لاحظ أن كل تصريح حكومي بشأن إصلاح أو تنمية بأي شكل أو صورة يقابله التزام أو انفاق مالي ضخم، بمعني أبسط أن القرارات الحكومية الخاصة بالصرف الصحي أو مياه الشرب أو السكن والشوارع وغيرها عادة ما تستلزم ملايين أو مليارات من الجنيهات ولأن موارد الدولة المصرية محدودة ومعروفة الأمر الذي يدفع الحكومة إلي الاستبدال أو توفير تلك الموارد علي حساب جهات أخري. في توشكي حاولت أن أركز هذه المرة علي حقيقة ما يحدث ومدي ارتباط التنمية في هذا الجزء الصعب والمهم في نفس الوقت بأوجه أخري! التنمية الزراعية التي يقوم بها د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار عن طريق شركة جنوبالوادي للتنمية إحدي شركات القومية للتشييد لا تتوقف في التغلب علي ظروف أرض صعبة بزراعتها بعد إصلاحها وإدخال المرافق وغيرها.. لو كان الأمر محصورًا في الزراعة والإنتاج لربما حقق د. محمود محيي الدين وشركة جنوبالوادي نجاحات واضحة وسريعة. والحقيقة التي رأيتها هذه المرة الإصرار علي أن تشمل العملية الزراعية أو تجذب معها عددًا كبيرًا من عناصر التنمية. فالملاحظ أن د. محمود محيي الدين يقوم من خلال هذا المشروع أولاً بتوظيف عدد كبير من الشباب في مجالات الزراعة وغيرها وهو هنا فتح باب العمل أمام أكثر من ثلاثة آلاف عامل وموظف معظمهم من خريجي مدارس الزراعة ودبلوم الصنايع، وامتدت رسالة وزير الاستثمار وجنوبالوادي للتنمية إلي توفير أماكن للإقامة والعلاج والترفيه. هذه تكاليف التوجه الوطني الذي يشغل بال وزير الاستثمار. شركة جنوبالوادي للتنمية الزراعية تقوم بدور واضح في سياق التوجه العام للحكومة، هذا الأمر واضح جدًا فيما يحدث بتوشكي. الأهم أن جنوبالوادي تقوم بفتح مجالات العمل أمام ثماني من شركات استصلاح الأراضي وشركتين للري وعدد من وزارات الدولة بخصوص التصنيع الزراعي بعدما سعت إلي تمصير كل الأعمال، عن طريق توظيف قدرات تلك الشركات لصالح تحقيق التنمية في توشكي، الأمر الذي انعكس علي تسويق ما لدي تلك الشركات من قدرات لصالح المشروع مقابل ملايين من الجنيهات حصلت عليها مما أدي إلي سداد جانب كبير من أجور أكثر من 25 ألف عامل وموظف فيها.. بمعني أبسط أن هذه الشركات حصلت علي الأعمال المسندة لها من جنوبالوادي للتنمية كأحد أهم الروافد المالية للأجور عندها.. والخلاصة التي توصلت إليها أن خطة عمل شركة جنوبالوادي للتنمية الزراعية في توشكي بوضوح تمثل السعي لاستصلاح الأرض المخصصة لها وزراعتها وإقامة مجتمع عمراني جديد يستوعب خمسة آلاف عامل كمرحلة أولي بالإضافة إلي مساعدة شركات استصلاح الأراضي والري في حل جزء من المشاكل التي تواجههم بشأن الحصول علي أعمال جديدة في ظل منافسة شرسة مع القطاع الخاص في سوق العمل الأمر الذي كاد يصيبها بحالة من الإفلاس المالي.. والتهديد العمالي وقد اتضحت لي الصورة في زيارتي الأخيرة لتوشكي أمس الأربعاء. إذا وبوضوح أكثر يمكن أن أؤكد علي أن د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار يتعامل مع مشروع توشكي بفهم وطني ورؤية لا تعتمد علي الربح ومن المؤكد أن وزير الاستثمار في توشكي بالتحديد يقوم بتنفيذ أجندة الحكومة بشأن إقامة مجتمع زراعي جديد