دخولها، وحتي الهيكل كمكان مقدس مخصص للكهنة والشمامسة، له ستائر تفتح أمام الجميع. العذراء مسطرد كنيسة العذراء مسطرد كنيسة أثرية تعود للقرن الرابع الميلادي وهي تشغل مساحة 1500 م، وتمتاز بوجود البئر التي شربت منها العائلة المقدسة أثناء هروبها لمصر، وكذلك المغارة التي عاشت فيها، وهي تأخذ شكل سفينة نوح، ويقول القمص عبدالمسيح بسيط: إن السور يضم الكنيسة وكل ملحقاتها من مباني خدمات وكذلك يجمع الناس في داخلها، والمشكلة فيما يثار حول الكنائس أن هناك نفوسا تريد أن تشعل الفتنة في البلد، فالكنائس مفتوحة لجميع المسلمين طوال الوقت وكل كنيسة توجد عليها حراسة خارجية، فكيف يمكن أن تمر الأسلحة دون أن يشاهدوها! كما أن إلقاء هذا الاتهام فيه إهانة لرجال الأمن اليقظين الذين يسهرون ليلا ونهارا علي أمن الوطن. وحول وصف الكنيسة يقول الأب عبدالمسيح: الكنيسة عبارة عن قاعة علي شكل سفينة مفرغة من الداخل في الغالب لها 3 أبواب، مفتوحة للكل ولا توجد فيها أي غرف سرية أو جانبية. أما مباني الخدمات فهي أماكن للأنشطة والعيادات التي يدخلها مسلمون ومسيحيون، والكنيسة تبني بترخيص يحتوي علي الرسوم والتصميمات والحي يتابع تنفيذ الترخيص حتي التشطيب فكيف توجد مخازن وكيف تدخل الأسلحة هل بطاقية الإخفاء؟! كنيسة ودير مارمينا فم الخليج تقع كنيسة ودير مارمينا بفم الخليج، بالسيدة زينب، وهي كنيسة أثرية تعود للقرن الخامس وتم تجديدها وترميمها منذ عام 1990 وعلي مدار عشر سنوات، والدير له سور ويحتوي علي 3 كنائس، ويقول القس روفائيل ثروت - كاهن الكنيسة: إن الدير يحتوي علي عدد كبير من الأيقونات الأثرية ذات القيمة الفنية والمادية الكبيرة، وتعد مطمعا للصوص كذلك يحتوي علي أوان مطلية بالفضة وصناديق النذور والتبرعات وأجولة الدقيق لخبز القربان، وأيضا ذخائر القديسين - ذخائر لقب يطلق علي رفات وأجساد القديسين - لذلك لابد من وجود سور يحمي كل هذه الكنوز والأموال. ويري القس روفائيل أن إثارة موضوع الأسلحة يعبر عن التغيرات التي حدثت للمجتمع المصري وزيادة لهجة التعصب به، وقال الأب روفائيل: قد يصدق البعض وجود أسلحة في الأديرة لأنها لاتزار من الإخوة المسلمين علي عكس الكنائس المفتوحة في الأفراح والجنازات والأديرة لا يقام فيها أفراح ولا جنازات، لذلك أدعو المدارس والجمعيات لتنظيم رحلات للأديرة، حيث يمكن أن تتولد للأطفال ثقافة الانفتاح، ويضيف الأب روفائيل: إن استحالة وجود أسلحة له علاقة بالإيمان المسيحي، والكنيسة جزء من الإيمان المسيحي، فالآيات المقدسة تبالغ في التسامح، ووجود أسلحة مستحيل لأنه ضد الإيمان المسيحي، وإذا تتبعنا هذه الأقاويل الكاذبة منذ عصر الرئيس السادات في السبعينيات، وافترضنا كذبا وجود هذه الأسلحة فلماذا لم تستخدم طوال هذه السنين؟!.. إنه كلام فارغ، وليست له صلة بالواقع، وقال الأب روفائيل: إن أكثر ما يميز كنيسة مارمينا هو وجود الأيقونات الأثرية النادرة، وهي لا تختلف في شيء عن باقي الكنائس من حيث التكوين الأساسي «الهيكل - خورس «جزء الشمامسة» صحن الكنيسة، حيث المصلين»، وحجرة المعمودية ومبني الخدمات. مارجرجس الجيوشي توجد كنيسة مارجرجس الجيوشي بشبرا، وهي علي شكل سفينة نوح، وتشغل نحو 1000 متر، وأكثر ما يميزها - كما يقول القمص صليب متي ساويرس - هو وجود أكثر من 100 جزء من رفات القديسين والشهداء، ويقول القمص ساويرس: إن المصالح الحكومية والمدارس لها أسوار نظرا للعدد الضخم من المترددين عليها، كما أن الأحوال الهندسية والفنية تتدخل في تحديد مواد البناء المستخدمة، ولا توجد في الكنائس غير أسلحة الجهاد الروحي «الصوم - الصلاة - السجود - العبادة الداخلية»، والمسيحي ليس له أعداء لأن المسيح طلب منه أن يحب الجميع حتي أعداءه، وحتي في عصور الاضطهاد الروماني لم يحمل المسيحيون سلاحا للدفاع عن