رغم محاولات قياداته المستمرة لرأب صدع الخلافات الداخلية، إلا أن التجمع - وعلي غير العادة - بدا مؤخرًا وكأنه يخرج من أزمة إلي أزمة جديدة، ومن ورطة إلي أخري تحتاج إلي تدخل مباشر من رئيس الحزب د. رفعت السعيد، الذي قاد مبادرته قبل أسبوعين لنزع فتيل الأزمة بين جبهات بيت اليسار! إلا أن هذه الصورة تجددت مع البيان الذي أصدره عدد من قيادات حزب التجمع المحسوبين علي "جبهة التغيير" الذي أدانوا فيه ما وصفوه ب"تردي الأوضاع الحزبية" منذ انتهاء المؤتمر العام للحزب وعدم الاستجابة لأي من القرارات التي تم اتخاذها ثم عدم الاستجابة لقرارات اللجنة المركزية للحزب فضلاً عن التراجع الحزبي علي المستوي السياسي والجماهيري! الأوضاع المتردية البيان الذي حصلت "روزاليوسف" علي نسخة منه جاء فيه: "انتهي الاجتماع الأخير للجنة المركزية لحزب التجمع في 1 أكتوبر الماضي دون نتائج سياسية أو خطة للعمل الحزبي لتحمل المسئوليات السياسية والجماهيرية والديمقراطية لصالح الوطن والشعب، فضلاً عن العمل لاستعادة دوره القيادي التقدمي للنضال السياسي الاجتماعي والديمقراطي، وفي مقدمة أحزاب وجماعات المعارضة المدنية المصرية. انعقد هذا الاجتماع بعد ما يقرب من سنتين من الدورة الانتخابية عقب المؤتمر العام السادس - تنص اللائحة علي الانعقاد مرتين علي الأقل كل عام - حيث تم تغييب اللجنة المركزية عن دورها السياسي المقرر لائحيًا في اتخاذ القرارات الأساسية والمعبرة عن توجهات الحزب حسب برنامجه العام وقرارات مؤتمراته، ولم تتمكن من اتخاذ خطوة واحدة إلي الأمام، بل ربما أضافت حلقة جديدة في مسلسل التراجع السياسي والجماهيري والتنظيمي للحزب والذي سبق أن تضمنه تقرير "التجمع الذي نريده" الصادر عن النادي السياسي في 7 نوفمبر 2007. وفي ظل كل هذه التطورات السياسية المهمة والمؤثرة علي مستقبل مصر سواء في السنوات القادمة أو ما بعدها، كنا ننتظر من هذا الاجتماع: أولاً: إعلان سياسي يحدد مسألتين رئيسيتين في شأن مستقبل العمل الديمقراطي، والبديل الديمقراطي لما هو قائم، وهاتان المسألتان هما: 1- انتخابات مجلس الشعب في 2010، التي سوف يتمخض عنها المجلس الذي يقر الترشيحات لرئاسة الجمهورية في السنة التالية. 2- انتخابات رئاسة الجمهورية في 2011 وما يحيط بها من توقعات جميعها يدور حتي الآن في استمرار جماعة سلطة الحكم القائم بمكوناتها الطبقية والبيروقراطية وأن يتضمن هذا الإعلان السياسي توجهات محددة لصالح الطبقات الشعبية والوسطي التي يعبر عنها "التجمع" في برنامجه العام ومحددًا لتطلعاتها الديمقراطية والدستورية في الحكم. كنا ننتظر أن يكون اجتماع اللجنة المركزية بداية لاستعادة الاستقلالية والندية السياسية كطرف أصيل وقيادي حول مستقبل البلاد. ثانيًا: خطة عمل واضحة المعالم تكفل تحويل الموقف السياسي إلي: - نظام وتكليفات محددة للهيئات الحزبية الجغرافية والنوعية وجريدة الحزب وأنشطتها خلال كل من سنة 2010 و2011. حلم المبادرات الجبهوية - إطارات عمل جبهوي وتنسيقي ومبادرات سياسية وجماهيرية تشمل دائرة المعارضة السياسية الحزبية، والحركات الاجتماعية أو السياسية المستقلة، والشخصيات العامة الديمقراطية والتنظيمات النقابية والأهلية، نحو تنشيط وتوسيع دائرة الرأي العام في كل القطاعات الاجتماعية من أجل انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة ومن أجل حقوق وحرية الترشح وتداول السلطة السياسية. ثالثًا: قرارات محددة في المسائل التالية: 1- تحديد لصلاحيات الهيئات الحزبية في إعلان المواقف والقرارات السياسية، وكذلك القرارات التنظيمية الداخلية وبشكل رئيسي هيئات المكتب السياسي، الأمانة المركزية والأمانة العامة، وأن يشمل هذا التحديد الرئيس والأمين العام بصفتيهما الحزبية أو بغير هذه الصفة والالتزام باحترام صلاحيات اللجنة المركزية صاحبة الولاية في الرقابة علي قرارات هذه الهيئات والرئيس والأمين العام، ويرتبط بهذا عدم جواز أسلوب التفويض بدلاً من اللجنة المركزية وغير المقرر لائحيًا ولا يصح النص عليه لأنه يتعارض مع قواعد السلطة والمسئولية عن القرارات المستمدة من ديمقراطية البنيان الحزبي حتي المؤتمر العام ومسئولية كل هيئة حزبية أمام المستوي الأعلي وهو ما يتضح من قواعد ومضمون لائحة الحزب (المواد من 49 إلي 58) فالأمانة العامة تتولي الإشراف علي تنفيذ قرارات اللجنة المركزية فيما بين دورات انعقادها وتكون مسئولة عن أعمالها