بعد جلسة معايدة مع الصديقين جورج وهبة وأنطوان سامي تطرق الحديث إلي ما جري في نجع حمادي؟ عندما قام مسجلون خطر بقتل ستة أقباط مع شرطي غلبان مسلم وهربوا.. الأمر صادم!! حتي مع كونه لم يكن الأول بل وأكاد أقول: الآتي أسوأ.. طالما أن الأمور تسير علي نفس المنوال المخزي . أخذت أفكر: مواطنون خارجون من صلاة أو قداس، وفي عيد، الكل في حالة فرح وسلام.. أطفال في ملابس جديدة، كبار يهنئون بعضهم البعض، و.. عيد قيامة مجيد وعام سعيد وفجأة يظهر المسجلون خطر حاملين رشاشات أو بنادق تمطر رصاصات وتخترق أجساد أبرياء في يوم العيد. يقال إن أحد المسجلين سبق له القيام بعمليات اغتيال.. منذ سنتين فقط.. والسؤال المنطقي هنا: كيف تُرك طليقا كي يكرر مسلسل الموت.. هكذا ببساطة؟ بعدها قيل أن العصابة.. سلمت نفسها للشرطة معترفة.. ثم أنكرت كالعادة.. ومع كل تركيزي علي أهمية سرعة محاكمة القتلة، فإن التركيز الأهم هو الكشف عن المحرك.. عن الدافع الأصلي.. وليس قمة جبل ثلج الإرهاب البغيض، فالحاصل أن هذه لم تكن أول كارثة.. وليس أول قاتل بدم بارد.. ولا هي أول حادثة ثأر.. ولا هو أول تبرير مهدئ مؤقت.. كل هذا لن يجدي.. وإلا تحول الوطن إلي غابة، وتحولت أنا إلي مختل عقليا في نجع حمادي كبير. وهناك خلل يزداد بشاعة، تتكرر معه حالات اغتيال شريك الوطن لن تفيد معها حفلات إفطار الوحدة الوطنية تلك التي لم نعرفها إلا في أيام الهوان.. التي شعرت بسببها بالخجل معتذرا - دون ذنب ارتكبته - للاخوة إحسان بديع وعادل توفيق وسامي بديع ورامي فوزي وجاد إبراهيم جاد وفوزي قزمان وغيرهم. هو خلل لن تنفع معه إجراءات تسكين أو تبريد.. الواجب الأكيد مراجعة أمور كثيرة في مجالات التعليم (من أول أولي حضانة حتي نهاية الدراسة الجامعية)، والإعلام (من أول نشرة الأخبار وحتي برامج تفسير الأحلام)، والثقافة (من أول مقالات زغلول وعمارة وحتي كتابات الجرائد الصفراء)، ثم وهو الأهم: المؤسسات الدينية (وتلك قصة أخري)، هو خلل تولد بفعل تحضير عفريت في السبعينيات نخشي أن نفشل في صرفه الآن.. حقا.. لم نكن نعرف قبلا تعبيرات: أقلية، وحدة وطنية، تطرف، أحداث عنف، فتنة طائفية.. وهي التي تحولت إلي كليشهات مألوفة في مصر، بكل حسرة، وأكرر هنا تعجبي الذي أبديته في مقال سابق عنوانه: الوحدة غير الوطنية.. فيما يخص الشكل دون المضمون في علاقة كانت قبلا بين مصري ومصري، يحاول البعض تحويلها إلي بين مسيحي ومسلم ضمن صراخ هنا أو تشنج هناك، فيما يتشبع جيل قادم بأفكار بائسة تحرض علي كراهية الإنسان ومقاومة المحبة والسلام ومكافحة كل ما هو جميل ومفيد، متناسين أن كل الأديان تحث علي حب الإنسان بل الرفق بالحيوان. لم نكن نعرف قبلا نجوما تتكسب فضائيا من الهجوم علي عقيدة أخري، ولم نسمع عن سالم أو ديدات أو