ثار جدل طويل بين الأب والأم فيما يخص تسمية المولودة، اقترحت داليا عدة أسماء في مقدمتها جنا.. رفض طارق مصمما علي هبة، بينما ذكر البعض أسماء: ريم ورنا وريهام وكل ما يمت لحرف الراء بصلة . كان مبعث رفض طارق رياض غرابة الاسم حتي أنه تحدي زوجته أن تقوم بتفسير معناه. وبعد بحث ومشاورات قالت داليا أنه مكان في اللجنة ومنها جاءت الكلمة جنا ثم أنه مذكور في القرآن الكريم. اعترض طارق قائلا: سوف يكون من الواجب علي حمل كتب التفسير لشرح معني الاسم لكل من يسأل، ثم أن الأسماء كثيرة ففيم التصميم علي الالتزام بالنص والارتباط بالتراث.. ردت الأم: يمكن التفكير في اسم سما كمخرج للمشكلة وحل للأزمة. تساءل الأب: هل هذا يعني السماء، ثم لماذا التنقيب عن أسماء غريبة غير متداولة وكيف نكتبها بالانجليزية في حالة الهجرة غير المتوقعة لدارفور مثلا؟ استمر الصراع الفكري بين الزوجين وكان لم يكن امامهما تسعة شهور للتفكير واتخاذ قرار، قلت للأب: يا أخي الأم هي التي تحملت آلام الحمل والوضع توطئة لفترات الرضاعة والرعاية المتوقعة، ومن ثم فإن من حقها - علي الأقل أدبيا - اختيار اسم المولود، ولو كمكافأة نهاية حمل، أو حوافز بداية توتر وسهر، ثم إن الاسم يصبح بتكراره مألوفا سهلا دون تفكير في المدلول. جرني ذلك لموضوع اسماء المواليد متذكرًا أن عمي رحمه الله قام بتعنيف عامل زراعي كان يعمل لدينا لأنه تجرأ وأطلق علي مولوده اسم عمرو.. حيث نهره العم قائلا: روح يا ابن ال .. غير الاسم، لما أنت تسمي عمرو أمال احنا نسمّي ايه... ؟! هذا باعتبار ان الاسماء درجات وقطاع خاص ولا يحق للسوقه والرعاع تقليد النخبة والسادات. في الأرياف شاعت ذات فترة اسماء: الشحات، شحته، شحاته، شحتوت (في مجال التسول)، وست الدار، ست أبوها، ست البنات (في مضمار التمسح بالمقام الرفيع)، وجميله، قمر، حلاوتهم (في دنيا التعلق الوهمي بالحسن والدلال)، وزكي، فهمي، ماهر (تحت بند العبقرية)، كما استحدثت اسماء: جاكلين ومادونا ومونيكا (بفضل الرئيس الامريكي بيل كلينتون). نذكر التمسح بالمستعمر أيام الامبراطورية العثمانية وانتشار الاسماء التركية في مصر، مثل: عصمت وحكمت وعفت وشوكت وأنور وكمال (من غير أتاتورك - أبو الأتراك) باعتبارها ترفع الشأن. كما نذكر الالتزام المصري الديني تقربا، حيث كان المسلم يطلق علي المواليد أسماء: عبدالله، محمد، عائشة، أبو بكر، والمسيحي: صليب، عبدالمسيح، جرجس، جميانه... قبل التحول صحراويا إلي : أنس، عكرمة، معاذ، أفنان، أو غربيا إلي: مايكل، أندرو، بيتر، جوانا. ذلك بعد أن اعتدنا واعتمدنا علي الاستيراد من أول الاسماك وحتي الأسماء. وكما اعتدنا قبلا تقليد العاملين أسماء أبناء أصحاب العمل أو الاقطاعيات تقربا، أو أسماء المشاهير أو الحكام اعجابا، حيث يشيع اسم بطلة المسلسل بمجرد انتهاء الحلقات التليفزيونية، ولدينا أسماء: رشا ولوجي ونيللي وتامر (من غير حسني). ويقال أن الرئيس جمال عبد الناصر سأل السائق الخاص به: سميت المولود أيه؟ رد السائق: جمال ياريس، ضحك الرئيس قائلا: وأنت اسمك فاروق، وغالبا اسم الجد محمد علي (في مجال مسايرة الأحوال). وكان أخي (واسمه بالمناسبة جمال ومواليد أزمة مارس 54). حال رؤيته سيدة كانت تساعد والدتي.. اسمها أم السعد (وكانت ذات تكشيرة نموذجية) كان يردد: اسم هذه السيدة مثالا للتزوير في مستندات أو ملامح رسمية حيث بينها وبين السعد تحريم مطلق وتنافر تام. يلاحظ عموما الطبع المصري الذي يشكل سماحة وطيبة محببة (باعتبار ما كان) قبل العولمة والخصخصة و5 يونيو و11 سبتمبر و31 كل شهر، عندما كانت الغلبة المصرية لأسماء: سامح، عبدالرحمن، مخلص، آمال، بينما تشكل أسماء الأخوة العرب نماذج من عنف خاص قد لا يعني سوي الشكل دون المضمون والغلاف دون الجوهر من نوعية: سيف، عبد الجبار، صدام، قاسم، قذاف الدم. كما أن هناك أسماء غير مألوفة قد ترتبط بمكان أو مهنة أو كائن حي، ومنها: السوري، الطنطاوي، والجزار، الحداد (لا داعي لمراجعة الاسم في نهاية المقال)، والجمل، السبع، والجحش، والبغل وغيرها.. ويذكر هنا أن الكاتب الراحل محمد الحيوان، في زيارة قام بها إلي سوريا.. قابل أسماء: الثعلب، الحمار، الفيل، عندها كان تعليقه: شعرت انني لست غريبا وأن لي أقارب في الشام. كما استمتعت بصداقة: جورج سيدهم، محمد عبد الوهاب، محمود مرسي، محمد فوزي، كنماذج لتشابه أسماء مع مشاهير، واذكر بالمناسبة أن عبد الوهاب لا يعرف الفرق بين موسيقي الجاز ووابور الجاز وتطول الجولة بين أسماء مصرية تتأثر بالأحداث وربما الأسعار حتي نصل إلي ذلك الأب الذي أخطأ في حق ابنته ومنحها اسم: كارثة وحتي بات المرء يتساءل: كيف قبل موظف السجل المدني كتابة اسم كهذا يمثل اهانة دائمة لمولودة ليس لها ذنب فيما هو قادم من أيام؟! تطول الجولة وأعود علي صوت طارق رياض يهدد توعدا وهو يقسم: مش ممكن جنا اسم مني آخر كلام يخرج مسرعا عصبيا لتسجيل اسم المولوده.. كي يعود بعد ساعة وهو يشخط في وجه داليا: كلمتي واحدة.. كتبتها جنا (بطريقة نورماندي 2 وتنزل المرة دي) ولله في خلقه شئون.