بنك نكست يطلق شريحة Private لتقديم خدمات مصرفية وغير مصرفية حصرية لكبار العملاء    129 شاحنة مساعدات تعبر من معبر رفح إلى كرم أبو سالم لتسليمها للجانب الفلسطيني    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل فلسطينيا أَشهر لعبة على شكل مسدس    لبنان.. بدء المرحلة الأولى من تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية    الإسماعيلي يشكر الرئيس السيسي بعد اعتماده قانون الرياضة الجديد    إنريكي يستبعد تأثر باريس سان جيرمان بحرب روسيا وأوكرانيا    القبض على سائق أتوبيس نقل جماعي سار عكس الاتجاه بمصر الجديدة    انتشال 3 قطع أثرية ضخمة من مياه أبو قير بعد 25 عاما من آخر عملية مماثلة    7 عروض أجنبية في الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع الزملاء بصحيفة "فيتو" بشأن بيان وزارة النقل    195 عضوًا بمجلس الشيوخ يمثلون 12 حزبًا.. و3 مستقلين يخوضون الإعادة على 5 مقاعد في مواجهة 7 حزبيين    جامعة المنوفية الأهلية تتألق بأنشطة صيفية متنوعة لتعزيز مهارات طلابها    وزيرة التضامن تتابع العمليات الميدانية للحصر الوطني الشامل للحضانات على مستوى الجمهورية    الاتحاد السكندري ل في الجول: تأجيل مكافأة الفوز على الإسماعيلي لما بعد مباراة البنك الأهلي    تقرير: رابيو يعرض نفسه على يوفنتوس    الأعلى للإعلام يمنع مصطفى يونس من الظهور الإعلامي ل 3 أشهر بعد شكوى الأهلي    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    رسالة مهمة من الإسكان للمتقدمين على شقق سكن لكل المصريين 7 (صور)    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    تخفيضات تصل إلى 50%.. موعد انطلاق معارض أهلًا مدارس 2025- 2026    نقيب الأطباء: نرحب بجميع المرشحين ونؤكد على أهمية المشاركة بالانتخابات    القصة الكاملة لتحويل بدرية طلبة للتحقيق: بدأت بتجاوزات وانتهت بمجلس التأديب    لو كنت من مواليد برج العقرب استعد لأهم أيام حظك.. تستمر 3 أسابيع    أحمد سعد يتألق في مهرجان الشواطئ بالمغرب.. والجمهور يحتفل بعيد ميلاده (صور)    أحدث ظهور لنادية الجندي بإطلالة صيفية جريئة على البحر (صور)    الصحة: نقل 3 مصابين من حادث طريق مطروح إلى مستشفيات جامعة الإسكندرية والعلمين النموذجي    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    أسعار الفراخ اليوم الخميس 21-8- 2025 بأسواق مطروح.. الشامورت ب 120 جنيها    الجيش الروسي يحرر بلدة ألكسندر شولتينو في جمهورية دونيتسك الشعبية    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    الحكم بإعدام المتهمين بقتل تاجر مواشى لسرقته بالبحيرة    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية يتفقد "المشروع الصيفى للقرآن الكريم" بأسوان    جنايات بنها تنظر أولى جلسات محاكمة المتهم بخطف طفلة والتعدى عليها بشبين القناطر    وكيل صحة الإسماعيلية تفاجئ وحدة طب أسرة الشهيد خيرى وتحيل المقصرين للتحقيق    الجامعة المصرية الصينية تنظم أول مؤتمر دولي متخصص في طب الخيول بمصر    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    البورصة المصرية تخسر 4.6 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    رئيس مركز القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع "إسرائيل الكبرى"    كيفية صلاة التوبة وأفضل الأدعية بعدها    تقرير: تطور مفاجئ في مفاوضات تجديد عقد فينيسيوس جونيور مع ريال مدريد    بينها إسقاط الجنسية المصرية عن مواطنين.. رئيس الوزراء يصدر 4 قرارات جديدة اليوم    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    في