رغم سيطرة العولمة الفكرية علي الساحة التشكيلية المعاصرة، فإن البقاء الثقافي والاجتماعي للطقوس المصرية، لا يزال مادة استلهامية ثرية للفنانين التشكيلين، هذا المضمون الاجتماعي كان محور أعمال الفنان التشكيلي الدكتور جورج فكري التي ضمها معرضه الأخير بقاعة الفن بالزمالك، بعنوان " طقوس مصر"، حيث وثق الطقوس المصرية تشكيلياً وجمالياً بكل أركانها، الأرض، الإنسان، العلاقات الاجتماعية، القيم، وعبر عن المعتقدات والموروث الشعبي، المشبع بالرموز والدلالات، تلك الطقوس التي شكلت التواصل الاجتماعي والوجداني، لبعض فئات المجتمع، حتي أصبحت قوانين تتحكم في المسيرة الثقافية والاجتماعية لهذه المجتمعات. عرض الفنان 26 لوحة تصويرية تعبيرية حداثية تناقش موضوعات إنسانية واجتماعية، فمن نصوص الموروث الشعبي، استطاع استنباط مداخل جمالية ووصفية معاصرة وتجريبية، حيث حملت الأعمال مجموعة من القيم الطقسية مقترنة بالقيم الجمالية والتقنية الفنية مثل تقاليد (جني القطن وجمع البرتقال والموالد والسوق وبائع العرقسوس وبائعي الخبز وطقوس الميلاد والأعراس والزواج وليلة الحنة والسبوع والصيادين) وغيرها. تتسم الأعمال بالتعبيرية حيث قام باستخلاص جوهر القيمة الطقسية من عمق الشخصية المصرية، وبالنسبة للتكوينات في اللوحات فهي عبارة عن حالة إنسانية للتجمعات البشرية في علاقة اجتماعية وحميمة ومتلاحمة منسوجة فكريا وتشكيلياً، كما أن الحضور الإنساني هو العنصر الرئيسي، علي اعتبار الإنسان هو المسئول الأول عن استقرار وثبات القيم. استطاع الفنان جورج فكري أن يطرح ثلاثة ملامح للهوية، الهوية التراثية المصرية حيث الموروث والجذور والمخزون، والهوية البيئية المرتبطة بالزمان والمكان، التي اختارها الفنان ليعبر من خلالها عن العقلية الشعبية بتقاليدها، ثم الهوية الذاتية التشكيلية للفنان، التي استمد تشكيلاتها ومعالجتها من الهويتين السابقتين، فطرح معالجة معاصرة لمضمون مصري. جاءت لوحة "ليلة الحنة" تعبر عن مظهر تقليدي من طقوس ليلة الزواج التي تناقلتها الأجيال، فيها مجموعة من النساء يرقصن حول العروسة، في إيقاعات حركية مستمرة أكدها بألوان دافئة، أما لوحة "جني القطن" التي تعبر عن أحد الاحتفالات الموسمية في الريف المصري، فقد مثلها بأربع فتيات في وضع حركة متماسكة وعلي ملامحهن ابتسامة الاحتفال بجمع القطن، واستخدم اللون الأبيض من حولهم بتقنية ناعمة، وفي لوحة "بائع العرقسوس" أظهر التجمع البشري بشكل دائري مترابط، دون انفصال ليؤكد مدي التواصل الثقافي والاجتماعي بين الأفراد، واستخدم المنظور الدائري متعدد الزوايا، ليطرح رؤية متزامنة بين إيقاع اللون وإيقاع القيمة. وعبر في عدد من اللوحات عن ممارسة بعض المجتمعات للمهن اليومية، أبطالها الأشخاص البسطاء، مثل مهنة صيد السمك ولوحة" الصيادين"، وأيضا لوحة السوق التي تعبير عن التلاحم الاجتماعي البشري، وعمل علي توضيح ما بداخل أبطال لوحاته من قيمة إنسانية من خلال تأكيد ملامح القناعة والرضا. ابتعد الفنان عن أسلوب التظليل وأتباع النسب التقليدية، فنفذ لوحاته بخطوط حرة متشابكة، واتبع زاوية المواجهة في رسم الوجوه، مما جعلها أقرب إلي الأيقونة المصرية الصميمة، واستخدم الألوان الساخنة الأحمر والأصفر والبرتقالي وصبغها بصبغة درامية تراجيدية، ليؤكد اختفاء بعض العادات والتقاليد من بعض المجتمعات الريفية مثل لوحة جني البرتقال. أما التوليف التقني والمعالجة السطحية فاستخدم فيها خامات مختلفة مثل الأوراق الجاهزة للتلوين والعجائن التحضيرية محدثا نوعا من الاختلاف في الملمس بين الناعم والخشن، كما أكدت تقنية الملامس البارزة علي مضمون فلسفي وهو مفهوم طبقات الأرض في تمثيل بصري تشكيلي قاصدا طبقات الثقافة التي يحملها المجتمع المصري علي عاتقه.