اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره الروسي.. تناول سبل دعم الاستثمارات الصناعية الروسية    جيسوس: ماني تهور.. ورونالدو الأفضل في العالم    هل يهدد غياب لياو انطلاقة ميلان في الدوري الإيطالي؟    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يصدر إجراءات جديدة بشأن المكالمات الترويجية الإزعاجية    بعد مشاجرة كرداسة …خبراء يطالبون بتطوير آليات قانونية لفض النزاعات بين الملاك والمستأجرين    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    ستاندرد آند بورز: رسوم واشنطن توجه الصين نحو أسواق الجنوب    محافظ سوهاج يعتمد تعديل المخطط التفصيلي لمركز ومدينة سوهاج    محافظ الدقهلية: نتابع على مدار الساعة انتظام العمل واستقبال طلبات المواطنين بالمراكز التكنولوجية    نجم مانشستر سيتي ينتقل إلى البوندسليجا    محمد مطيع رئيسًا للاتحاد الإفريقي للسومو ونائبًا للدولي    دون إصابات.. السيطرة على حريق محدود بفرع النادي الأهلي في مدينة نصر    ضبط صانعة المحتوى «بطة» لنشرها فيديوهات تتضمن ألفاظا خادشة للحياء    أحدث إصدارات قصور الثقافة في معرض السويس الثالث للكتاب    اليوم.. العرض الخاص لفيلم درويش في الرياض بحضور عمرو يوسف    مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير يفتح باب المشاركة في دورته ال12    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    وزير الصحة يجتمع مع مجموعة BDR الهندية وشركة المستقبل للصناعات الدوائية لدعم توطين صناعة الدواء    «التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    كابوس في لحظات سعادة... تفاصيل مؤثرة لغرق طفل أمام عيني والدته بسوهاج    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    "فاليو" تنجح في إتمام الإصدار السابع عشر لسندات توريق بقيمة 460.7 مليون جنيه    تدريب المعلمين على تطبيقات الآلة الحاسبة.. بروتوكول جديد بين "التعليم" و"كاسيو"    نتيجة تنسيق تقليل الاغتراب لطلاب المرحلتين الأولى والثانية 2025    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    التأمين الصحي الشامل يشارك في قمة "تيكاد 9" باليابان    من هم أبعد الناس عن ربنا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    موعد حفل توزيع جوائز الأفضل في إنجلترا.. محمد صلاح يتصدر السباق    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    بعد جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يحيل مسؤولين بمستشفى نبروه للتحقيق    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر وخليج السويس والموج يرتفع ل3.5 متر    علي الحجار يحيي حفل الخميس ب مهرجان القلعة 2025 (تفاصيل)    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    كل ما تريد معرفته عن وظائف وزارة العمل 2025    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    «الوعي»: التحرك المصري القطري يُعيد توجيه مسار الأحداث في غزة ويعرقل أهداف الاحتلال    لافروف: أجواء محادثات بوتين وترامب فى ألاسكا كانت جيدة للغاية    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    15 صفقة لفريق الكرة النسائية ب "رع" استعدادا للموسم الجديد    جولة تفقدية للجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي بمطارى مرسى علم الدولى والغردقه الدولي    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بقايا هيكل! مصر وفرنسا "الحلقة 25"
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 13 - 01 - 2010

أسأل: هل كان هذا الهوس قد انحصر بالنخبة المصرية ؟ لقد ذكر هيكل بعض الأسماء من جيل الاستنارة، ولكن لم يذكر أي اسم من جيلين سبقا جيل الاستنارة ليري أن الثقافة الأوروبية التي كانت منتشرة في كل من سوريا ولبنان وحتي العراق هي ثقافة الفرنسيين قبل وصول الإنجليز.. لو تمعن هيكل تاريخيا في النخب السياسية والمثقفة الإصلاحية في الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر.. لوجدها كانت تستقي مصادرها من الفرنسيين، صحيح أن تأثير حملة بونابرت لمصرودومًا ما استخدم بونابرت بالنسبة للحملة، وليس نابليون .. ذلكم أن لقب نابليون قد استخدم بعد أن أصبح امبراطورا لفرنسا .. فكان يعرف بمصر ببونابرته، وقد وجدت في مخطوطات عراقية أن المثقفين العراقيين سموه ببرته بول تأثير الحملة كان كبيرًا، ولكن منذ عهد السلطان سليم الثالث المتأثر بالثورة الفرنسية ومن توالي في مسئوليات الدولة من المصلحين كانوا متأثرين بالثقافة الفرنسية.. سواء كانت نخبا تركية أم أرمنية أم عربية .. الخ ولا ننسي ايضا تأثير الثقافة الفرنسية الجديدة بالنخب العربية في كل من تونس والجزائر والمغرب بشكل خاص سواء قبل أزمة الاستعمار، أم من بعده .. وكم تمنيت علي هيكل أن يقرأ تاريخ الجبرتي ليري حجم تأثير الفرنسيين علي تفكير النخب .. ويمتعنا هيكل بقصيدة للشاعر احمد شوقي وهو يتغزل بفرنسا، ويدافع عن شرف باريس التي كانوا يتهمونها بالدعارة .. إذ يورد هيكل ما قاله شوقي: " زعموك دار مجانة وخلاعة ودعارة يا بئس ما زعموك إن كنت للشهوات ريا فالعلا شهواتهن مرويات فيك ..
