منذ عدة سنوات، ونادي الزمالك يعيش في أزمات متتالية، لا تلبث أزمة أن تنتهي إلا وتعقبها أزمة أخري أشد قوة وأكثر تأثيراً، دون أن يكون للنادي قدرة علي تحديد أولوياته وأجندته من ناحية، ودون أن تكون له القوة علي تنفيذ أي من طموحاته من ناحية أخري.. وما بين الأولويات والطموحات يكاد الزمالك يلقي مصير حمار بوريدان! وحمار بوريدان هو حمار كان يعاني شدة الجوع وشدة العطش في آن واحد، فوضع له صاحبه (بوريدان) حزمة من البرسيم وإناءً من الماء، وكان علي الحمار أن يختار بأيهما يبدأ البرسيم أم الماء؟ وكلاهما الحمار في أشد الحاجة إليه! وظل الحمار متردداً فترة طويلة، فإن اقترب من الماء تذكر أنه في أشد حالات الجوع فرجع، وإن اقترب من البرسيم تذكر أنه في أشد حالات العطش فرجع، وما بين الحالتين، وبسبب طول التردد، مات الحمار جوعاً وعطشاً.. مطلوب من نادي الزمالك أن يحدد أولوياته بدقة، وفي الدين هناك ما يسمي "فقه الأولويات"، وفي تصوري أن أولي هذه الأولويات حالياً هي الاستقرار الفني والإداري، وحسناً فعلت إدارة النادي حين تعاقدت مع العميد حسام حسن كمدير فني للزمالك خلفاً للفرنسي هنري ميشيل.. ولكن هذه مجرد بداية، الأهم منها أن يعطي حسام حسن الفرصة كاملة والوقت الكافي لتحقيق أهدافه، وألا يتم الزج به في حسابات وتصفيات فوق مستوي المرحلة وخارج إطار التوقع الحالي. فليس مطلوباً من فريق كرة القدم، بعد كل هذه الإخفاقات المتتالية خلال السنوات الماضية، وبعد هذه الهزائم التي لم يتعرض لمثلها في تاريخه أن يفوز بالدوري هذا العام. ومن أولويات الزمالك أيضاً في الفترة الحالية، جمع مشجعي النادي، والعمل علي الاحتفاظ بهم، خاصة أن كثيراً من مشجعي النادي بدأوا في تقييم أوضاعهم، وفي تحديد مسارات بديلة لهم.. ومن أولوياته أيضاً العمل علي توحيد خطاباته الإعلامية الصادرة عن إدارته، وتحديد شخص واحد له حق التحدث باسم النادي، ولا يتحدث غيره، ونعلم أن الشخص موجود بالفعل، ولكن غيره يتحدثون أكثر منه. وليس من أولويات نادي الزمالك في الوقت الحالي فتح الدفاتر القديمة، وإثارة القضايا الجدلية، مثل من هو الأحق بلقب نادي القرن؟ وأيهما أفضل ميدو أم عمرو زكي!، وهل كان من الأفضل الاستعانة بأحد أبناء النادي الذين لم يلعبوا لغيره للقيام بمهمة التدريب، أم أن الاخوة حسن هم الأنسب لهذه المرحلة؟ فهذه كلها مجادلات بيزنطية الهدف منها الجدل فقط. نجاح نادي الزمالك هو هدف للجميع، بما فيها غريمه التقليدي النادي الأهلي. والعمل علي تقوية النادي، ومساعدته في إعادة فتح مدرسة الفن والهندسة الكروية أصبح ضرورة رياضية للزمالك وللرياضة المصرية، لأبناء ومشجعي النادي من ناحية وللرياضيين علي اختلاف ألوانهم ونواديهم من ناحية أخري... وما أحوج نادي الزمالك الآن إلي "حمار الحكيم" الذي قال لنا الكثير من الحكم والمواعظ والذي حدد لنا كثيراً من الأولويات، أكثر من حاجته إلي حمار بوريدان الذي أهلكه تردده.