هناك فيلم أمريكي شهير وقديم عنوانه (الرجل الذي صعد تلا وهبط عن جبل).. وفيه يحاول سكان بلدة صغيرة أن يحولوا التل القابع علي أطراف مدينتهم إلي جبل بمحاولات مختلفة لزيادة ارتفاع التل بطرق بشرية حتي يصل إلي الارتفاع الذي يؤهله لنوال اسم (جبل) فترتقي مدينتهم وتصبح كائنة عند جبل لا مجرد تل.. أما نحن في بلدنا فنسعي دائما للوراء وإذا رزقنا جبلا نحوله تلا. ولا تختلف أفلامنا الواقعية كثيرا عن خيال السينما الأمريكية.. فنحن نلحق أبناءنا ب (كلية العلاج الطبيعي) وقبل أن يتخرجوا فيها يقوم واحد بتحويلها إلي (معهد العلاج الطبيعي) فيتخرج الأبناء من معهد وهم أصلا قد التحقوا بكلية.. فهم لا يختلفون عن الرجل الأمريكي سوي في تفصيلة صغيرة: هو صعد تلا ونزل عن جبل، وهم صعدوا جبلا شاقا عسيرا ونزلوا عن تل في نهاية الفيلم الذي يتشارك في كتابته وإخراجه هيئات ووزارات من المفترض أنها مسئولة!! والتساؤلات حول هذا الأمر العجيب لا حصر لها: هل هناك سبب واضح لتحويل أي كلية - فجأة - لمعهد؟ من صاحب القرار؟ كيف يتم هذا دون سابق إنذار للطلاب الملتحقين بالكلية؟ هل هناك معهد تحتوي الدراسة فيه علي عدد 10 فصول دراسية كاملة (10 ترم) بالإضافة لسنة امتياز في المستشفيات العامة؟ كيف يلتحق الطلاب الذين حصلوا علي مجموع حوالي 97٪ بكلية العلاج الطبيعي، ثم يجدون أنفسهم في معهد؟ هل سيتم تحويل كلية التمريض إلي معهد أيضا؟ أم أن الممرضات سيتخرجن من كلية وطلاب العلاج الطبيعي سيصيرون خريجي معهد؟ والسؤال الرئيسي: ما الذي حدث فجأة وجعل الأمور تتفاقم لدرجة أن تقوم ثورة عنيفة علي إخصائيي العلاج الطبيعي الذين هم في مصر آمنون منذ عقود ويزاولون المهنة، ولهم مراكزهم، وبموافقة الدولة بكل أجهزتها، ولهم نقابتهم، وكليتهم وأساتذتهم وطلابهم، بل ولهم مجموعة من الزملاء الخريجين تعمل بالولايات المتحدة وتشرف مصر هناك ولهم (رابطة اخصائيو العلاج الطبيعي المصرية الأمريكية)؟ هل اكتشفت نقابة الأطباء ووزارة الصحة ووزارة التعليم العالي فجأة أن هذه الكلية وخريجيها معيبون؟ أم أن المسئولين جميعا كانوا في غفلة وهبطت عليهم صحوة مفاجئة كشفت لهم فساد إخصائيي العلاج الطبيعي؟ وهل يعقل أن فساد - بعض -مراكز العلاج الطبيعي يكون عقابه لكل خريجي وطلاب المهنة؟ ماذا عن الأطباء يا نقابة الأطباء؟ لماذا لا تغلقون كل المستشفيات عندما يخطئ طبيب؟ وهذا يحدث كثيرا! وماذا عن النقابات؟ لماذا لا تغلق النقابات جميعا عندما يخطئ النقيب؟ وماذا عن الصحفيين أيضا، والمهندسين، وأساتذة الجامعات، وغيرهم؟ هل نحول الجامعات إلي مدارس ونحرم الشرفاء من العمل بسبب بعض المخطئين؟ أي قانون هذا؟ ومن هم المخطئون أصلا؟ وفيم أخطأوا؟ وما ذنب الآخرين؟ أعتقد أن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو قيام تحقيقات جادة، ومكاشفات تتسم بالمسئولية، وبعض الشفافية، والقليل من الصراحة، واستجماع الشجاعة الأدبية، التي تعني التراجع عن الخطأ، وقيام كل مسئول بدوره في جدية وعدم تراخٍ.