فعلا أمتعنا هيكل بالقصيدة التي يقول عنها بانها هايلة .. ولكي يؤكد كيف أن الإليت هلكوا في باريس .. كيف ؟ يرجع ليورد قصة شخصية أيضا كاملة عن ذلك .. يقول: "لكن باريس بالنسبة لعدد كبير قوي وأنا يعني هلكنا بها مثلا صديقنا الأستاذ أحمد الصاوي محمد الصحفي الكبير اللي كان رئيس تحرير الأهرام في وقت من الأوقات ما بين الفترة اللي كان فيها أنطون باشا الجميل رئيس تحرير لغاية أنا ما رحت لرئاسة التحرير الأهرام كان كل حاجة عنده هي باريس فباريس خصوصا بقناة السويس وبدخول الفرنسيين في البنوك وفي صندوق الدين إلي آخره فرنسا تعتقد ومصر تعتقد في élite في نخبة في مصر فرنسية الهوي كثير قوي كانت خصوصا بين المثقفين والمفكرين.. ".
تأثير الثورة الفرنسية وتداعياتها
لم يكن التأثير قد نتج عن الحملة وعن بونابرت، بقدر ما كان للثورة الفرنسية من تأثير تاريخي كبير في العالم كله، خصوصا أن المبادئ التي دعت إليها في الحرية والعدالة والمساواة قد كانت السبب الأساسي الذي أثر في النخب الأوروبية اولا بديلاً عن قيم راسخة وقديمة كانت تنساق إليها كل المجتمعات متمثلة بالحكم المطلق والكنيسة والإقطاع .. جاء تأثير الثورة الفرنسية ليدق أبواب التفكير لدي النخب السياسية والفكرية التركية والعربية والإيرانية في منطقتنا.. فضلا عن تأثير بلورة القوميات الأوروبية للخروج من أطر قديمة كانت تهيمن عليها المنصوصات الدينية في الحكم .. صحيح أن مصر كانت سباقة للتأثر بفرنسا بفعل سياسة محمد علي باشا ومن توالي علي حكم مصر، ولكن الإعجاب المصري من قبل النخب لم يكن في الميدان لوحده أبدًا.
أما أن تقول إن في فرنسا ناسا مصريي الهوي عندما تقول: "وكمان في ناس في فرنسا مصريو الهوي لكن هواهم المصري هو الآثار الفرعونية ومقتنيات اللوفر والطراز الأمبيري اللي أخذه نابليون في الأثاث والمستوحي في كثير منه قوي مستوحي من الاكتشافات الفرعونية والفرنسيين عندهم اعتقاد انهم مش بس نابليون لكن كمان مثلا حد زي شامبليون هم يعتقدوا انهم مش بس دخلوا مصر العصر الحديث بالحملة الفرنسية والعلماء اللي فيها لكنهم أيضا بأنه شامبليون فك أسرار اللغة الهيروغليفية وبالتالي فتح التاريخ المصري أمام العالم كله".
