رئيس جامعة مطروح: انتظام سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني    "الشباب في إقليم ملتهب".. ندوة موسعة بمشاركة 4 أحزاب    وزيرة التضامن ورئيس أمانة التحالف الوطني تشهدان إطلاق "مصر الخير" لوثيقة "رؤية مجتمعية لتنمية وتطوير المنظمات الأهلية"    محافظ المنيا يفتتح وحدة طب الأسرة بقرية مهدية لخدمة 12 ألف نسمة    توريد 12.3 ألف طن قمح إلى شون وصوامع الأقصر    حملة لإغلاق المغاسل المخالفة فى جنوب الغردقة حفاظًا على مياه الشرب    تعرف على أماكن وحدات التسليم الفوري بمشروع سكن لكل المصريين    الاتحاد الأوروبي يوافق على رفع جميع العقوبات الاقتصادية عن سوريا    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    الجيش السوداني: نقترب من تطهير كامل الخرطوم    البرلمان العربى يعزى مصر فى استشهاد طاقم طائرة تدريب عسكرية نتيجة عطل فني    الحذاء الذهبي الرابع ورقم قياسي.. ماذا ينتظر صلاح في ختام الدوري الإنجليزي؟    حسين الشحات: متحمسون للغاية لمواجهة ميسي الأفضل في العالم.. ونثق في حضور جماهيرنا    ثروت سويلم: تصريحاتي بشأن الأهلي والإسماعيلي في إلغاء الهبوط فُسرت خطئا    شوبير: الأهلي يقترب من حسم صفقة مصطفى العش.. و"زد" يتمسك بمطالبه المالية    بعثة الحج المصرية تواصل تفويج الحجاج إلى مكة بسيارات حديثة وخدمات متكاملة    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025.. تفاصيل مواعيد الامتحانات لجميع الأنظمة التعليمية    تجاوزت سرعتها ال 42 كيلو.. رياح شديدة واضطراب حالة البحر بجنوب سيناء    دراما إف إم.. ماسبيرو يطلق أول إذاعة مسلسلات في العالم العربي    محمد ثروت يحيي الذكرى الرابعة لوفاة سمير غانم برسالة مؤثرة    استجابة لنصيحة زوجته، سبايك لي يرفض الحديث عن ترامب في مهرجان "كان" (فيديو)    «ما يهزهم ريح».. 4 أبراج تتميز بثبات انفعالي مذهل في المواقف الصعبة    طوابير أمام بوابة عرض الفيلم المصرى عائشة لا تستطيع الطيران بمهرجان كان    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    حوار خاص| أحمد السبكى رئيس هيئة الرعاية الصحية ل«البوابة»: إطلاق المرحلة الثانية من منظومة «التأمين الصحى الشامل» بمطروح خلال سبتمبر وشمال سيناء في ديسمبر المقبل    مستشفى أطفال مصر يجرى عملية توسيع للصمام الأورطى بالبالون عن طريق القسطرة لطفلة حديثة الولادة    أونروا: إسرائيل تمنع المتطوعين من دخول قطاع غزة    «جاب الفلوس منين».. شوبير يعلق على رفع القيد عن الزمالك    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    الأهلي يواجه الزمالك في مباراة فاصلة لحسم المتأهل لنهائي دوري سوبر السلة    خبر في الجول – جلسة بين الزمالك والسعيد لحسم التفاصيل المالية لتجديد عقده    برواتب تصل ل15 ألف جنيه.. فرص عمل جديدة تطلب 5 تخصصات بشروط بسيطة    بحضور مدبولي.. رئيس سوميتومو العالمية: نحتفل بفخر بإنشاء أحدث مصانعنا المتطورة    واشنطن بوست: إصابة بايدن بالسرطان أثارت تعاطفاً وتساؤلات ونظريات مؤامرة    الخميس.. فرقة الصحبجية تغني في قصر الأمير بشتاك    الأمن يلقى القبض على المتهم بذبح والده المسن بأسوان    خلاف على أجرة إصلاح موتوسيكل.. عامل يطعن صاحب ورشة في سوهاج    جامعة أسيوط تعقد لجنة لاختيار عميد كلية التربية الرياضية    «سيدات يد الأهلي» يواجه فاب الكاميروني في ربع نهائي كأس الكؤوس    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    وزير الري يبحث إضافة مواقع سياحية جديدة لمنظومة السد العالي -صور    جامعة جنوب الوادي تدعو طلابها للمشاركة في "مسرح الحياة" لتعزيز الدمج المجتمعي    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    تعرف على مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2025 بالنظام القديم    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل وتركيب الشعر الصناعي بالعجوزة للعمل دون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    لعلاج النحافة المزعجة.. 7 أطعمة لزيادة الوزن بشكل صحي وآمن    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    المركزي الصيني يخفض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية    "تأهيل خريج الجامعة لمواجهة تحديات الحياة الأسرية".. ندوة بجامعة حلوان    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    طريقة عمل الفراخ البانيه، بقرمشة لا مثيل لها    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بالألوان الطبيعية" .. الأجساد العارية تكشف النفوس الخائفة!

