قبل أن تنتهي المهلة التي منحها الأوروبيون والأمريكيون لإيران للرد علي دعوة أوباما للحوار والتفاوض حول الملف النووي، ردت إيران إن لم يكن مباشراً كما كان متوقعا ولا واضحا أيضا، إيران اكتفت بالاعراب عن رغبتها في استئناف الحوار والتفاوض مع الدول الست “الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن” بالإضافة إلي ألمانيا، كما أن الرد كرر ما سبق أن أعلنه متقي وزير الخارجية الإيراني عن عزم إيران التقدم بأفكار جديدة خلال التفاوض دون الإفصاح عن هذه الأفكار الآن. وهكذا استأنفت إيران لعبتها القديمة، وهي لعبة كسب الوقت.. فقبل أيام من انتهاء المهلة التي منحها أوباما ومعه قادة الدول الثماني ردت علي دعوته بالحوار، وجاء الرد عشية اجتماع ممثلي الدول الست للبحث في تشديد العقوبات علي إيران، وهو الأمر الذي باتت واشنطن ومعها كل من باريس ولندن وبرلين تتحمس له، وهذا يعني أن الرد الإيراني غير المباشر علي دعوة أوباما بالحوار يستهدف فقط إحباط محاولات تشديد العقوبات عليها وتفادي تعرضها لعقوبات أكثر قسوة، خاصة أنها تخشي أن تتعرض لحظر تصدير البنزين والمنتجات البترولية لها، وهي تعاني نقصاً شديداً فيها رغم أنها دولة منتجة للنفط الخام. وهذا ما فعلته دوما إيران منذ أن بدأت الشكوك تثار دولياً في ملفها النووي وفي أن له طبيعة عسكرية ولا يقتصر علي الأغراض السلمية.. أنها تتخذ خطوة في اتجاه الحوار مع الدول الست في آخر وقت أو في الساعة الرابعة والعشرين، وهكذا استبقت تقرير د.محمد البرادعي عن ملفها النووي بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول أحد مواقعها النووية المهمة، والسماح بزيادة نظم الرقابة من قبل هؤلاء المفتشين لموقع نووي آخر لا يقل أهمية.. وقد ظفرت إيران بالفعل بما أرادت وصدر تقرير البرادعي الأخير خاليا من الانتقادات التي كانت تتضمنها تقاريره السابقة حول عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية.
وهكذا.. القت إيران بالكرة من جديد التي كانت في ملعبها إلي ملعب أمريكا وأوروبا، بعد أن منحت روسيا والصين اللتين تعارضان تشديد العقوبات عليها سبباً إضافياً للاستمرار في معارضتهما هذه، ويصير صعباً علي أمريكا وحلفائها الأوروبيين انتزاع موافقة من مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة أشد عليها. والسؤال الآن ماذا سيفعل أوباما الذي مد يده بالحوار لإيران؟.. هل سيقبل باللعب مع الإيرانيين ويقبل أن يفرضوا عليه أسلوبهم في اللعب فيخسر في النهاية مباراته السياسية معهم؟.. أو هل سيعتبر هذا الرد الإيراني كافياً علي دعوته لهم بالحوار ويمنحهم مهلة أخري ليكسب الإيرانيون وقتاً إضافياً يحتاجونه لإنجاز إضافي في برنامجهم النووي والاستمرار في تخصيب اليورانيوم.. أم أن أوباما لن يعتبر تمني إيران العودة إلي التفاوض حول ملفها النووي رداً مناسباً علي دعوته لها للحوار والتفاوض؟ كلا الأمرين.. أحلاهما مر للرئيس الأمريكي إذا اعتبر كلام الإيرانيين رداً مناسباً علي دعوته ووافق علي منحها مهلة جديدة يحتاجها أي حوار أو تفاوض معها، فإنه سوف يغضب الإسرائيليين والأهم زعماء اليهود في أمريكا الذين لا يرون جدوي في الحوار مع الإيرانيين ولا يرضون بأقل من تشديد العقوبات علي إيران تمهيداً لشن هجوم عسكري عليها.. والأهم فإن أوباما سيكون قد منح الإيرانيين ما يريدونه فعلاً.. أي وقت إضافي ليس للحوار ولكن للتقدم في برنامجهم النووي. أما إذا لم يعتبر كلام الإيرانيين رداً مناسباً علي دعوته لهم للحوار، ولم يمنحهم مهلة جديدة، بات عليه اتخاذ إجراء آخر تجاههم، ولا سبيل أمامه الآن في ظل عدم الرغبة في إجراء عسكري أن يشدد العقوبات علي إيران.. وهنا عليه إقناع روسيا والصين بذلك وهو أمر ليس أسهل من إقناع الإيرانيين بالحوار! لقد أعلن الناطق باسم البيت الأبيض لقد سمعنا ما قيل ولكننا لم نتلق أي شيء نهائي من جانب الإيرانيين.. وهذا يعني أن واشنطن تنتظر من طهران كلاماً أكثر تحديداً.