جولة مفاجئة.. عميد طب قصر العيني يطمئن على المرضى ويوجه بدعم الفرق الطبية    دار الإفتاء: سب الصحابة حرام ومن كبائر الذنوب وأفحش المحرمات    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    بداية عهد جديد للتنقل الذكي والمستدام چي پي أوتو تطلق رسميًا علامة "ديبال" في مصر    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    "عيب عليك ده الزمالك جزء من تاريخ بلدك".. أيمن يونس يوجه تصريحات نارية    برلماني يطالب بتطبيق الحد الأدنى للأجور على معلمي الحصة فوق 45 عامًا    أسعار البيض اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    نتنياهو يرفض مقترح الهدنة ويصر على احتلال غزة بالكامل    أخبار مصر: اعترافات مثيرة ل"ابنة مبارك المزعومة"، معاقبة بدرية طلبة، ضبط بلوجر شهيرة بحوزتها مخدرات ودولارات، إعدام سفاح الإسماعيلية    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحسان عبدالقدوس .. الحب والحرية
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 18 - 01 - 2010

بمناسبة احتفال مؤسسة روزاليوسف بالذكري العشرين علي رحيل الأستاذ إحسان عبد القدوس، صدر لي اليوم كتابا تذكاريا عنه، في سلسلة "الكتاب الذهبي" التي تصدر عن المؤسسة، ننشر لقراء "روزاليوسف" مقدمته. بعد عشرين عاما علي رحيل "صانع الحب" إحسان عبد القدوس، غابت الشمس ولم يظهر القمر، وانشغل "كيوبيد" بفواتير محلات "البيتزا" تاركا سيفه السحري يعلوه الصدأ، وتجمدت كلمات الحب علي شفاه العشاق، وسادت لغة المصالح المادية وهجاء الأزمات، لهذا تشتد حاجتنا إلي إحسان وكتاباته، فهو كما وصفه الأديب الكبير يحيي حقي "الكاهن الأكبر في معبد للحب" الذي يجلس في صدارة مجلس العشاق ليصعد إليه بريد القلوب من كل حدب وصوب، بعد أن تحول الحب في حياته ومؤلفاته إلي قضية ورسالة تطمح لتحرير روح الإنسان من دون أن تخجل من جسده، حيث يبدو الإنسان في روايات إحسان كائنا لا تنفصل فيه صوفية الروح عن غرائز الجسد، وعلي كل طرف منهما أن يسمو بالطرف الآخر، والأمر نفسه ينطبق علي المرأة والرجل معا، بل وينطبق علي الوطن أيضا، حيث كان يؤمن إحسان أن الوطن ليس أرضا نعيش عليها وفقط، كما أنه ليس قوما نعرفهم ونعيش بينهم، بل الوطن هو "علاقة الانتماء التي تربط هذا الإنسان بتلك الأرض"، وهي علاقة تجعل كل عاشق لوطنه مستعداً للتضحية بعمره في سبيل كرامة وحرية هذه الأرض بالذات، ولذلك فإن "صانع الحب" الذي بدأ حياته الأدبية بمجموعة قصصية تحمل هذا الاسم، وتلاها بأخري تحمل اسم "بائع الحب"، لم يكن بعيدا عن السياسة بمعناها المباشر، وبلغت جرأته أنه في عام 1942 م وكان لايزال شابا يافعا لم يكمل عامه الرابع والعشرين، كتب مقالا بعنوان "هذا الرجل يجب أن يرحل"، طالب فيه بخروج المندوب السامي للاستعمار البريطاني اللورد كيلرن من مصر، وأظهر وعيا قوميا ناضجا في مختلف القضايا حتي أنه في عام 1945م حذر من بذور النكبة التي حدثت بعد ذلك بسنوات، وكتب مقاله الشهير "يا عرب تضيع الآن فلسطين"، وعندما حلت النكبة في عام 1948م بدأ حملة جريئة من خلال عدة مقالات كشف فيها ما عرف بعد ذلك باسم "فضيحة الأسلحة الفاسدة"، والتي كاد أن يدفع حياته ثمنا لها، بعدما حاول شخص مجهول اغتياله بطعنة خنجر أمام عمارة "الإيموبيليا" وسط القاهرة، وبعد ثورة 23 يوليو 1952 استمر في نقده الجريء لمظاهر الفساد في أي مجال، وبالرغم من صداقته لعدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفي مقدمتهم جمال عبد الناصر، إلا أن إحسان دفع ثمن شجاعته ودخل المعتقل بعد أن كتب مقالا ذاع صيته في كل مكان بعنوان "الجمعية السرية التي تحكم مصر".
