الصين هي عقدة العقوبات الجديدة التي يريد فرضها الأمريكيون وحلفاؤهم الأوروبيون علي إيران.. فهي لا تحبذ هذه العقوبات وتطالب مجموعة الدول الست بالصبر علي الإيرانيين والاستمرار في الحوار والتفاوض معهم، ولكن مع ذلك هناك من يعتقد أن هذه العقدة سوف تحل وأن الصينيين لن يعرقلوا اتخاذ مجلس الأمن قرارًا بفرض عقوبات جديدة علي إيران، مثلما لم يعطلوا من قبل فرض العقوبات الحالية التي تعاني منها إيران، وهي العقوبات التي لم تكلف الصين نفسها حتي عناء الامتناع عن التصويت عليها في حينه. هؤلاء يستندون في توقعاتهم هذه إلي أن الصين لا تريد أن تصبح معزولة دوليا أو أن ترفع درجة توتر علاقاتها مع الولاياتالمتحدة، خاصة بعد أن طرأ تغيير علي الموقف الروسي تجاه مسألة العقوبات الجديدة علي إيران.. فقد كانوا هم أيضًا مثل الروس لا يحبذون فرض عقوبات جديدة علي الإيرانيين، ويطالبون بالاستمرار في الحوار معهم، لكن الروس صاروا الآن يؤيدون فرض عقوبات جديدة علي إيران، وإن كانوا يطالبون باختيار هذه العقوبات، وتركيزها علي ما يخص ويفيد البرنامج النووي الإيراني فقط، ولا يؤذي جموع الإيرانيين، وحتي تكون هذه العقوبات ذات فائدة في إجبار الحكومة الإيرانية علي الانصياع للإرادة الدولية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هؤلاء يراهنون علي العلاقات الوثيقة التي تربط الصين والولاياتالمتحدة اقتصاديا، وهي العلاقات التي جعلت البعض يصف اقتصادي البلدين بأنهما أشبه بالتوءم الملتصق، اللذين لا يستطيع أحدهما العيش بدون الآخر.. حيث تعتمد الصين علي السوق الأمريكية التي تستقبل ثلاثة أرباع صادراتها، بينما تعتمد أمريكا علي الصين في تمويل نسبة كبيرة من عجز ميزانيتها، حيث تعتبر الصين هي أكبر مشتر لسندات الخزانة الأمريكية.. ولأن الصينيين يدركون مصالحهم وحريصون علي رعايتها وحمايتها فهم سوف يتخذون في النهاية موقفًا تجاه العقوبات الجديدة علي إيران لا يتصادم مع الولاياتالمتحدة. والمتابع لآخر تصريحات للرئيس الأمريكي حول مسألة هذه العقوبات سوف يلحظ أن ثمة تغييرًا في كلامه بخصوص فرضها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهو ما يشير ضمنًا إلا أنه لا يخشي معارضة صينية لها داخل مجلس الأمن تمنع إقرارها، وهذه التصريحات تختلف عن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي تحدثت قبل أسبوعين عن ممارسة ضغوط علي الصين لتوافق علي فرض العقوبات الجديدة علي إيران، أوباما لم يتحدث عن هذه الضغوط، بل تحدث عن اتجاه المجتمع الدولي للموافقة علي هذه العقوبات خاصة بعد موافقة الروس. وهذا يعني أن الرفض الصيني تجاه هذه العقوبات لم يعد صارمًا مثلما كان من قبل وأن احتمالات سحب الصين هذا الرفض قائمة وليست مستبعدة، والقرار الذي اتخذه الإيرانيون بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% قد يساهم في ذلك، لأنه يعلي من الحجة التي يستخدمها الأمريكيون لإقناع الصينيين بالموافقة علي العقوبات الجديدة.. فهو يزيد من المخاوف من اندلاع حرب جديدة في المنطقة تبدأ بمغامرة إسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهذه الحرب سوف تؤثر علي إمدادات النفط التي تحصل عليها الصين من المنطقة، بينما فرض العقوبات سيثني الإسرائيليين عن القيام بهذه المغامرة. ولاشك أن تغيير الموقف الروسي تجاه فرض عقوبات جديدة علي إيران هو أكبر ضغط يتعرض له الصينيون الآن تجاه هذه المسألة، ولعل هذا ما يفسر بعض التفاؤل الذي اتسم به حديث الرئيس الأمريكي أوباما عن إقرار هذه التعديلات في مجلس الأمن خلال الأسابيع المقبلة. لقد اتخذ الروس هذا الموقف رغم العلاقات الوثيقة التي يحرصون عليها مع إيران، وليس من المستبعد أيضًا أن يحذو الصينيون حذوهم رغم العلاقات الوثيقة التي تربطهم بإيران أيضًا.. وإيران لن تقدر علي معاقبة أي منهما بتخفيض مستوي علاقاتها معهما لأنها تحتاجهما، والدليل أنها لم تفعل ذلك حينما سبق أن وافقا علي العقوبات الدولية الحالية المفروضة عليها.