وتقدم تقارير دورية عنها أمام اللجنة المركزية (مادة 54) ولا مجال للقول إنها تحل محلها لأن دور وقرارات اللجنة المركزية ليس مرهونًا بدورات انعقادها فقط. 2- قرار بتنشيط الحوار السياسي داخل الحزب ومع الأطراف السياسية اليسارية والأطراف الديمقراطية خارجه ومع المنظمات النقابية والمنظمات الاجتماعية في المستويات المحلية والمركزية حول مسألتي الانتخابات البرلمانية والرئاسية وواقع الأزمة الديمقراطية المتفاقمة والفشل السياسي السائد في المجتمع نتيجة للسياسات والأساليب الاستبدادية والبيروقراطية التي تمارسها السلطة الحاكمة، وانعكاس ذلك علي مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. الأهالي طرف في الصراع ويرتبط بهذا القرار تأمين فرص طرح الرأي الآخر في "الأهالي" والاتفاق علي احترام جميع الأطراف لآداب وتقاليد إبداء الرأي بحسب ما عرفناه ولمسناه من سلوك قادتنا المؤسسين وعلي رأسهم "خالد محيي الدين"، وهذا مع ضمان توفير الحصانة من عسف القرارات البيروقراطية والإدارية في الحزب. في رأينا أن المهام والمسئوليات السابق بيانها كانت كفيلة باتخاذ الحزب خطوة إلي الأمام نحو استعادة دوره ومسئوليته التقدمية والديمقراطية في التعبير عن موقف اليسار المصري، وتفتح الباب أمام إعادة ترتيب البيت اليساري وتدعم قواعده. إن ما حدث في اللجنة المركزية للحزب في 1 أكتوبر لم يكن سوي عرض مكرر لأساليب ومشاهد لا تنتمي إلي قواعد وتقاليد العمل داخل أي هيئة منظمة ولها مستويات تنظيمية ولائحة وفوق ذلك أهداف عليا تسعي لإنجازها، فلا أوراق عمل، ولا مشروعات قرارات محددة وإنما تم عرض مشروعات تقارير سياسية أو تنظيمية مطولة لا يمكن قياس الإنجاز أو الفشل فيها، أو خطة للعمل ولا توجد طريقة منظمة لطلب الكلمة أو تحديد لعدد المتحدثين أو استخلاصات واضحة بعد المناقشة، وينتهي الأمر بإحالة "الأوراق" إلي لجنة صياغة لإصدارها عن طريق الأمانة العامة بصياغات عامة مكررة حيث لا يقرأها أحد بعد ذلك! وكذلك لا يوجد طريقة منظمة لاحتساب الأصوات، فيتم ذلك برفع الأيدي حيث يختلط الحاضرون ما بين الأعضاء الأصليين والاحتياطيين، وتتولي المنصة إعلان نتيجة التصويت علي طريقة "مجلس الشعب"!، فكيف تتمكن هذه الهيئة المحترمة والتي تعبر عن الحزب كله سياسيا ونوعيا، أن تناقش أو تأخذ قرارًا أو حتي تمارس التصويت، فمنذ عدة دورات يتم إدارة اجتماع اللجنة المركزية مثل "المؤتمر الصحفي" الذي تتحدث فيه الرئاسة عن الإنجازات وبعض الملاحظات ولا تعطي اهتماما لسماع غالبية المتحدثين أو استخلاص آرائهم، أو استخلاص نتائج واضحة وتعتمد علي "الإحالة" أو التفويض!، ثم يتم فض الاجتماع تحت ضغط الوقت أو بحجة "المسافرين"! إن هذا المنهج في القيادة والإدارة السياسية هو تعبير عن أزمة القيادة المركزية التي تحرص علي بقاء الحزب كممثل تحت السيطرة لليسار المصري في إطار البنية السياسية الفوقية وبعدد من القيادات تنوب عن كل أعضائه بل وعن قواه الاجتماعية، ولذلك لا سبيل لهذا النوع من القيادة سوي الإدارة البيروقراطية التي تتسم بعدم الشفافية، والتحايل علي البرنامج السياسي ولائحة الحزب، وتبتعد عن العلم والتحديث وتتبني جماعة أهل الثقة والطاقة، بدلا من احترام التقاليد الديمقراطية والتنظيمية. أزمة ثقة وفي هذا السياق يتم الإعلان عن "تفويض" غامض للأمانة العامة -مشكوك في صدوره بالإضافة إلي أنه غير لائحي- يترتب عليه فصل الزميل "أبوالعز الحريري"، وبناء علي "محور" تصويتي من الواضح أنه سابق التجهيز، كما يجري الإعداد أيضًا لنفس الإجراء مع الزميل "عطية الصيرفي"، وكلاهما من الرموز اللصيقة بكفاح اليسار المصري سواء في التجمع أو المجتمع المصري. نود أن نؤكد أن أي قرار للأمانة العامة بالفصل لأي من أعضاء اللجنة المركزية، غير أنه فاقد الشرعية السياسية، فإنه يخالف نص المادة 54 من اللائحة التي تحظر علي الأمانة العامة اتخاذ أي قرار يمس عضوية اللجنة المركزية. ورغم أن الموقعين علي البيان من المحسوبين علي "جبهة التغيير" التي يقودها الأمين العام للحزب سيد عبدالعال، م إلا أن سيد عبدالعال نفسه قال لنا: إن البيان لم يصل إليه بشكل رسمي وتم نشره علي "الإنترنت" إلا أنه يعتبر مجرد رأي سياسي ولا يخرج عن القواعد واللوائح الحزبية، لأنه لا يتضمن التشهير أو الإساءة لأحد، لافتًا إلي أنه لا يذكر أي خلافات تنظيمية أو مشاكل داخلية مما حذر الحزب من الخوض فيها في وسائل الإعلام!