هكذا كان إحسان عبد القدوس مناضلا من أجل الحب والحرية، ومدركا أنهما ضرورة للإنسان وللوطن أيضا، إذا لا يمكن تصور إنسان حر في وطن محتل، ولايمكن تصور وطن حر، وسكانه مجرد جماعات من العبيد المقيدين بسلاسل التخلف والرجعية، أو الغارقين في مستنقعات الجهل والحقد والكراهية، وبهذه الروح المنطلقة خاض إحسان معركته من أجل التحرر والمحبة وفهم الإنسان لذاته وللمحيط الذي يعيش فيه أيضا، وقد استخدم الأدب والصحافة، وكل فنون الكتابة ليؤكد علي رسالته التي تلقفتها السينما والإذاعة، حتي أن السينما قدمت له 50 معالجة فنية من بين 57 كتابا قدمها للمكتبة العربية بين رواية ومجموعة قصصية.
والمؤسف أن إحسان تعرض في حياته وبعد مماته لحملة تجريح وتضليل حاولت وصفه بالدعوة للانحلال الأخلاقي، ووصفت أدبه بأنه "أدب مكشوف"، وأطلق عليه البعض أحيانا لقب "أديب الفراش"، ولم يروا كتاباته إلا باعتبارها استثمارا متكررا لموضوعات العلاقة العاطفية والجنسية بين الرجل والمرأة.
وللأسف فقد وقعت لفترة في هذا الفخ، ولم أتمكن من إدراك القيمة الأدبية لإحسان عبد القدوس إلا بعد أن قرأت عددا من أعماله، وكذلك بعد أن مر زمن تغيرت فيه النظرة للأمور، وظهر لي ولغيري بوضوح أن إحسان بميوله الليبرالية المبكرة كان سابقا لعصره، وأنه كان يمهد المجتمع لمرحلة من الحرية لابد وأنه سيدخلها.
وعندما حاولت أن أتلمس المكونات التي أثرت في شخصية إحسان، لم أتوقف مثل كثيرين عند العبارات السطحية التي تقول أنه ولد لأب ممثل هو "محمد عبدالقدوس" وأم ممثلة هي السيدة فاطمة اليوسف التي اشتهرت باسم "روزاليوسف" فالأب كان مثقفا مرموقا، وعمل كمهندس لدي الحكومة المصرية قبل أن يستهويه الفن وكتابة المسرح والشعر، والأم لم تكن مجرد فنانة بسيطة الثقافة، لكنها كانت مهمومة بالعمل الاجتماعي والثقافي والسياسي، وأسست المجلة السياسية التي لاتزال تحمل اسمها حتي اليوم، وهي مجلة دخلت في العديد من المعارك العنيفة مع السلطة الحاكمة، وتعرضت لمصادرات وقرارات بالإغلاق، نتيجة دورها الوطني في مرحلة من أخصب مراحل النضال الوطني في مصر قبل ثورة يوليو وبعدها، هذا بالإضافة إلي أن إحسان اقترب في طفولته من جده لأبيه وكان رجلا أزهريا متمسكا بأصول الدين الإسلامي، وهكذا جمع بين ثوابت الدين وأركان الأخلاق، وبين التطلع لفضاء الحرية والفن وأحلام التحرر الإنساني.