زكريا بطرس، بطريقة التربح من إهانة الديانات. لكن الوضع اختلف والبعض تغير بفعل الأضواء مع الأرباح، وما أكثر قنواتنا التليفزيونية التي لا تسمع فيها أحيانًا سوي الصراخ مع التهديد والوعيد، وبما قد ينعكس علي المتلقي ضعيف الوعي أو الإيمان، وما وصلنا إليه حاليا وما قد يزيد الأمور سوءًا لاحقًا. إبان رحيل صديق العمر رءوف مسيحة نشرت لي جريدة وطني مقالاً أعزّي فيه نفسي لفقد رءوف، كانت صداقتي مع الراحل قد دامت عشرات السنين عبر أيام يطلق عليها: الزمن الجميل، أتذكر رءوف وأحزن لما وصل إليه الحال.. قتلي أبرياء، ترويع للبشر، تعميق للبغضاء وتهميش لحق المواطنة والمساواة، انتظارًا لرد فعل متوقع ومنطقي وبالروح بالدم نفديك يا صليب، ولنأخذ نموذجًا لصديق العمر: مواطن يسدد ما عليه من ضرائب والتزامات، ينتج ويبني ويؤدي الخدمة العسكرية، ما هو المطلوب منه أكثر؟ وما دام يحترم القانون والعرف والتقاليد؟ وما هي الفائدة التي تعود علي مصر من اغتياله.. مثلاً؟ وهل التخلص منه سوف يصلح كل الأحوال؟ والاقتصادية منها خاصة؟ مواطن رايح يصلي نقتله؟ إيه الحكمة يعني؟ هذه المرة قيل إن السبب هو الثأر دفاعًا عن الشرف.. حسنا.. ومع أن ذلك غير منطقي.. ليكن.. طيب.. المرات اللي فاتت؟ ثم تحاول إقناعي بأن المجرمين الثلاثة أرباب الكلاشنكوف أو عوزي قد تصرفوا من ذواتهم! مرة أخري.. هذه فقط هي قمة جبل الجليد.. القاع يتضمن المدرسة والتليفزيون وربما خطبة الجمعة وقداس الأحد، ثم يتكرر التساؤل: هل يوجد تشجيع أو تمويل أو تفريخ وارد الخارج؟ ثم.. ما هو ذلك المجهود الذي كان متوقعًا ذات يوم من نواب الشعب وأصحاب القلم وكل من يساهم في تشكيل وعي الأمة، ما هو دور النخبة الذي بات محدودًا أو مفقودًا تجاه ما يسمي بالملف القبطي؟ ثم من المناظر المستفزة والمؤلمة.. ذلك الشرطي الجالس أمام باب كنيسة وكأن الأمر يتطلب حماية مواطن يؤدي شعائر دينية.. وهو منظر لا يتكرر أمام أي مسجد، تمامًا مثل غيره من مناظر تجسد تخلفنا بكل أسف، ومرة أخري وبمناسبة العسكري الغلبان..: الأمن وحده لن يحل مشكلة تفاقمت بتعمد، الحل يستدعي مواجهة المشكلة - الكارثة بالمنطق والقانون والدستور، بإرساء مبدأ المواطنة والدين لله وإلا فإن البلد قد يصبح صورة أخري من لبنان أو السودان، بكل أسف. ونذكركم: من قتل نفسًا كمن قتل الناس جميعًا، وهي النفس التي يحرم الله قتلها إلا بالحق (مرة أخري بالحق) نذكركم بالوصية، لا تقتل، ثم: أحبوا أعداءكم، نذكركم أيضًا بأن العدالة السريعة والعقاب المستحق مع الوصول لسبب الداء هو المخرج الوحيد مما نحن فيه وما ينتظرنا من كوارث وما قد نعانيه من هجوم وآلام، وبما يضطرني ومعي الغالبية العظمي من الشعور بالخجل، بل الشعور القاتل باليأس، مع كل الحزن، بفعل بشاعة بلا حدود.