يعتمد علي ظروف ثابتة برغم الصعوبة في تنفيذ هذا الدور، فقد كان من السهل علي وزير الاستثمار حرث الأرض وزراعتها والاكتفاء بالري وجني المحاصيل.. لكنه رفض الطريق السهل كعادته من أجل تنمية حقيقية يضمن لها الاستمرار. في توشكي الموقف علي الأرض يوضح أن جنوبالوادي للتنمية نجحت في زراعة عشرين ألف فدان منها تسعة آلاف قمح.. ويجري الآن تنفيذ آخر مرحلة بشأن البنية الأساسية لعشرة آلاف فدان جديدة.. الآن في توشكي رجال أعمال يزرعون الفول السوداني، وشركة جديدة تقوم بالزراعة لحساب جنوبالوادي بينما شرع الوليد بن طلال في بناء محطة مياه جديدة لزراعة 1000 فدان ولا شك أن الرجل بالفعل استصلح وزرع 1200 فدان بالفعل من مجموع أرضه البالغة مساحتها 100 ألف فدان بينما هناك محاولات جادة من رجل الأعمال الراجحي وقد شاهدت علي الطبيعة الشعير والقمح علي مساحة 2000 فدان والرجل من خلال ما شاهدته من آلات ومعدات وأجهزة الري يمكن أن ينجح في وصول المساحة المزروعة إلي 5 آلاف فدان خلال أقل من عام وهو رجل جاد خاصة أن الأرض المخصصة له ممهدة ومستوية الأمر الذي لا يتطلب منه مجهودًا في عملية الاستصلاح عكس الأرض التي خصصتها وزارة الزراعة لشركة جنوبالوادي وهي ما نطلق عليها صعبة للغاية وتحتاج إلي أموال طائلة للإصلاح والتمهيد!! وهذا يوضح أن الحكومة عادة ما تمنح رجال الأعمال الأراضي الأقل متطلبات مالية في عملية الاستصلاح وهو ما يتضح في أرض الوليد بن طلال وأيضًا الراجحي بينما منحت شركة جنوبالوادي - وزارة الاستثمار - الأراضي الصعبة والتي تحتاج إلي ضعف حجم انفاق لا يقل عن ثلاثة أمثال ما ينفقه رجال الأعمال في هذا الشأن. وهو قرار يوضح أن الحكومة عادة ما تعاقب الشركات الحكومية! ما أدهشني أن م. أحمد السيد رئيس القومية للتشييد وم. صفوان سلمي عضو مجلس إدارتها للشئون الفنية وم. يوسف الشيخ عضو مجلس إدارة القومية للتشييد لشئون شركات التجارة الداخلية مجموعة واضحة في توجهاتها بشأن ما يمكن تحقيقه في توشكي عن طريق وزارة الاستثمار وأعتقد أن تلك المنظومة أعلنت من خلال أجندة عملها ومتابعتها لما يحدث هناك عن طريق الزيارات أو اجتماعات المتابعة مع م. سعودي عليوة رئيس جنوبالوادي وكوادر الشركة بضرورة فتح محاور التنمية بالمفهوم الشامل وعدم الاكتفاء بالاستصلاح والزراعة والإنتاج وجذب المستثمرين وتسويق المحاصيل بل أيضًا بالعمالة وسكنها وسلامة صحتها، من هنا وجدت حماسًا واضحًا من لواء إبراهيم العجمي وكيل وزارة الزراعة لما يتحقق في توشكي من إنجازات عن طريق جنوبالوادي للتنمية ونظرًا لخبرة الرجل في هذا الشأن فقد كانت كلماته محددة خاصة بشأن النجاح في إقامة مجتمع وتهيئة ظروف لجذب العمالة للإقامة الدائمة.. علي العموم قد لا يستشعر أبناء القاهرة ما يجري في توشكي وقد يتجاهل البعض سماع انتصار العامل المصري علي الظروف الصعبة هنا بعد أن تعودوا علي سماع الانتصارات الكروية ومنحها مساحات إعلامية واسعة، لكن الناس هنا غير غاضبين من الذين لا يتفاعلون مع عرقهم الذي اختلط بحبات الرمل وسط حرارة وبرودة متطرفة، لكن ما يساعد في رسم البسمة عندهم هو رؤيتهم للون الأخضر والذي نبت علي حبات عرق سالت من فوق جبينهم.