وفي ذلك الوقت كان العالم يعاني من ويلات الحرب العالمية الثانية، وكانت مصر تحلم بالاستقلال، وتتمزق بين تناقضات مخيفة، وتئن تحت وطأة استعمار طويل أورثها الفقر والجهل والمرض، ونخبة منقسمة بين تيارات متعددة بعضها ينادي بتقليد الغرب، وبعضها يطالب بإعادة الخلافة الإسلامية التي أسقطها كمال أتاتورك معلنا موت الدولة العثمانية وولادة تركيا، وبعضها يراهن علي أفكار وافدة من الشرق الشيوعي، وهكذا تشظت الفرق والطرق التي تزعم أنها وحدها التي تمتلك الطريق نحو النهضة.
وفي وسط هذه الفسيفساء التقط إحسان نماذج رواياته وقصصه من الطبقة المتوسطة العليا وعناصر النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وبدأ عملية التشريح لتحليل وتفسير الازدواجية التي أدت إليها المفاهيم الوافدة التي تدعو لحرية نسمع عنها في الغرب، وتعاني في الوقت نفسه من تقاليد وأعراف ومفاهيم دينية وثقافية وأخلاقية لم يتم النظر إليها أو تجديدها وتطويرها منذ قرون طويلة، والحال نفسه ينطبق علي السلوكيات الاجتماعية التي تتوزع بين ادعاء استعارة مظاهر التمدن الأوروبي من ناحية، وبين التمسك الشكلي بمظاهر القيم الشرقية، وهو ما عرف بعد ذلك بثنائية "الوافد والموروث" أو "الأصالة والمعاصرة" هذا التوضيح لا يؤكد ما تردد كثيرا لوصف أدب إحسان عبد القدوس بأنه "أدب الطبقة المخملية"، لكنه علي العكس يبدو كمدخل موضوعي لفهم الطريقة الذكية التي دأب من خلالها إحسان علي تشريح أمراض المجتمع كله من خلال سرد حكايات وقصص لنماذج من الأبطال المثقفين المعنيين بهذه النوعية من القضايا التي لا تصلح كثيرا لأهل الريف، أو حتي المدن الصغيرة، لأن إحسان بحكم نشأته واهتماته بقضايا السياسة، كان يضع عينيه علي طبقة النخبة المؤثرة، وهذا ما يفسره تقديم إحسان نفسه لقصص "الساعات الأخيرة قبل الغروب" حيث يقول: "كثير من القصص التي كتبتها ترسم شخصيات من المجتمع الذي كنا نطلق عليه قديما لقب (أولاد الذوات) وهو مجتمع يمثل طبقة الرأسمالية والإقطاع، ولكن هذه الطبقة لم تنقرض ولم تنته أبدا خلال الثورة وإلي اليوم وإن كانت قد تغيرت أسماؤها وألقابها، وقد مرت مرحلة انتقلت فيها هذه الطبقة إلي داخل النظام البيروقراطي، وتغيرت بالتالي الألقاب التي يحملها أفرادها، فلم تعد باشا وبك وصاحب الرفعة ولكنها أصبحت "سي السيد"، "الوكيل الأول"، "المدير العام"، "الوزير"رئيس مجلس الإدارة"، و"العضو المنتدب",..إلخ ثم انتقل المجتمع إلي مرحلة أخري اتسعت فيها هذه الطبقة، فأصبحت أغلبيتها من رجال الأعمال وهي التي نعيش بينها أن تبرز أخبارها في الصحافة وتبرز شخصياتها في القصص، المهم أني عندما أعرض هذه القصص فإني لا أقول رأيا ولكني أسجل وأرسم "لوحة اجتماعية".