فيلم "بالألوان الطبيعية" الذي كتبه هاني فوزي وأخرجه أسامة فوزي هو آخر الأفلام المعروضة في موسم 2009 السينمائي وهو أيضا من أكثرها جرأة وجسارة في تعرية التناقضات وكشف المخاوف والهواجس ولكن ذلك لن يجعلنا نغفل عن ذكر مشاكل التجربة الواضحة التي لولاها لكنا أمام عمل كبير وخطير يذكرنا برائعة هاني وأسامة السابقة بحب السيما.
عثر هاني علي فكرة عبقرية حيث ننطلق من تعرية الأجساد أمام طلبة الفنون الجميلة إلي تعرية نفوسهم ومخاوفهم واحساسهم بالوحدة والاغتراب وتمزقهم بين الحلال والحرام وفشلهم في البحث عن اساتذة.. حيرتهم بين الانتماء لأنفسهم أو الانتماء لمجتمع انقلب علي نفسه معاناتهم من تحول الدافع الديني من واحة للطمأنينة إلي بركان للقلق وللأرق وهكذا تبدو أزمة النفوس العارية الخائفة أخطر بكثير من الأجساد العارية التي صدمتهم ولكن الفكرة العبقرية التي ترجمت نفسها بقوة في الأجزاء الأولي سرعان ما تعثرت في النصف الثاني من الفيلم الشخصيات التي كنا نكتشف بأنفسنا تناقضها ونسخر منها سرعان ما أخذت تتحدث عن مشاكلها في مونولوجات مباشرة وطويلة وكأنها تحولت فجأة إلي طبيب نفسي يعالج ويشخص، بطلنا التائه والحائر أخذ ينطق بالحكمة والكلام الكبير ولا تفهم أبداً كيف نجا من هذه الدوامة الهائلة لقد أغلق المؤلف الموهوب والمخرج اللامع الأقواس مع امتحان التخرج مع أن حيرة الجيل أخطر وأعمق من ذلك بكثير.
هاني فوزي أستاذ في رسم الشخصيات الخائفة التي تطاردها هواجس تتحول إلي وساوس قاهرة ومسيطرة، بعض أفلامه القليلة السابقة بها هذه الشخصيات مثل السيدة العجوز التي لعبتها ببراعة فاتن حمامة في أرض الأحلام أو الشخصية المسيحية المهزوزة التي لعبها صلاح عبدالله في فيلم هندي ولكن نموذجها الأكثر نضجاً جسده باقتدار محمود حميدة في بحب السيما الفيلم الكبير الذي يجعل من الخوف تعبيراً عن مرض مجتمع وليس مجرد مرض فردي يوسف الذي لعبه كريم قاسم في بالألوان الطبيعية هو امتداد لهذه النماذج الخائفة السابقة والفيلم بأكمله هو أيضا امتداد لمشروع هاني فوزي لمقاومة الخوف الداخلي الذي يعتبره أم المصائب ولكن يوسف هو أيضا تعبير عن جيل بأكمله يبحث عن هويته في مجتمع تحاصره التناقضات فشل يوسف في أن يصبح طبيباً كما أرادت له أمه التي قامت بتربيته بعد وفاة والده كان يرسب في الكيمياء فقرر أن يعوضها بدخول كلية الفنون الجميلة ليصبح مهندساً للديكور فالفوارق بين الطبيب والمهندس ليست كبيرة مع دخول الكلية تنفجر التناقضات الداخلية عندما يطلب منه رسم الموديلات العارية وبناء السيناريو يتابع هذه الرحلة الدراسية في خمسة أعوام يتوه فيها بطلنا وزملاؤه وتظهر له أربعة أشباح هي في حقيقتها ترجمة لهواجسه الداخلية منعكسة في صورة شخصيات يعرفها هي أمه ورجل عجوز يعمل موديلا للطلبة وداعية ديني يشبه بوضوح الداعية عمرو خالد وأخيراً عاهرة محترفة قام برسم صورة لها.
