ما أشبه الليلة بالبارحة ..فمثلما فعل الصليبيون قديما حينما جاءوا في حملة صليبية ليدخلوا بيت المقدس واتخذوا من الصليب شعاراً لهم وبات الدين قناعا لهجماتهم الصليبية ؛فعل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في غزوه للعراق فهو اتخذ من الدين ستارا له ،بل وتبنت الإدارة الأمريكية السابقة رؤية دينية حالت بينهم وبين رؤية الأمور في نصابها وإدراك حقائق الصراع ضد الحرب علي الإرهاب وهو ما أدي في نهاية المطاف إلي كارثة سياسية وأخلاقية. وفي كتابه الجديد الذي صدر مؤخرا الذي يحمل عنوان "الحرب القائمة علي الإيمان" يسلط تي ويلتير هربرت- أستاذ فخري في الأدب الأمريكي والثقافة في جامعة ساوث ويسترن في ولاية تكساس - الضوء علي سنوات إدارة بوش والاسطورة التي تسيطر علي العقل الأمريكي والتي تتحكم في سياستها الخارجية. يشير الكاتب إلي أنه بالغوص في الأعماق النفسية للشخصية الأمريكية وجد أن الأمريكيين لديهم اقتناع بأن "دولة أمريكا" لديها مهمة مقدسة ألا وهي تنفيذ رسالة الله علي الأرض فلقد جعلها الله ملاذ الحرية في العالم لتبث نور الديمقراطية لسائر دول العالم ؛ فالثقافة الأمريكية تتأسس علي عدد من الافكار والأساطير التي يصعب بدونها فهم هذه الثقافة خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية أو التدخلات العسكرية أو الاقتصادية ومن بين هذه الأساطير "مدينة فوق التل"وتعود هذه الأسطورة الي منتصف القرن السابع عشر "عندما أخبر أول حاكم لمستعمرة ماساتشوستس جون وينثروب مجموعة من البيوريتانيين المتطهرين الذين كان يقودهم بأنهم في رحلة لم يباركها الرب فحسب بل انه يشارك فيها. وقال.. لابد أن نضع في اعتبارنا أننا سنكون كمدينة فوق تل تتطلع اليها عيون الناس جميعا". فحاول المؤلف المزج بين خيوط تلك الأسطورة وحقيقة الشخصية الأمريكية التي تسيطر عليها أسطورة "مدينة فوق التل" فهي تهيمن علي العقل الأمريكي ودفعت بالبلاد إلي خوض حربين عالميتين، فضلا عن الحرب الباردة بل وزجت بالعالم إلي غزو العراق وناهيك عن غرف التعذيب في سجن أبو غريب ومعتقل جوانتانامو. وتبني البيت الأبيض مبدأ أن الرئيس هو وكيل الله علي الأرض له الحق في معاقبة الفاسدين الأشرار.وهو نفس المبدأ القائل بأن شعب الله المختار يقوم باحتلال أرض الميعاد. وتجسدت النسخة الحديثة من هذه الرؤية التي تغلفها الامبريالية في حالة الغضب التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ،فمن أجل التغلب علي قوي الشر قام الامريكيون حاملو لقب الحضارة بتوظيف وسائل وحشية ؛منها انتهاك حقوق الإنسان وحقوق الديمقراطية -التي طالما حملت الولاياتالمتحدةالأمريكية شعلة الحضارة والديمقراطية لشعوب العالم اجمع -ولكن جاء بوش وانتهك حقوق الإنسان باسم تطبيق شرع الله في الأرض .فنسج خيال إدارة بوش حقيقة ان بوش له الحق في استخدام سياسة التعذيب وخلق أسباب وقصص وهمية للإطاحة بحكومة الرئيس العراقي صدام حسين .فحكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال سنوات حكم الرئيس الامريكي بوش لعبت دور الإله وهو ما أدي إلي عواقب وخيمة لا يزال العالم يئن من تبعاتها حتي يومنا هذا. ويزيل المؤلف الستار عن حقيقة تعد بمثابة مفاجأة للجميع فالأمريكيون عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية لم يشعروا فقط بالصدمة من هول الهجمات الإرهابية ولكن كانت من اكتشافهم ان هناك شعوباً تحمل لهم مشاعر الكراهية .. وبات لسان حالهم هو كيف يمكن أن يكون هناك أناس يكرهوننا إلي هذا الحد ونحن نعيش في "مدينة فوق التل" ؟ ونحن لا نريد شيئا سوي أن نكون منارة للحرية في العالم؟ وهي الأسطورة التي يشير المؤلف أنها أعمت الشعب الأمريكي عن الجوانب السلبية لتزايد تدخل أمريكا في العالم وهو ما جعل القاعدة تنجح في توجيه ضربة مفاجأة وتدمير برجي التجارة العالمي وهز صورة أمريكا أمام العالم.