هكذا تدلنا كلمات إحسان إلي المدخل الصحيح لقراءة رواياته باعتبارها تشريحا ذكيا وديمقراطيا للطبقة الرئيسية في المجتمع، وهي طبقة بدأت في النصف الأول من القرن واتسعت مع ثورة يوليو، وحتي بعد سقوطها وتحللها خلال الثلاثين عاما الأخيرة، لم تنته قضاياها، بل زادت إلحاحا، وربما ساهمت هذه الطبقة الجريحة الآن في زيادة الإحساس بقيمة وصدق أدب إحسان عبد القدوس، وعمق رؤيته التي تطرقت لأنماط من العلاقات والمفاهيم، لم تكن مقتصرة في رأيي علي عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، لكنها رؤية إنسانية شاملة تبدو صالحة الآن أكثر مما كانت صالحة من قبل، وهذه سمة من سمات الأدب العظيم، حيث لا يمكن لمنصف أن يفصل أزمة "ماجي" في "النظارة السوداء" عن أزمة المجتمع كله، فالقصة قد تبدو عن امرأة وطبقة مفككة وأجواء من الابتذال والرقص والقمار، لكن هذا الإطار الذي يستخدمه إحسان للحكي، لم يكن كل شيء، بل يبدو أن الأساس هو سؤال البحث عن الذات الفردية وسط مجتمع مرتبك، تنهض فيه الاشتراكية ومنظومة القيم الجديدة للطبقة العاملة، في مواجهة قيم متهالكة، لكنها ترفض الاستسلام بسهولة أمام الجديد، وهذا الأسلوب الذي يربط بين العام والخاص ويوضح مأزق الإنسان الفرد في علاقته مع المحيط الاجتماعي والسياسي يبدو بصور مختلفة في روايات وقصص متعددة مثل "أنا حرة"، و"شيء في صدري" و"لا أنام"، و"في بيتنا رجل"، و"أمس واليوم وغدا" و"يا عزيزي كلنا لصوص" و"الصيد في بحر الأسرار"، و"خيوط علي مسرح العرائس" والأعمال الأخيرة كانت نموذجا لتشريح أساليب الفساد في مجتمع السبعينيات وبدايات الانفتاح الاقتصادي غير المحسوب الذي كشف عن نماذج من الوصوليين والمرتشين لم يتوقفوا عند أسلوب "ماجي" ووالدتها، بالرغم من استخدام نفس المفاهيم الأنثوية في استثمار العلاقات الخاصة، كما فعلت "خديجة" في "خيوط علي مسرح العرائس " للحصول علي أذون الاستيراد والتصدير و"سميرة هانم " في "النساء لهن أسنان بيضاء"، بل وتبدو رؤية إحسان مستقبلية وواعية وهو يرسم صورة لاذعة لهيمنة مدرسة العلاقات العامة والخاصة علي كل شيء حتي في العمل الدبلوماسي والسياسي، باعتبار أن ذلك نتيجة منطقية لانهيار سلم القيم وتدهور موازين الأخلاق وتحول كل شيء إلي سلعة، ففي قصة" الصيد في بحر الأسرار " تبدو السفارات وكأنها مكاتب لنوع من العلاقات العامة والخاصة المشبوهة، وتبدو الدبلوماسية منفصلة عن الهم السياسي للوطن، وكأن السفارات تحولت إلي بوتيكات للتجارة في كل شيء حتي البشر والأخلاق نفسها.. إحسان إذن كان يقول إن المجتمع المأزوم الغارق في "بئر الحرمان" يعاني من ازدواجية مريضة شطرته إلي نصفين نصف تحكمه "ناهد" ونصف تحكمه "ميرفت"، وبين الليل والنهار تختلف الأدوار بين النصف الملتزم والنصف اللعوب، لكن المجتمع في الحالين سيظل خاسرا وممزقا ومنقسما علي نفسه ما لم ينتهي "الفصام"، و"الحرمان"، وتتصالح ميرفت وناهد في كائن واحد لا يكذب ولا يزيف.. كائن يؤمن بالحب طريقا ووسيلة، ليس حب الذات وفقط، ولكن الحب كطاقة حياة لفرد حر في وطن حر.. وما أحوجنا إليك اليوم وغدا يا "صانع الحب" يا عم إحسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.