كان مهما أن تكون هناك قبل ايام مصالحة شيعية- درزية في بلدة الشويفات اللبنانية القريبة من بيروت. لا يمكن الا الترحيب بأي مصالحة بين اللبنانيين. ما كان مهما اكثر من المصالحة وجوه المشاركين فيها التي كشفت محياها عن نوع من الحذر المتبادل بين الجانبين. بين الطائفة الدرزية في مجملها من جهة والحزبين الشيعيين المسلحين من جهة اخري. يحتكر الحزبان حاليا التمثيل الشيعي، خصوصا بعدما استطاع "حزب الله"، وهو لواء في "الحرس الثوري الإيراني" وضع يده علي جزء كبير من الطائفة، بما في ذلك حركة "امل" التي فقدت منذ فترة لا بأس بها قدرتها علي المناورة. كان واضحا لدي الذين يعرفون قليلا عن وضع الشويفات ان الخطب التي القيت في المناسبة لا تغطي حقيقة المشاعر المتبادلة وذلك بغض النظر عن الجهود التي بذلها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي كان الي ما قبل فترة قصيرة زعيما وطنيا، في سبيل تجاوز احداث السابع من ايار - مايو 8002. ليس كافيا ان يتحدث وليد جنبلاط عن طي صفحة تلك الأحداث كي يحصل طي لها. الكلام الجميل شيء والواقع شيء آخر. يشير الواقع بكل بساطة الي ان لبنان لا يمكن ان يعيد بناء نفسه وبناء مؤسساته وترميم العلاقات بين طوائفه في ظل السلاح غير الشرعي الذي يسمح لطرف بفرض شروطه علي الآخر. هذا السلاح موجه الي صدور اللبنانيين. إنه موجه اولا الي صدور الشيعة الذين يرفضون هيمنة "حزب الله" وتحول طائفتهم مجرد أداة ايرانية تستخدم في جعل بيروت والجنوب مواقع متقدمة لنظام يسعي الي امتلاك اوراق اقليمية لا اكثر تستخدم في لعبة الابتزاز والمساومات. هذا السلاح موجه ايضا الي الدروز الذين تعلموا شيئا من دروس الماضي، بما في ذلك ان لا مستقبل لهم خارج لبنان وخارج الكيان اللبناني وان لا خطر عليهم لا من المسيحيين ولا من المسلمين، أكانوا سنة او شيعة. الخطر علي الدروز، وعلي جميع اللبنانيين في الوقت ذاته، مصدره السلاح غير الشرعي. ربما كان اهل الشويفات يعرفون ذلك قبل غيرهم. انهم يعرفون ان مساحة بلدتهم تتقلص بسبب السلاح وتمدد "حزب الله" في اتجاه مناطقهم بطريقة غير طبيعية. من كان منهم في حاجة الي التأكد من ذلك، انما حصل علي هذا التأكيد، بالملموس، في السابع والثامن من ايار الماضي عندما دخل المسلحون البيوت الآمنة بهدف اخضاع الساحل والجبل الدرزيين. هذا السلاح موجه الي المسيحيين تحديدا. أي الي المواطن المسيحي الطبيعي الذي يرفض ان يكون اداة لدي الأدوات وان يدافع عن السلاح غير الشرعي. هذا المواطن يدرك ان وجوده مهدد بسبب السلاح الذي يسهل عملية شراء الأراضي وفتح الطرقات في هذه المنطقة او تلك، كي يصبح في الإمكان تهجير قسم من اللبنانيين من ارضهم متي دعت الضرورة الي ذلك. السلاح غير الشرعي موجه الي كل اللبنانيين، بمن فيهم اهل السنة الذين رفضوا العودة الي منطق الميليشيات المسلحة وفضلوا اخيرا رفع شعار "لبنان اولا" الذي يحمي كل اللبنانيين. هناك في لبنان من تعلم من تجارب الماضي القريب وبدأ يعي ان كل اللبنانيين اقليات وان لا مفر من حصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية. ماذا فعل السلاح ببيروت واهلها الصامدين في السابع والثامن من ايار؟ هل هناك بالفعل سلاح غير شرعي يمكن توظيفه في خدمة لبنان؟ ام ان للسلاح غير الشرعي وظيفة محددة تتلخص بعبارة ان الوطن الصغير لا يصلح سوي "ساحة"؟ هناك حاجة الي مصالحات بين اللبنانيين. لكن لا معني لأي مصالحة في ظل السلاح الذي يستخدمه طرف معين لفرض وجهة نظره وسياساته واحتكار قرار الحرب والسلم. لا يغطي الكلام الكبير عن التحالف الدرزي- الشيعي- السني الذي اسقط اتفاق السابع عشر من ايار حقيقة ان لبنان تغير وان معظم اللبنانيين تغيروا وان من اسقط اتفاق السابع عشر من ايار كان اسرائيل نفسها. أسقطته اسرائيل لأنها وجدت ان اي سلام اهلي سيشهده لبنان لن يؤدي سوي الي فرض تسوية ما عليها بمباركة أمريكية. كان المشروع الذي طرحه الرئيس ريجان في تلك المرحلة جاهزا، لكن اسرائيل لم تكن تبحث عن تسوية علي الصعيد الإقليمي. كانت اسرائيل مناحيم بيجن تبحث عن فرض معاهدة سلام علي لبنان، وهذا ما رفضه بشير الجميل قبل ان يرفضه امين الجميل، وعن ابعاد المسلحين الفلسطينيين في اتجاه الأردن. كان مشروع الوطن البديل في الأردن والبقاء في الضفة الغربية هو الحلم الذي يراود ارييل شارون، وزير الدفاع وقتذاك، ومن خلفه في الموقع ذاته. لم يكن لديه همّ الدفاع عن اتفاق السابع عشر من ايار في أي شكل من الأشكال. الكلام عن الماضي وعن الشعارات التي رفعت في مرحلة معينة مفيد. وتزداد الفائدة عندما يكون هناك من يريد أن يتعلم شيئا من دروس الحروب اللبنانية، بما في ذلك ما يسمي انتفاضة السادس من شباط- فبراير 1984 "المجيدة" وربما "المجيدة جدا"، خصوصاً انها اطلقت العنان لتدمير صيغة العيش المشترك فيما كان يسمي بيروتالغربية... وساهمت في تحقيق ما أراده المسئولون الإسرائيليون. تحدث غير مسئول اسرائيلي في تلك المرحلة عن تفتيت لبنان وعن جعل رئيس الجمهورية اللبنانية "يحكم بالكاد قصر بعبدا ومحيطه". نعم المصالحات مفيدة شرط ألا تكون بالإكراه وفي ظل هيمنة السلاح الحزبي المذهبي. في الشويفات كانت الوجوه أصدق من الخطب. كانت الوجوه تقول إن البداية الحقيقية للمصالحات الحقيقية تكون بالرضوخ لمؤسسات الدولة وليس ببناء دولة داخل الدولة!