من العجيب أن تتحول برامجنا الدينية إلي مجال لترسيخ الحديث عن أمور السحر والجن في وقت تزداد فيه هموم أمتنا بالعديد من الأمور والقضايا، ومن اللافت أيضًا أن يناقض من يقدمون مثل هذه البرامج أنفسهم فيعلنون أن هناك أمورًا بالفعل أهم من الحديث في ذلك الوقت عن لبس الجن للأنس والسحر والعمل، ثم يصرون علي فتح باب لمن يدعون علمهم بالسحر والجن. الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو مشاهدتي لبرنامج المذيع أحمد عبدون وهو يقدم حلقة خاصة عن الجن والعمل ويستضيف أحد الشيوخ أطلق عليه اسم من كبار علماء الأزهر ليظل علي مدار ساعة ونصف يتحدث عن الأعمال والجن وسيطرته علي الإنس، ويزداد الأمر سخافة عندما نستمع لتليفونات من أشخاص يأخذون رأي الشيخ علي الهواء في كيفية علاج فلان أو فلانة من مس جن، والغريب أن الشكاوي معظمها تدخل في باب الصرع المعروف طبيا، فإذا بالحديث يتحول عن مس الجن. إننا لا ننكر وجود الجن ولا ننكر كذلك وجود السحر لكننا نؤمن كذلك أن الإنسان لم يخلقه الله ليكون مكانا للجن يعبث به حيث قال تعالي: ولقد كرمنا بني آدم فليس بعد قول الله تعالي نظل نتحدث عن أن جنا التبس جسد شخص ما ليسيطر عليه، ولا يمكن أيضًا أن نأخذ عقول الناس إلي أمور عالم الجن وننسي نحن عالمنا، ونحصر قضايانا الدينية في لبس الجن للإنس. إن علي الإعلام الديني أن يكون هادفًا مبينا للناس أحكام دينهم، وحلول مشاكلهم من خلال رؤية إسلامية متوازنة ويترك للأمراض برامجها المتخصصة حتي نأخذ بالعلم بدلاً من الجهل، فالرسول - صلي الله عليه وسلم - قال ما جعل الله من داء إلا له دواء، وحفظ الله معروفًا للعامة والخاصة ينحصر في الحفاظ علي ما أمرنا به تعالي من ترك المنكر والمداومة علي قراءة كتاب الله، والعمل بما فيه، وذكر الله آناء الليل والنهار، فهذا هو خير حافظ لكل إنسان، ثم يبقي علينا بعد ذلك أن ننشغل بتعمير أمتنا والنهوض بحياتنا، فالله لم يخلقنا لنتتبع الجن ونعرف مدي سيطرتهم علينا وإنما خلقنا لنعمر الأرض ونكون كمسلمين قدوة للعالم في العلم والعمل لا في الجن والمس.