أنفسهم، بل كانوا يسعون في طلب الاستشهاد، فالثقافة المسيحية والروحانية المسيحية والتعاليم المسيحية لا تعرف الأسلحة. شبرا الخيمة فاجأنا القس مارتيروس فوكية - الكاهن بكنيسة الملاك ميخائيل بشبرا الخيمة - قائلا: إن كنائس شبرا الخيمة كلها بلا أسوار، وكنيسة مارجرجس «المطرانية» تمتاز بوجود مبنيين متجاورين لها، واحد يحتوي علي فرع من فروع كلية اللاهوت، والآخر به مسرح صغير، كما تمت إقامة مبني خدمات ضخم بجوارها، القس مارتيروس استنكر وجود الأسلحة وقال: الكنائس مفتوحة لكل الناس في كل الأوقات. وبالنسبة لإيبارشية شبرا الخيمة تحديدا فقد زارها عدد كبير من الفنانين المسلمين، وذلك في مهرجان المسرح السنوي، حيث يتم تكريمهم في داخلها، وشاهدوا كل ما تحتويه الكنيسة ومباني الخدمات، ولا ندري لماذا لا يقول لنا من يروجون لوجود هذه الأسلحة أنها سوف توجه ضد من، فنحن ليس لنا أعداء علي الإطلاق، نحن نحب الكل والسيد المسيح يعلمنا في الإنجيل المقدس ب «علي قدر طاقتكم سالموا جميع الناس»، إنها شائعات فارغة ولا معني لها. دير المحرق يقع دير العذراء الشهير بالمحرق علي بعد 12 كيلومترا غرب بلدة القوصية بمحافظة أسيوط، وتبلغ مساحته نحو 20 فدانا، وبذلك يكون أكبر وأعظم جميع الأديرة بمصر، وحوله سور ضخم مبني بالحجر تم بناؤه عام 1905 والدير به الكنيسة الأثرية التي أقامت فيها العائلة المقدسة 6 أشهر و10 أيام، وهي أقدم من الدير نفسه لأنه بني في القرن الرابع الميلادي، بينما هي تعود للقرن الأول وكنيسة القديس تكلا هيمانوت الحبشي وهي صغيرة توجد فوق الكنيسة الأثرية. وكنيسة القديس يوحنا المعمدان وكنيسة الملاك ميخائيل موجودة بالحصن الأثري، وكنيسة مارجرجس وكنيسة العذراء الجديدة وبنيت عام 1940 هذا إلي جانب قلالي الرهبان وقصر الضيافة ومباني الخدمات والمخبز. ويقول الراهب القمص أمونيوس المحرقي: إنه لا يوجد دير بلا سور لحماية الممتلكات الأثرية والرهبان الآمنين فيه، وعدم وجود سور لدير أبوفانا غرب ملوي سبب مشاكل كثيرة، ويقول القمص أمونيوس: البعض يفهم المصطلحات الكنسية بشكل خاطئ، ومن ذلك كلمة «الحصن» وهو مبني قديم موجود بالأديرة الأثرية، يحتوي علي كنيسة صغيرة وغرف لحفظ الغلال وغرف لنوم الرهبان وبئر. وهذا المبني كان يلجأ إليه الرهبان القدامي وقت هجوم البربر أو الرومان علي الأديرة. فيدخلون فيه عن طريق قنطرة خشبية يتم رفعها بعد أن يدخل آخر راهب وبذلك يتم عزل الرهبان عن المكان المحيط بهم، فلا يستطيع المهاجمون قتلهم، وهذا ليس هروبا من الموت، بل خوفا من أن يعاقب الله المهاجمين بسبب قتلهم! ويضيف الأب أمونيوس: والملاحظ في الأديرة الحديثة - مثل دير مارجرجس الخطاطبة -أنها لا تبني فيها «حصون»، وكذلك يردد البعض مصطلحات كنسية مثل «ذخائر القديسين» و«حق الذخيرة» فيظنها السامع أسلحة، ولكن الذخائر هنا تعني الجواهر فذخائر القديسين هي أجسادهم. أما «حق الذخيرة» فيوضع فيه جزء من القربان المقدس - التناول - لمناولة المرضي، حيث يقال عنه «جوهرة» تماما مثلما نستخدم كلمة الذخائر في سلسلة الكتب الشهيرة. ويضيف الأب أمونيوس: هناك رجال أمن داخل وخارج الدير طوال النهار والليل، كذلك هناك الخفير الذي يحرس الآثار، وهو مقيم بالدير بشكل دائم، والزائرون المسلمون في فترة المولد يصلون إلي 35% من عدد الزوار، يدخلون إلي كل الأماكن في الدير، فلا يوجد عندنا شيء خفي. الدكتور المهندس سامي صبري - أستاذ العمارة والتطوير العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة ووكيل معهد الدراسات القبطية ورئيس قسم العمارة - الذي صمم عددا من الكنائس يقول: إن الكنائس تبني بشكل ضخم لا كقلاع، بل لكي تعمر أطول فترة ممكنة، ولا يمكن استخدام مواد تتشرخ وتكون سيئة الشكل، ولذلك فالخرسانة عمرها أطول وتعيش أكثر من الطوب والحجر.