هذا هو الهيكل العام للسرد وهو مناسب تماماً للفكرة ويمنح السيناريست حرية تكثيف الأحداث من البداية حتي التخرج كما تكشف حيلة الأشباح التي تظهر ليوسف عن هواجسه الداخلية وقد ذكرتنا علي نحو ما بما فعله فيلليني المخرج الإيطالي الشهير في فيلمه المعروف جولييتا والأرواح وكان أفضل ما فعله هاني وأسامة في المقدمة ثم في أحداث العام الأول والثاني تقديم مشاهد وشخصيات بطريقة كاريكاتورية ستجد ذلك في ولولة أم يوسف عندما عرفت أن ابنها جاتله كلية الفنون فأخذت تصرخ وكأنه أصيب بأنفلونزا الخنازير وستجده أيضا في الطريقة الكاريكاتورية التي قدم بها أساتذة الكلية الأقرب إلي الجنون وستجده في الطريقة التي يدعو بها يوسف الله مثل طفل صغير يطلب لعبة أو هدية أذكر هذه المشاهد لأن الكاريكاتير والمبالغة الساخرة الذكية جعلت من هذه الأجزاء الأولي قطعًا حية ونابضة، وكان جديرًا بالسيناريست أن يعتمدها في الفيلم بأكمله، فالتناقضات تثير الضحك، والحيرة بين التزمت والتحرر تدعو إلي السخرية، والواقع أكثر عجبًا وغرابة من أي مبالغة، ولكننا سنتحول فجأة إلي معالجة جادة، وسيبدأ "يوسف" مونولوجًا يكشف عن إحساسه بالوحدة، ومعاناته في علاقته مع أمه، ويكون ذلك بداية علاقته العاطفية مع "إلهام" التي يعتبر أهلها أيضاً أن رسم الجسم العاري حرام.
مع تطور الأحداث، ستتسع الدائرة من "يوسف" و"إلهام" التي لعبتها "يسرا اللوزي" إلي نماذج مختلفة من الطلبة مثل "هدي" القادمة من "ألمانيا" والتي تتورط في علاقة جسدية مع "علي" الذي يعتبر الفن تجارة، ويظهر أيضًا "إبراهيم" الذي يحلم بأن يكون معيدًا فيقنع بدور الخادم للطلاب الأكبر سنا أو لأستاذ الديكور، وتتقدم إلي اللوحة نماذج من الأساتذة مثل "عزيز" "حسن كامي" الذي يستغل الطلبة في رسم نسخ من لوحاته ثم يقوم بالتوقيع عليها وبيعها، ومثل "نعيم" "محمود اللوزي" الذي يكتشف موهبة وقدرات "يوسف" في الرسم، ومثل "ليلي" المعيدة الجميلة التي يحبها "يوسف" رغم علمه بأنها شخصية انتهازية صادقت دكاترة سابقين، وتحاول استغلاله لانجاز مشروعها للماجستير، تتعقد العلاقات وترسم لوحة مأساوية لجيل لا يجد عزاءه لا في الدراسة ولا في الدين، جيل بلا أساتذة، جيل تحاصره التناقضات من كل جانب فتتحول الحياة بالنسبة له إلي لونين فقط هما الأبيض والأسود، ويتحول أفراده من النقيض إلي النقيض مثلما فعلت "إلهام" التي ارتدت النقاب بعد علاقة جسدية لم تكتمل مع "يوسف"، والسخرية واضحة، بالطبع بأن يكون سلوك من يتعلمون الرسم بكل الألوان الطبيعية بهذا الانتقال الحاد بين لونين فقط هما الأبيض والأسود.
