من حق رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري الدعوة الي الغاء الطائفية. ما ليس من حقه استخدام الطائفية وضرورة التخلص منها، وهذا كلام حق، للتغطية علي الباطل المتمثل بالآفة الكبري التي يعاني منها لبنان. انها آفة السلاح غير الشرعي. اكان هذا السلاح لدي ميليشيا "حزب الله" او لدي غيره. نص اتفاق الطائف بشكل صريح علي ضرورة إلغاء الطائفية في المرحلة النهائية من تنفيذ الاتفاق. ولكن هل طبق اتفاق الطائف بحذافيره حتي يأتي الوقت الذي يدعو فيه رئيس مجلس النواب إلي الغاء الطائفية؟ لا يحتاج لبنان حاليا إلي إلغاء الطائفية، علما بأن الطائف دعا إلي التمهيد لذلك عن طريق تنفيذ سلسلة من الخطوات الإصلاحية. المؤسف أن معظم الخطوات الإصلاحية التي يفترض أن تسبق إلغاء الطائفية تعثرت لأسباب يطول ذكرها. لعلّ أخطر ما في الأمر، أن الطائفية ترسخت أكثر في نفوس اللبنانيين في السنوات القليلة الماضية. الأدهي من ذلك أن الانقسامات التي شهدها البلد حديثا، أخذت بعدا مذهبيا أقل ما يمكن أن يوصف به أنه بغيض. من هنا لا مفر من المباشرة بالعمل الجدي من أجل إزالة الطائفية والمذهبية من النفوس أولا. ماذا ينفع الكلام عن إلغاء الطائفية ما دام اللبنانيون، في أيامنا هذه، طائفيين ومذهبيين أكثر من أي وقت؟ ما قد يحتاجه لبنان الآن يتمثل في العمل الجدي من أجل أن تكون هناك مساواة بين المواطنين من جهة وإخراجه من وضع "الساحة" التي تتصارع فيها القوي الإقليمية من جهة أخري. لا مجال للمساواة بين المواطنين من دون إحياء لمؤسسات الدولة. ولا مجال لإخراج لبنان من وضع "الساحة" في غياب سلطة قوية تعبر عن تطلعات المواطنين وتعمل علي تجسيدها علي الأرض. بدل الدعوة إلي إلغاء الطائفية، يفترض في جميع السياسيين في هذا البلد الصغير التفكير في ما هو أهم من ذلك بكثير. بكلام أوضح، عليهم البحث جديا في كيفية التخلص من أي سلاح غير شرعي بعيدا عن الشعارات التي لا تطعم خبزا ولا تأتي بالكهرباء. والسلاح غير الشرعي ليس سلاح "حزب الله" فقط، بل السلاح الفلسطيني أيضا. هناك علي الأراضي اللبنانية قواعد فلسطينية خارج المخيمات. ما دور هذه القواعد في التصدي لأسرائيل واسترجاع الأرض؟ هل لها دور آخر غير تأكيد أن لبنان مجرد "ساحة" للآخرين وأن الجيش الوطني لا يسيطر علي كل أراضي الجمهورية؟ آن أوان طرح الأسئلة الحقيقية. من بين الأسئلة كيف يمكن التوفيق بين القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس من العام 2006 وبين وجود سلاح غير شرعي علي الأراضي اللبنانية. إن كل فقرة في القرار 1701 تؤكد أن لا حاجة إلي سلاح غير سلاح القوي الشرعية اللبنانية في مقدمها الجيش الوطني الذي عاد إلي جنوب لبنان بعد غياب استمر ثلاثين عاما. لماذا عاد الجيش إلي الجنوب؟ أوليست موازين القوي الإقليمية التي فرضها القرار 1701 هي التي أعادته إلي الأرض اللبنانية المحاذية لخط الهدنة مع إسرائيل بعدما كان مجرد الكلام عن ضرورة نشر الجيش في الجنوب بمثابة ارتكاب فعل خيانة؟ ربما كان الرئيس نبيه بري يتحدث عن الغاء الطائفية في ضوء الحاجة إلي إخراج النظام اللبناني من أزمته. هناك أزمة نظام في لبنان. لا مفر من الاعتراف بذلك، خصوصا في ضوء التطورات التي شهدها البلد منذ الانتخابات النيابية الأخيرة. أظهرت تلك التطورات أن نتائج الانتخابات لا تعني شيئا ما دام هناك سلاح لدي هذا الطرف أو ذاك. كشفت مرحلة ما بعد الانتخابات أنه يصعب علي أي طرف معالجة هذه الأزمة في ظل وجود سلاح لدي فريق من الأفرقاء وفي ظل الانتشار الفلسطيني المسلح في كل الأراضي اللبنانية. ما العمل إذا؟ الأكيد أن الكلام عن إلغاء الطائفية في ظل الظروف الراهنة يخيف قسما لا بأس به من اللبنانيين. لكن الأكيد أيضا أن التصدي للسلاح بالسلاح مستحيل، وعمل عبثي، إلا إذا كان هناك من يريد العودة إلي الحرب وتهجير قسم من اللبنانيين، خصوصا المسيحيين من البلد. وإلي اشعار آخر ليس هناك لبناني يتمني العودة إلي العنف. أقصي ما يستطيع أن يفعله السياسيون الواعون في هذه الأيام هو الاكتفاء بالمحافظة علي السلم الأهلي وعلي ما بقي من مؤسسات الدولة ومقاومة السلاح بالتأكيد يوميا أنه لا يخدم ألا العدو الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر. في الواقع، ليس أمام اللبنانيين سوي الرهان علي الوقت من دون التنازل عن المبادئ التي يأتي علي رأسها رفض السلاح غير الشرعي، أيا تكن الجهة التي تحمله وأيا تكن الشعارات التي تتلطي بها هذه الجهة. في النهاية أن التصدي للسلاح بشكل سلمي يمثل المقاومة الحقيقية لإسرائيل وغير إسرائيل. في النهاية أيضا، سيكتشف جميع اللبنانيين، من كل الطوائف والمذاهب أن ليس لديهم مكان يلجأون إليه غير لبنان. ستثبت الأحداث التي ستشهدها المنطقة أن الصيغة اللبنانية، المبنية علي العيش المشترك من دون الاستعانة بالسلاح، أقوي بكثير مما يعتقد وأن في الإمكان الاستعانة بالصيغة لتطوير النظام وحتي اتفاق الطائف وصولا إلي إلغاء الطائفية. يظل الشرط الأول والأهم تفادي الأقدام علي أي خطوة تحت ضغط السلاح. السلاح خطر علي الجميع بما في ذلك علي الذين سيتخدمونه. السلاح لا يبني وطنا. السلاح هو الطريق الأقصر إلي الحروب الداخلية. السلاح لا يطور نظاما ولا يلغي الغرائز الطائفية والمذهبية بل يخرج هذه الغرائز من عقالها. لذلك كان من الأفضل لو انتظر الرئيس بري قليلا قبل أن يخرج بموقفه الأخير الذي أثار الكثير من الحساسيات التي لا شك أن لبنان واللبنانيين في غني عنها.