هؤلاء الناس الذين تتحدث عنهم في فرنسا، هم قلة يتألف منهم بعض الآثاريين والمبشرين والمستشرقين.. ولم يكن الناس في فرنسا مصريي الهوي .. بدليل عنايتهم ليس بالآثار المصرية فقط، بل بالآثار التي اكتشفوها في العراق وإيران وبلاد الشام.. وكنت أتمني عليك أن توضح للمشاهدين العرب من هو شامبليون بدل أن تذكره يتيما من أي معلومات والناس لا تعرف من يكون.. وهذه ليست المرة الاولي، فثمة شخصيات واسماء مهما كانت درجتها من الشهرة في فرنسا أو الغرب، فإن المشاهد العربي العادي أو حتي المختص لا يعرف من هي .. كان عليك القول إن جان فرانسوا شامبليون 1790 - 1832 ' هو عالم فرنسي مات شابًا بعد أن اكتشف حجر رشيد الذي نقش عليه " نص " بلغتين وثلاث كتابات: مصرية قديمة مكتوبة بالهيروغليفية= المقدسة واليموتقية وهي الكتابة الشعبية، والكتابة اليونانية بالأبجدية الإغريقية.. ومن خلال المقارنة فان الرجل فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية . وشامبليون أستاذ كرسي الآثار المصرية في الكوليج دي فرانس ووضع معجمًا في اللغة القبطية.
الثقافة شيء والسياسة شيء آخر
يتابع هيكل قائلا: " الحقيقة يعني فالعلاقات بين فرنسا وبين مصر علاقات لها جزر كبيرة قوي أو عميقة قوي كانت ولا تزال فيما أظن نائمة تحت السطح لأنه ما يدخل الثقافة لا يخرج منها بسهولة يعني الجذور الثقافية باستمرار الموجودة في الأعماق بتعبر عن نفسها بطرق مختلفة.. " . هذا كلام صحيح يا هيكل، ولكن لا دخل له عند صناع القرار سواء في دول كبري أو صغري .. فالثقافة شئ والسياسة شيء آخر، وانت تعلم ذلك جيدا من خلال تجاربك في القرن العشرين.. فثمة يهود شرقيون عرب من مصر والعراق، نجد عواطفهم وثقافتهم حتي لغة التخاطب بينهم عربية، كون لهم امتدادات تاريخية وثقافية واجتماعية مع أوطانهم الأم، ولكن هذا لا يمنع إسرائيل أبدًا من تنفيذ أي سياسات تريدها ضد مصر أو العراق مثلا .. وهكذا بالنسبة للأتراك أو الإيرانيين أو غيرهم من الذين لهم ثقافات وموروثات ثقافية راسخة ومشتركة مع العرب، ولكن الأمر يختلف في التعامل بين الدول سواء كان في تواريخ العصور الوسطي أم في تضاعيف العصر الحديث . إن الجذور الثقافية مهما كانت عميقة لا يمكنها أن تقف عائقا أمام المصالح الإقليمية أو الدولية وبأي شكل من الأشكال .
يقول هيكل: " لكنه فرنسا في تلك الفترة حصل لها حاجة غريبة قوي حصل أنه النخبة المصرية سواء اللي نسميها علي سبيل المجاز الطبقة القديمة أو الارستقراطية القديمة يعني هي كلها جديدة مستجدة كلها لكن كلها كانت فرنسية .. "
دعوني أرد علي هيكل قائلا: إن الإعجاب بمناخ الثقافة الفرنسية لم يقتصر علي الطبقة القديمة أو الارستقراطية القديمة التي سماها هيكل النخبة المصرية يقول " علي سبيل المجاز " كما يؤكد ذلك .. ولكنني أري أن النخبة المصرية هي ليست الطبقة الارستقراطية في المجتمع، فالأخيرة تجمع كل الأمراء من أبناء البيت الحاكم والباشاوات والأعيان والبهوات أو: البكوات من أصحاب رءوس الأموال وملاكي الأراضي، أو كما سميت بعد 23 يوليو طبقة الإقطاع ! هذه لم تكن ممثلة للنخبة المصرية.. صحيح أن الارستقراطية المصرية كانت منبهرة بالفرنسيين، ولكن كل تقاليدها وعاداتها وأصولها وآداب مجالسها تمتد إلي الثقافة العثمانية التركية.. وهذا ما نشهده من أمثلة في كل من العراق وبلاد الشام.. في حين أن النخبة المصرية تمثل طبقة جديدة في المجتمع بدأت مع رفاعة رافع الطهطاوي وكل المبعوثين المصريين العائدين إلي مصر وهم يحملون ثقافة فرنسية جديدة وامتدت منذ عهد الخديو إسماعيل وعلي كل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرورًا بجيل الاستنارة الفكرية الذي شهد حراكًا ثقافيا رائعًا سواء علي مستوي ترجمات أحمد لطفي السيد للفلسفات القديمة، أو حركة السيد جمال الدين الأفغاني والتي مرت بباريس نفسها، رفقة الشيخ محمد عبده ووصولاً إلي أدبيات طه حسين ونقداته .. أن الثقافة الفرنسية في مصر حملها أبناء النخبة المثقفة وليس أبناء الارستقراطية المصرية.