كل هذه المعاني ذكية وجريئة فالجسد العاري كشف عن نفوس عارية وضعيفة، والفن أصبح ضحية بين عقول مغلقة تقوم بتحريمه وشخصيات خارج الزمن تقوم بالتجارة فيه، بل أن "عزيز" يقول لطلبته "ماجدوي أن نعلمكم الفن لتخرجوا إلي مجتمع محاصر بالقبح في كل مكان؟" رغم هذا الوعي الذي قدمت به الفكرة إلا أن ايقاع الفيلم ترهل تحت ضغط الحوارات الطويلة المباشرة التي بدت أحيانا كما لو أنها صوت المؤلف لا صوت الشخصيات. حتي "يوسف" الذي بدا شخصية ضعيفة وخائفة ومشوشة يلقي فجأة محاضرة علي "إلهام" التي اكتشفت أن الفن حرام، ويقدم "علي" مونولوجا طويلاً يصف فيه حياته الفارغة فترد عليه "هدي" بمونولوج تحليلي أطول، وتطول حكاية "يوسف" مع "ليلي" مدًا وجذرًا فلا نعرف هل هي عاشقة أم انتهازية، ورغم المونولوج الذي يلقيه يوسف أمام لجنة تحكيم عمله الفني والذي يدل علي أنه اهتدي إلي الطريق بعد المتاهة إلا أن مشهد النهاية يعيدنا إلي التشوش من جديد عندما يظهر "يوسف" وسط نافورة النيل وبجانبه أشباحه التي يفترض أنه تخلص منها، وفي السماء طائر وحيد يحلق بينما النيل مازال يجري، الحقيقة أنني لم اقتنع أبدا بأن شاباً مثل "يوسف" بحيرته وقلقه وهواجسه الدينية يمكن أن يقول كلامًا عميقًا وجميلاً مثل الذي سمعناه أمام اللوحة التي رسمها، لا يتسق هذا مع المقدمات ولا يتسق أيضًا مع حيرة جيل بأكمله لا يمكن أن يحلها إنجاب طفل كما حدث بسذاجة مع "علي"، أو رسم لوحة هائلة تقرظها لجنة التحكيم كما حدث مع "يوسف". مشكلة بالألوان الطبيعية الأساسية تكمن في أن صناعه رسموا لوحة لجيل وزمن مضطرب لا يمكن أن يفرز إنسانًا سويا أو فنانًا حقيقيا، ولكنهم أصروا علي إغلاق الأقواس والانتهاء من لوحة لا يمكن بالقطع أن تكتمل، لم يفطن "هاني فوزي" و"أسامة فوزي" رغم موهبتهما - التي لاشك فيها - إلي أن عبقرية الفكرة في الإحساس بأزمة جيل ومجتمع وليس في إنهاء الأزمة بالتخرج، اختلَّت الصورة في النهاية رغم البدايات الصادقة والساخرة، كان الفيلم محتاجا إلي تكثيف لمشاهد طويلة، وإلي أن تتحدث الشخصيات بلسانها لا بلسان مؤلفها، ورغم الجهد الكبير المبذول من الممثلين الجدد إلا أن مشاهد كثيرة أفلتت منهم خاصة عندما يستلزم الانفعال ارتفاع الصوت، "كريم قاسم" وقع في هذا الخطأ رغم أنه كان أفضل حالاً في مشاهد الفيلم الأخيرة، ربما كان الأفضل الجيل الأكبر سنا مثل "سعيد صالح" و"انتصار" و"حسن كامي" و"محمود اللوزي"، علي مستوي الصورة كانت هناك مشاهد كثيرة مستقلة ومميزة أهمها مشهد حوار "يوسف" مع السماء الملبدة بالغيوم أمام البحر، ولكن من الصعب أن تقول إن رحلة "يوسف" تظهر أشباحه الداخلية من بداية الفيلم لآخره وجدت معادلا في الصورة واللون علي مدار الحكاية بأكملها.. افتقدنا عموما هذه الوحدة التي تترجم تجربة هائلة تتم في داخل النفس مثلما تحدث في قاعات كلية الفنون الجميلة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.