بشعر قصير حالك السواد، مرتدية فستانًا بسيطًا أسود، لا يكسر حدته إلا أحمر شفاه صارخ، وكثير من الخجل، بدت الكاتبة الألمانية الرومانية الأصل هيرتا مولر في حفل تسليم جوائز نوبل الذي أقيم الثلاثاء الماضي قرب استوكهولم، مثلما حضرت بقوة صورتها وخبراتها القديمة كصبية عنيدة عملت مترجمة في أحد المصانع برومانيا الشيوعية وطوردت لأنها رفضت العمل مخبرة مع الجهات الأمنية. مولر قالت في محاضرتها أن والدتها لم تكن تريدها أن تكمل تعليمها الثانوي في المدينة، مفضلة أن تصبح ابنتها "خياطة" في القرية، وأضافت: "كانت خوفا علي تسألني في كل مرة أخرج من البيت هل معك منديل، وتعتقد أنني سأفسد في المدينة، وبالفعل فسدت، بدأت في قراءة الكتب"، ثم استدركت: "لم أكن أخطط لأن أصبح كاتبة، فقط لسبب ما بدأت أكتب، لاحظت أن الكتابة تساعدني علي فهم أشياء عن نفسي وعن الحياة، لكن عقب كل كتاب كنت أقول هذا يكفي، وأتوقف بالفعل، ثم أجدني أكتب مرة أخري"، وشرحت: "ربما هو الخوف ما منحني جوعا للكلمات وعطشا للحياة، وما دفعني للكتابة". ركزت صاحبة "أرض الخوخ الأخضر" و"جواز سفر" في محاضرتها التي جاءت بعنوان "كل كلمة تعني شيئا من الحلقة المفرغة" علي قيمتي القمع والخوف، وشددت علي ضرورة أن يواصل الناس التعلق بالأمل لأن "التخلي عن الأمل يعني الموت". ناقشت مولر كذلك معني فعل الكتابة باعتباره "عملا صامتا، من الرأس إلي اليد"، وشرحت من أين بدأت الكتابة، قائلة: "في صمت، هناك علي درج السلم، حيث تصالحت مع ما يمكنني قوله"، مؤكدة علي أنها قررت ألا تنتمي إلي الأبواق الدعائية، وكتاباتها في هذا الشأن دائما ما أدت إلي عواقب وخيمة. وصرحت الكاتبة التي تبلغ من العمر 56 عاما أن روح الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو مازالت تحوم في رومانيا، بالرغم من مرور عشرين عاما علي رحيله، لأن أتباعه يهيمنون تقريبا علي جميع المناصب الرئيسية في المجتمع الروماني، والنظام الأمني الجديد أخذ 40٪ من صفات النظام القديم. أعربت مولر عن تشاؤمها بشأن مستقبل بلادها التي غادرتها في عام 1987أي قبل عامين من سقوط النظام القديم، قائلة: "يقولون أننا في طريقنا إلي الديمقراطية، لكن في الحقيقة أننا لم نقطع نصف الطريق ولا حتي ربعه"، وأرجعت سبب تشاؤمها لافتقار رومانيا إلي الظروف الملائمة لإقامة مجتمع مدني هو كل ما تحتاجه، وقالت: "لقد ولدت في رومانيا ونشأت بها لكنها ليست وطني، فلا يعد بلد ما وطنك متي شعرت فيه بالتهديد". وعن منطق الدوائر المفرغة تشرح أن الأشياء من حولنا هي نمط من التكرار، بدورانها في حلقة مفرغة، أو ما يسمي في اللغة الألمانية ب"دائرة الشيطان"، وبخصوص الكتابة، فقد بدأتها بصمت، حيث تساءلت ما هي الأحداث التي لم يعد بالإمكان الحديث عنها في خطبة علنية؟، لهذا تتجامع في رأسها أفكار بشكل صامت، ثم تعبر عنها من خلال حلقة مفرغة من الكلمات، تستطرد: "لا شيء سوي دوامة من الكلمات يمكن تلخيص حالتي". "الإلهام بالنسبة لي كلمة غريبة جدا"، بهذا التصريح اللغز أوضحت مولر في مؤتمر صحفي عقد قبل حفل نوبل بيوم، أن ما أوحي لها بالكتابة هي الحياة المعيشية بصفة عامة، وعلي الرغم من حضور موضوع الدكتاتورية بالضرورة في كل أعمالها، إلا أن "الكلمات" حسبما ذكرت هي غالبا ما تتملكها في المقام الأول، وتأخذ أي موضوع إلي حيث تشاء هي، مؤكدة أنها "شخص عادي جدا" تشعر باعتزاز عندما يشار إليها باعتبارها مؤلفة روايات كذا وكذا، أكثر من أن يشار إليها بوصفها حائزة نوبل، لذلك فهي تستريح أكثر للتعريف بأن كتبها هي التي حازت الجائزة، وليس شخصها. وأجابت مولر عن سؤال لصحفيا رومانيا حول لماذا لم تسجل ولو ذكري إيجابية واحدة عن بلادها؟، قائلة :"بالطبع أحمل ذكريات حسنة عن رومانيا، كبلد وليس كحكومة أو دولة قمعية، أغلبها حكايات عن صداقات وعلاقات لدي هناك مازالت قائمة، لكن بالطبع لم تكن قضيتي الحديث عن علاقاتي الشخصية".