الرجاء لا تستعرض ذاتك
يتابع هيكل قائلا: "وفرنسا تعتقد أنه عندها حقوق في مصر لكنه حصل انقطاع.. " هنا، هيكل يقصد بالانقطاع ما حدث يوم 23 يوليو 1952 . ولكن أتساءل: من قال إن فرنسا عندها مثل هذا الاعتقاد ؟ عندها حقوق في مصر؟ أي حقوق هذه بعد مضي أكثر من 150 سنة علي حملة بونابرت .. أي حقوق ؟ ما نوع تلك الحقوق ؟ هذا كلام كبير يا هيكل .. كنت أتمني أن تردف به أمثلة وشواهد تاريخية سياسية أصلا! مضي قرن ونصف القرن من الزمان، ومرت بمصر متغيرات هائلة وكبيرة، خصوصا علي أيام الاحتلال البريطاني الذي دام طويلاً، خصوصا عندما غدت مصر احدي أهم ركائز بريطانيا في الشرق، أي تمثل الهند، وتغدو لها مدرستها إزاء المدرسة الهندية.. إن تقصد قناة السويس التي لم يعد لفرنسا فيها أي ثقل يوازي ثقل بريطانيا! ما حقوق فرنسا التي تعتقدها في مصر؟
دعونا من هذا كله، ذلك أن هيكل كتب ذلك مقدمة لما سيرويه من قصة جديدة عن صديق جديد له، وهو أيضا مهم جدًا وفيه مزايا هايلة، وسيصبح واحدا من أعز أصدقائه، ليحكي له الأسرار والنوادر، ويصاحبه ليل نهار ويلعب معه .. نقرأ ما يقوله هيكل الذي يدخل للمرة الألف نفسه وشخصه في موضوع عام جدًا، يقول: " بقي وهنا اللي باتكلم عليه غريب قوي أنه لما جاءت 23 يوليو في ذلك الوقت السفير الفرنسي كان كوف دمروفيل.. كوف دمروفيل فيما بعد أصبح رئيس وزراء فرنسا وهو رجل أنا باعتقد أنه في مزايا هائلة لأن أنا عرفته وقتها وقت ما كان سفير لكن عرفته أكثر جدا فيما خصوصا لما قعدنا مع بعض تقريبا أسبوع بالكامل بحاله في.. في كرا في ملعب جولف شهير قوي في سويسرا وبنتقابل كل يوم وبنلعب سوا وسمعت منه كثير جدا علي تلك الفترة.." .
قبل أن نكمل ما قاله هذا الشخص الفرنسي صاحب المزايا الهايلة إلي صديقه هيكل.. نسأل السيد هيكل: ما تعريفك للصداقة؟ وهل تدرك أن الغربيين عمومًا لا يمكن أن يصادقوا أحدًا، إلا بعد أن يعرفوه شخصيا، ويكسب ثقتهم ! ربما يلتقي شخص مثل هيكل مع سفير أو رئيس وفد بحكم عمله أو منصبه أو مرافقته الرسمية له .. أما أن يغدو السفير صديقا لهيكل ومتي ؟ بعد 23 يوليو، فهذا أمر مشكوك فيه تماما ! بل الأكثر من هذا.. إنه عرفه أكثر وكوف دمروفيل رئيسًا لوزراء فرنسا.. وقضايا معًا أسبوعًا كاملاً في سويسرا.. أسبوع بحاله يتقابلوا كل يوم ويلعبوا الجولف! يا سلام. المهم، نحن نبقي نستمع لما سيكون وراء هذه القصة التي أتعجب من رجل كيف ينسجها بمنتهي السهولة.. وبمنتهي الجدية من دون أن يدرك ولو للحظة واحدة أنه فاقد السيطرة علي سيكولوجيته التي عوّدها علي هذا الأسلوب منذ صغره كما اعتقد ! وحتي لو افترضنا صحة ما يقوله من دون أي قرائن ولا أي حيثيات ولا أي أمثلة وشواهد.. فما الذي يريد أن يصل هنا بالناس ؟ طيب، عرفنا أن كوف دمروفيل شخص هايل، ويلعب جولف معك .. ولا شغل عنده ولا مشغلة وهو يجالسك أسبوعًا بحاله في سويسرا .. ما نفع ذلك لملايين الناس ؟ أجيبوني يا ناس .. هنا، الأمر لا يقبله أبدًا صاحب أي دماغ ناشف، ولا يفوته أو يعبّره أي إنسان أو مواطن عربي مهما كان بسيطا ودماغه غير ناشف.
