يعتبر الكاتب البريطاني صمويل بيكيت 1906-1989 من أشهر الأدباء البريطانيين في القرن العشرين.. وهو أحد الأدباء البريطانيين من أصل أيرلندي الذي فاز بجائزة نوبل للأداب في عام 1969.. ويتميز صمويل بيكيت بقدرته الفائقة علي التعبير عن الإنسان العادي بكل أحلامه وأماله.. وبكل انطلاقاته وإحباطاته.. وبكل أفراحه وأتراحه لا سيما في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن أشهر أعمال صمويل بيكيت مسرحيته الرائعة "في انتظار جودو" Waiting for Godot التي كتبها عام 1952 والتي يشير النقاد إلي أنها تعبر بصدق عن حال إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية، والخواء الذي يعاني منه العالم إلي الآن، علي الرغم من مرور أكثر من ستة عقود. وتدور المسرحية حول شخصيات معدمة ومهمشة ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعي " جودو" ليغير حياتهم نحو الأفضل.. وبعد فصلين من اللغو والأداء الحركي، والحوار غير المتواصل، تنتهي المسرحية ولا يأتي "جودو" أبداً.. وعلي الرغم من عدم ظهور جودو علي الإطلاق في المسرحية فإنه كان الشخصية الأكثر بروزاً، وكانت الشخصية التي يتحدث عنها الجميع، دون أن يدري أحد ماهية جودو، أو طبيعة شخصيته، أو خصائصه الشخصية والوظيفية.. ويشير النقاد إلي أن شخصية جودو تشير إلي حلم الإنسان الذي لن يتحقق، فهو إنتظار لما لا يجيء، ولمن لن يظهر، هو انتظار للحلم المستحيل! ومن يتأمل الواقع المصري في هذه الأيام يجد أن المصريين أكثر الناس انتظارًا لجودو في مجالات عدة.. فمن يتابع برامج التليفزيون ومسابقاته يجد أن الناس كلها أصبحت في انتظار المكسب الذي لن يأتي، وفي انتظار حلم الثراء الذي لن يتحقق، وفي انتظار البشري التي لن تصل!! المصريون، ولا أعمم، يميلون حالياً إلي الاستغراق في الوهم، وإلي تضييع الوقت في انتظار ما لن يجيء أبداً.. هم ينتظرون الثراء بلا عمل، والفوز بلا جهد ولا تعب، وتحقيق الأهداف بدون العمل لها.. والنجاح بتفوق في الامتحانات بدون استعداد كافٍ لها وبدون مذاكرة حقيقية.. والوصول إلي الغايات بدون استخدام الوسائل المؤدية إليها.. المصريون أصبحوا أناساً طيبين، والحياة لا تستطيع أن تعطي لجامها للطيبين. الحلم طبيعة بشرية، وهو حق مشروع لكل فرد، ولكل جماعة، ولكل شعب، غير أنه في كل أحواله يجب أن يكون حلماً مبنياً علي واقع، وتسانده إمكانيات الفرد وأعماله.. ولا شك أننا بدون الحلم نموت، غير أن الحلم علي غير أساس يؤدي أيضاً إلي الموت..