كتاب الفرنسي التونسي الأصل يوسف بن لوز سيقلب الدنيا خلال أشهر قليلة. فالرجل كتب حقائق، لكن أفق الكثيرين ضيق. بن لوز قال إنه بعد أقل من مائة عام علي وفاة النبي، ظهرت في العراق مدرسة «البداء»، فأرجع الباحثون ظهورها لاضطراب مفهوم النبوة في أذهان المسلمين. المغالاة في حبه «ص» أدت لاعتبار سلوكه كله وحيا، واجتهاده «ص» تكليفًا دينيا. الاعتقاد في «البداء» سببه غياب التفرقة بين ما من عند الله، وما من عند النبي «ص». الأمر الذي سبب في الوقت نفسه أزمة فلسفية شديدة، بعد تعارض نبوءات شهرت عنه «ص»، مع الأحداث التاريخية بعد وفاته. قالت مدرسة «البداء» إنه إذا كان كل السنة من عند الله، ثم ظهر خلافها فيما بعد. فالمعني أن اللَّه سبحانه وتعالي عاد عما قدره!! وإذا كان سبحانه قد أوحي إلي النبي كل سلوكه، فإن عودته تعالي لعتابه «ص» في القرآن علي وقائع معينة، تعني رجوعه اللَّه عن وحيه، بعدما تبين ما يمكن أن يترتب عليه من آثار غير محمودة. رغم أن الفكرة جدليا مترتبة علي مبدئها، لكن نتيجتها ليست منطقية. فإن ظهور «البداء» أثار علامات استفهام، انتهت بحتمية التفرقة بين سلوك النبي الدنيوي، وبين كلام اللَّه الذي أوحي به سبحانه، إليه «ص». فطن الصحابة رضوان اللَّه عليهم إلي هذا دون فلسفة. وتيقنوا إنه «ص» اجتهد في أمور الدنيا، في الوقت الذي بلغ فيه ما أوحي إليه. لذلك لم يحدث عتاب القرآن للنبي «ص» أية اهتزازات عقائدية لدي الصحابة، ولا أثار أية أزمات فلسفية قبل وفاته، لأن العتاب الرباني تعلق باجتهاد النبي الشخصي، وسلوكه الدنيوي. واقعة تحريمه «ص» العسل علي نفسه، ابتغاء مرضاة زوجاته، وواقعة إخفاء زواجه من زينب بنت جحش، وإعراضه عن ابن أم مكتوم الأعمي.. وغيرها من الوقائع التي نزلت فيها آيات معاتبة كانت شخصية، لا وحي فيها. فهم الصحابة رضوان اللَّه عليهم حدود الرسالة جيدًا، كما فهموا الآيات الكريمة «إن هو إلا وحي يوحي» ، و«ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» في حدود ما نزلت فيه. فالمقصود بالوحي في الآية الأولي هو القرآن، وهو كلام اللَّه لرسول اللَّه الذي أمر بنقله للمسلمين، بلا زيادة أو نقصان. بن لوز قال إن ما فهمه الصحابة تبدل علي مر تاريخ الرسالة، بعدما لعبت السياسة بالحديث، ولعب فكر العوام بالدين، فخلط المسلمون بين الوحي، وبين أفعال النبي. ولم يفرقوا بين القرآن الذي هو كلام اللَّه سبحانه، وبين كلام النبي. كارثة. لكن موقف بن لوز المتوقع في نظر عوام المسلمين.. كارثة أكبر!