دراسة التاريخ ليس لعبة جولف !
نكمل القصة مع هيكل لنري ما السر الخطير الذي قاله له رئيس الوزراء الفرنسي صاحب المزايا الهايلة، يقول هيكل: " لكن كوف دمروفيل حصل حاجة جاء في نهاية العصر الملكي وهو يعرف أو يتصور أنه يعرف كفاية قوي عن مصر لكن فوجئ بشيء غريب جدا حصل في مصر وهو اللي حصل في 23 يوليو ثم وجد بعده أنه تائه في المسرح المصري لا يستطيع لا يغطيه ولا يتكلم عنه ولا يحكي عنه ولا يصل إلي الناس اللي يؤثروا فيه لأنه ببساطة هذا الانتقال اللي حصل في 23 يوليو أزاح طبقة بحالها فرنسا كانت تعرفها وجاب ناس مختلفين خالص من حيث انهم أولا طبقيا مش هم اللي بيعرفوهم قديم، ثانيا هؤلاء ناس كلهم تقريبا معلوماتهم أو تعليمهم العسكري علي يد بعثات إنجليزية ثالثا ما يعرفوش فرنسي خالص ورابعا معلوماتهم عن الثقافة الفرنسية أو الحياة الفرنسية أو التأثير الفرنسي في مصر هو حملة نابليون وهم يتصورا أنها كانت حملة عسكرية يعني كده أيوه فاهمين أنها جابت آثار ثقافية مهمة لكن إدراكهم لفرنسا شوية ملتبس.." .
أسألكم بالله، هل هذه معلومات وأسرار تاريخية؟ هل كل هذه القصة والجولف والمزايا الهايلة وصحبة أسبوع بحاله في سويسرا.. من أجل أن نقول إن ضباط 23 يوليو لا يعرفون الفرنسية وأن كوف دمروفيل تائه في المسرح المصري .. وعاجز عن تغطيته ! كل ما في الأمر طبقة حاكمة ذهبت كانت تعرف الفرنسية وطبقة عسكرية جاءت لا تعرف الفرنسية ! وهل فرنسا أو غير فرنسا تشتغل طبقيا مع دول العالم يا هيكل؟ وهل كان الضباط الأحرار حتي ان كانت معلوماتهم العسكرية علي أيدي بعثات إنجليزية .. هل كانوا يجيدون الإنجليزية وسهل أمر السفير البريطاني حتي يصعب أمر السفير الفرنسي؟ ماذا يفعل المترجمون الرسميون في وزارات الخارجية في العالم ؟ كنت أعتقد أن وراء المزايا الهايلة واللعب معًا في سويسرا معلومات نادرة وثمينة عن مصر من رئيس وزراء فرنسي ترك كل أعماله ليصاحب هيكل في سويسرا ؟ كنت أتمني أن ينقل لنا الأستاذ هيكل أسرارًا مهمة عن فرنسا إزاء جمال عبد الناصر وسياسته ضد فرنسا في الجزائر .. ولكن إذا افترضنا أن كلام الرجل لا لبس فيه، فهل يعقل أن يصاحب السفير الفرنسي صحفيا شابًا لم يصل عمره الثلاثين بعد؟ وإذا كان الرجل قد صدق كلامه وقضي أسبوعًا كاملاً بصحبة رئيس وزراء فرنسا، فما المعلومات المهمة التي حصل عليها هيكل منه، ولم ينشرها؟
وأخيرا: ما كل ما يتمني المرء يدركه
إن الإنسان لا يمكن أن يكون بلا أخطاء .. ولكن من الصعب أن أتخيل الإنسان وهو قد نبّه مرات ومرات إلي ما فيه من خلل، ولم يحاول إصلاح اخطائه.. من دون أن يذكرك هذا أو يعلمك ذاك.. وخصوصا الإنسان الذي له تجاربه وخبراته في الحياة .. فهل باستطاعة هيكل أن يأخذ بذلك ؟ إنني اشك في ذلك!
الحلقة المقبلة يوم الاثنين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.