في منتصف عام 2008 تلقيت دعوة للمشاركة في مؤتمر دولي بالولاياتالمتحدةالأمريكية، أنابوليس - ميرلاند، حول " أمن الخليج والعالم "، تمثلت أبرز محاوره في: قضايا الأمن والدفاع في الخليج، التطور السياسي في دول الخليج، التعليم ووسائل الإعلام، النفط ومصادر الطاقة البديلة، مستقبل التكنولوجيا في دول الخليج، تأثير القوي الإقليمية والدولية علي الثروة والرخاء في الخليج . أهمية هذا المؤتمر الذي انعقد علي مدار يومي 28 و29 يناير 2009، لم تأت فقط من الجهة المنظمة (الأكاديمية البحرية الأمريكية) أو النخبة المتميزة المشاركة في أعماله، وإنما أيضا من الأجواء التي صاحبته (الإدارة الأمريكيةالجديدة برئاسة أوباما)، والمستجدات الإقليمية والدولية ( انتشار القرصنة وتهديدات تنظيم القاعدة والنووي الإيراني والأزمة الاقتصادية العالمية) التي فرضت نفسها علي أجندة المشاركين .. من أهم ما طرح في هذا المؤتمر قضية أمن البحار وهويتها، وفي القلب منها مسألة " تدويل البحر الأحمر " (ست دول عربية تطل عليه)، وتهديد إيران المستمر بإغلاق مضيق هرمز وقطع إمدادات النفط وتدمير دول الخليج المطلة عليه، وخرج بتوصيات وآليات للتنفيذ، من المنتظر أن يلعب فيها " الناتو " دورا رئيسيا. لكن يبدو أن حركة الأمواج من المحيط الأطلنطي غربا إلي الخليج (العربي) شرقا استغرقت عاما كاملا تقريبا.. ففي نهاية عام 2009 أصبح " أمن الخليج " هاجسا مقلقا لدول مجلس التعاون الخليجي نفسها، وبدرجات متفاوتة، ليس بسبب العراق أو اليمن أو باكستان وأفغانستان، كما يشاع، وإنما بسبب إيران وتنظيم القاعدة علي وجه التحديد. فقد عقد في البحرين منتدي "حوار المنامة" في نسخته السادسة في الفترة من 11 - 13 ديسمبر الجاري، قبل يوم واحد فقط من قمة دول الخليج التي بدأت أعمالها في الكويت يومي 13 - 14 ديسمبر، وهيمن الملف الإيراني بالطبع علي أجندة المنتدي وجلسات القمة، بظلاله الكثيفة والشائكة، حيث تتهم اليمن جهات في ايران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يواجهون القوات اليمنية والسعودية علي جانبي الحدود بين البلدين. وأبدي بعض الخليجيين مخاوفهم من فرض عقوبات جديدة علي إيران بسبب ملفها النووي - وقال وزير خارجية الكويت - أن المزيد من العقوبات سيزيد المنطقة احتقانا أيضا، بصرف النظر إن كانت إيران النووية تشكل خطرا علي العالم أم لا. الجديد بالنسبة لإيران هو ما يقوله المحلل الاقتصادي " فيليب مندوكا " مدير قسم الاستثمارات في شركة أي سي يو جروب، نقلا عن (لوكل نيوز - واشنطون)، وهو أن إيران تعد أحد المفاتيح الرئيسية لما تعيشه دبي اليوم، حيث تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية الضغط علي الإمارة من خلال أبوظبي لإيقاف التعاون الإماراتيالإيراني التجاري، والذي يتخذ من دبي مركز انطلاقه حيث تعتقد واشنطون انه يخرق الحظر الذي تقوده الإدارة الأمريكية ضد طهران بسبب برنامجها النووي. هذا من جهة، من جهة أخري صدر تقرير أمريكي قبل أسبوع، يشير إلي أن دبي ستكون أكثر تعرضاً لهجمات ارهابية خلال العام 2010 بعد ان ظلت " بعيدة عن أيادي الارهابيين " بحسب تقرير أصدرته مجموعة (يورو آسيا)، الذي استند إلي البحث المهم الذي قدمه " ايان بريمر " رئيس معهد التفكير المؤثر، وخلاصته : " مع استمرار دبي كمركز فريد للربط بين دول المنطقة، وتراجع قدراتها المالية، فأنها لن تبقي بعيدة عن أيادي الارهابيين ". بعض دول الخليج تتهم دائما بالوقوف وراء تمويل تنظيم القاعدة مقابل إبعاد شبح العمليات الإرهابية عن أراضيها، وتأتي كل من قطر والإمارات علي رأس قائمة هذه الدول، حيث تُتهم الدوحة بأنها تقدم الدعم الإعلامي للقاعدة من خلال تخصيص قناة الجزيرة لمساحات واسعة من برامجها ونشراتها الاخبارية لرسائل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وتحليلها، فيما يجري اتهام الإمارات بصورة غير مباشرة من خلال التأكيد علي أن من قام بالتخطيط للقيام بهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 علي مواقع مهمة في الولاياتالمتحدة مر من خلال مطارات الإمارات. السؤال الملح، هو : كيف ستنتقل دول الخليج الآن من مقعد " المراقب " إلي " المشارك " في مجابهة التحديات الجديدة (ميدانيا)، خاصة في ضوء علاقاتها المتشابكة والمتداخلة والمعقدة، فضلا عن أن معظم هذه التحديات والمخاطر تنحصر في محيطها الحيوي، وأن الحروب الثلاث الكبري، التي غيرت توازن القوي في العالم، انطلقت من أراضيها منذ ثلاثين عاما (1980)، ولم تنته إلي اليوم؟