هناك حالة من حالات ترتيب الأولويات في مجال ثورة الاتصالات المستمرة، والتي تأخذ أشكالا مختلفة مما قد يؤثر علي مضمون العرض الفني الجماهيري، والسؤال هو هل سوف يختفي المسرح أمام الفضائيات ثم اليوتيوب ثم.. إلخ؟ بالطبع السؤال مشروع، ولاسيما أن السينما ذاتها اختلفت مع الثورة الرقمية، مما جعل الكومبيوتر طرفا أساسيا في الإنتاج السينمائي، فهل المسرح، وهو فن راق ومهم يتصل بالقدرة علي التواصل بين الجمهور والممثل سوف يتأثر بشدة من جراء ذلك؟ المسرح أشكال وأنواع. هناك مسرح الدولة، أو القطاع العام، وهناك مسرح القطاع الخاص. وفي داخل الأخير تجارب متنوعة ما بين الجد والهزل، الرصين والتافه. وقد برزت في السنوات الأخيرة فرق مسرحية شبابية مهمة. أتذكر أنه منذ عشر سنوات شاهدت مسرحية مهمة لفريق مسرحي علي مسرح الهناجر اسمها "اسكتشات حياتية" مثلت نقدا رفيعا للمجتمع الاستهلاكي وقصص الحب المشوهة، وهناك عشرات التجارب الشابة التي يعج بها مسرح الهناجر، وغيره. ولكن هل يمكن أن نري ما يمكن أن نطلق عليه مسرح الشارع الهادف، أي المسرح الذي يتناول قضايا اجتماعية وإنسانية رصينة؟ تجربة لطيفة لوزارة الأسرة والسكان في إعادة "مسرح الشارع" للتوعية بالقضايا الاجتماعية. في مسرحية "إحنا مين"، التي ألفها وأخرجها السيد الأباصيري، تجربة مهمة لتحذير الجمهور من مخاطر عدم امتلاك أوراق هوية، وبالأخص شهادة ميلاد، وبطاقة رقم قومي. المسرحية عُرضت في أماكن جماهيرية في عدد من المحافظات من مراكز شباب، إلي دوار العمد والمشايخ، وانتهاء بالشارع. شاهدت أحد هذه العروض في إحدي قري محافظة الجيزة الفقيرة. وجدت الأطفال متفاعلين معها، والنساء والفتيات الفقيرات أكثر المنتبهين إليها. استمرت المسرحية نحو الساعة، لم أشعر بالوقت، ولاسيما أن أداء الممثلين كان مبهرا. حركاتهم وانفعالاتهم حتي دموعهم كانت حقيقية. إجمالا تجربة مهمة كشفت أن عدم امتلاك شهادة ميلاد يحرم الشخص من كل شيء من المهد إلي اللحد، فكانت هناك الطفلة التي حرمت من التعليم، والجد الذي لا يستطيع أن يواري الثري بعد موته لعدم قدرته علي استخراج تصريح دفن. التجربة لافتة، ويمكن أن تٌستخدم في إعادة الفن عامة، والمسرح خاصة إلي الوجدان الشعبي. ما أكثر القضايا الاجتماعية التي تحتاج إلي توعية غير مباشرة من خلال المسرح الاجتماعي النقدي، الذي يجسد المشكلة الاجتماعية من خلال مزيج فريد من الحوار الجاد، والنقد اللاذع، والضحكة غير المتكلفة. جيد أن نتحسر ونضحك علي أوضاعنا الاجتماعية البالية. أتمني أن نري تجربة المسرح الشعبي في كل مكان، وتحية لمنتج ومعد هذا النص المسرحي الرفيع، وقد تكون بداية لوزارة الأسرة والسكان لمحاكاة التجربة في كل مبادراتها الاجتماعية خاصة في مجال السياسات السكانية، التي يبدو أن الوزيرة الجادة مشيرة خطاب تبحث فيها عن مخرج يساعدها أن تفعل شيئا بعد سنوات متراكمة من السياسات الخاطئة، والشعارات البالية، والمواقف غير الجادة. التجربة مهمة، ولكن ستبقي المسألة الأساسية هي كيف يمكن أن يتسع المسرح الشعبي؟ هل يمكن أن يكون علي مستوي الشارع، وفي كل مدرسة، بحيث نصل إلي الجمهور العادي بلغته، وتطلعاته، وأسلوبه، واحباطاته، وإخفاقاته؟ أسئلة مهمة، أتصور أنه لابد من وجود خطة للنهوض بذلك مكانها وزارة الثقافة بالطبع.