فكر في أي اسم في مجلس الوزراء.. بدءاً من رئيسه.. هل فيهم من يمكن أن تقول إنه يعارض (مدنية الدولة).. هل فيهم من يؤمن بالدولة الدينية.. هل فيهم من لا يثق من أن التطرف الثقافي خطر رهيب علي مستقبل الدولة؟ أبداً. كلهم عصريو الفكر.. ومنهجهم الدولة المدنية: أحمد نظيف.. فاروق حسني.. مفيد شهاب.. حبيب العادلي.. أحمد أبوالغيط.. ممدوح مرعي.. أحمد شفيق.. سامح فهمي.. رشيد محمد رشيد.. محمود محيي الدين.. أحمد المغربي.. أنس الفقي.. هاني هلال.. أحمد زكي بدر.. وغيرهم.. وبالتأكيد يوسف بطرس غالي وماجد جورج.. ليس في هؤلاء.. حتي إن اختلفت حول أداء بعضهم.. وبقية أعضاء المجلس من يمكن أن يحابي دعاة الرجعية.. وأصحاب منطق الدولة التي مرجعيتها شيء غير الدستور. إذن.. أين تكمن المشكلة؟ لماذا لا تستطيع الدولة أن تفرض صفتها الأساسية ومنهجها المعروف علي الواقع الذي أصبح يتنامي ويمثل تهديداً لأمنها القومي حتي تبلور وأصبح (مناخاً طائفياً).. و(تحريضاً كامناً تحت ركام يصبح ناراً في لحظة)؟ هل المشكلة في الدستور؟ أبداً.. الوثيقة الأساسية للدولة تقدمية جداً في مدنيتها وعصريتها.. حتي إن سجل بعض الأقباط ملاحظات علي نص المادة الثانية التي تقول: إن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. الدستور ينص علي مدنية الدولة.. ويرفض أي مظاهر لخلط الدين بالسياسة.. ويقر حرية العقيدة. مرة ثانية: إذن.. أين المعضلة؟ أين مكمن الثغرات؟! أو لنكن دقيقين في استخدام الكلمات.. من أين تنشأ هذه الفجوات في جدار المدنية؟! بحيث تجد فيضاناً من الثقافة الظلامية التي تعشش في عقول الناس.. وتحولهم من مواطنين مصريين.. إلي جانبين: مسلم ومسيحي.. وفي كل جانب تجد من يصنف هذا علي أنه مؤمن صحيح.. وذاك علي أنه غير مؤمن.. أقول في كل جانب. هذا هو الخطر الحقيقي الذي يواجه البلد من داخله.. قد يكون الفقر خطراً.. لكن يمكن مواجهته.. قد يكون التفاوت الاجتماعي خطراً.. لكن يمكن جسره.. قد يكون الفساد خطراً.. لكن يمكن محاربته.. حتي الاحتلال من الأجانب أمكن التحرر منه.. أما التطرف والطائفية فهما الخطر الأعظم.. الدولة تعرضت لتهديد نوعي بحادث فتنة طائفية في الزاوية الحمراء عام 1979 .. ومن ثم تعرضت لخطر حقيقي باغتيال الرئيس الراحل في، 1981 .. وصارت قيد الإرهاب سنوات طويلة.. وها هي تواجه التحريض الطائفي المتنامي والمتراكم. والأسباب التي تؤدي إلي هذه الحالة معروفة فكرياً وثقافياً ودينياً.. كل المواجهات مع الوقائع المفردة جرت علي قدم وساق وبمنتهي الاحتساب للنتائج والحسم المفترض.. لكن الفكرة موجودة في العقول.. ولا يكفي أن تكتم فوهة البندقية وتنزع فتيل القنبلة وتسجن الإرهابي وتعاقب الطائفي لكي تتأكد من أن الخطر زال.. الخطر قائم مادامت الأفكار موجودة في العقول.. صاحب الفكرة قد يقتل بعصا وليس ببندقية.. والمؤمن بعقيدة قاتلة يمكنه أن يحرق بلداً بعود كبريت ولا يحتاج لأن ينتمي إلي تنظيم.. أو يرتبط بمؤامرة مرتبة دولياً. الكموني.. قاتل نجع حمادي.. ليس عضواً في جماعة إرهابية.. كما تقول التحقيقات.. وقتلة المسلم الذي تزوج قبطية في شارع الكابلات قرب الأميرية وصدر عليهم حكم ليسوا أعضاء في تنظيم سري.. وبالتالي فإننا أمام خطر رهيب جداً.. يجعل من مئات المواطنين في أي لحظة خطراً حقيقياً علي استقرار البلد.. حتي لو لم يكونوا يعلمون.. وحتي دون أن يدروا هم. الشحن المتراكم عبر سنوات.. من خلال كتب حقيرة.. والتعبئة المتوالية من قنوات مروعة.. والتثقيف المضاد لمدنية الدولة من منابر متنوعة.. والترديدات الشفوية علي ألسنة بعض الناس دون انقطاع منذ حقب زمنية.. كل هذا يملأ النفوس ببارود لم يهربه تنظيم.. وقنابل لا يتم التحكم فيها عن بعد.. وهي أيضاً ليست موقوتة.. فقط تم تعميرها وتجهيزها.. بحيث تنفجر هي من تلقاء نفسها.. وبالتالي يكون بيننا بعض الناس قنابل متجولة دون أن يعرفوا هم أنفسهم. هذا حديث ذو شجون يجب أن نواصله. الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني : [email protected]