حملت الروائية سلوي بكر النخبة المصرية المثقفة مسئولية التراجع الحضاري، وقالت أثناء تقديم شهادتها، ضمن برنامج سلسلة "شهادات روائية"، الذي تستضيفه دار الكتب والوثائق القومية، وأكدت أنه ليس مطلوبا من النخبة النزول إلي الشارع والالتحام بالجماهير، وإنما عليها أن تطرح أفكارا تعين المجتمع علي النهضة، واتهمت هذه النخبة بعدم تقديم أفكار حقيقية منذ أربعة عقود. أوضحت بكر أنها مهمومة بهذا الأمر في كتاباتها، التي تناولت فيها عوالم المهمشين كما يسميهم علم الاجتماع، وفضلت أن تطلق عليهم اسم عوالم "المعشوقين"، وتراهم الكتلة الشرعية الأخطر في مصر الآن. ولفتت بكر إلي انشغالها بالهوة الواسعة بين طبقات المجتمع، والتباين بين طرائق الحياة التي نعيشها وطبيعة العصر الذي نعيشه، وعلي الرغم من تفوقنا عام 1970علي دولة مثل كوريا الجنوبية في معدل النمو، فإن نفس الدولة قد سبقتنا اليوم بمراحل طويلة، في مجالات كثيرة. وأعادت سبب ما حدث إلي غياب سؤال النهضة، بالرغم من طرحه منذ 150 عاما، ننفق ملايين الجنيهات علي لاعبي الكرة، ونتجاهل حزام العشوائيات الذي يعيش فيه شريحة كبيرة تحت خط الفقر، واكتفينا بالحديث عن الماضي وتجاهل اللحظة الراهنة، ونقارن بين عصر محمد علي وثورة يوليو بالرغم من أن عصر محمد علي كان مقدمة لثورة يوليو، وهناك تراجع لدور المرأة رغم وجود استثناءات من القاضيات والمأذونات وعضوات مجلس الشعب، لكن السواد الأعظم من النساء يعانين من قيم شديدة التخلف، لتعاملنا مع المرأة بعقلية مضي عليها 2000عام. تحدث الدكتور عبد المنعم تليمة عن تجربة سلوي بكر قائلا: لمس الجيل الذي تنتمي إليه سلوي بكر آفاقا ربما تكون غير مسبوقة في الرواية العالمية، من خلال تزاوج العروبة مع الكردية، وتزاوج العروبة مع الزنوجة، ممثلة في أدب الطيب صالح، ورواية البحر ل"حنا مينا" وميثولوجيا الصحراء في كتابات عبد الرحمن منيف، وتزاوج الثقافة العربية بالثقافة البربرية في أدب إبراهيم الكون، وجيل ما بعد نجيب محفوظ انتقل بآفاق الرواية المحلية إلي آفاق إنسانية رحبة مثل كتابات أهداب سويف، التي تكتب أدبا عربيا بالإنجليزية، وآسيا جبار الجزائرية التي تكتب أدبا عربيا بالفرنسية، أما سلوي بكر فقد انطلقت من الخصوصية المحلية إلي المشترك الإنساني فهي تؤمن بالتعددية إلي ما لا نهاية، لأنها طبيعة الأشياء وأي مجتمع يحارب التعددية مهدد بالإحباط والانهيار والفشل، فمدار إبداع بكر هو وحدة الجماعة المصرية، والزمن عندها متراوح ما بين القديم والوسيط والمعاصر ورواية "البشموري" تؤكد وجود تعدد في الديانات، لكن الإله واحد، والبطل عندها ينتمي إلي الطبقة الوسطي، ينخرط في الجماعة ويخرج منها، لكنه لا يغادرها ولا يواجهها، وإن استطاع أن يقودها، والمكان له منهجان الأول موصوف مثل كتابات ديستوفيسكي ونجيب محفوظ، والثاني المكان المخلوق كما في روايات مارسيل بروست الفرنسي وسلوي بكر، لأنه مكان متجدد دائما مع صعود وهبوط العالم النفسي توهجا وخمودا وانغلاقا وانفتاحا.