يا حبيبتي يا مصر.. أحبّ أن أري مع شادية العناد في عيون الولاد والبنات والإصرار علي وجوه الرجال والستّات. بل إنّ صوت الفنّانة التي تبني عشّها بين شغاف قلوبنا مهما احتجبت تمثيلا ورقصا وغناء إنّما يذكّرنا بأنّ مواقعنا كثيرة لنعلّق رايات النصر. "أصله ما عدّاش علي مصر" هذا الإعلام الذي أراد أن يختزلنا في ماتش كورة ولو للصعود إلي المونديال !ينسي أنّ المقاطع الجميلة إنّما صاغت حبّات قلوبنا لتعبّر عن أبطال عبروا القناة وصعدوا خطّ بارليف ورفعوا علم مصر. لايملك مثل هذا الإعلام المعرفة ليثقّفنا للتأمّل في الفيمتو ثانية ونوبل السادات وزويل ومحفوظ والبرادعي، اعذروا إذن كلّ من يدعوكم إلي أن نغضب جميعا من التعصّب،وألاّ نسمح للإثارة والشحن بأن يدمّر تسامحنا كلّما قدرنا علي ذلك. فنحن لانعرف حتّي الآن كيف نحبّ ماننتمي إليه دون تعصّب، حتّي عبارتنا: إذا فازت الجزائر أو مصر، فالذي تأهّل للمونديال هو فريق عربي أو إسلامي أو أفريقي، إنّما تدلّ علي عدم قدرتنا علي التخلّص من التعصّب! وبغض النظر علي أن اللعبة لاطعم لها دون مشجّعين يتحيزون ويتحفّزون لهذا الفريق أو ذاك، فهناك حماقات أخري لايجب أن نحتملها، تلك الحماقة التي أوصلت شعبين تآخيا في أحلك أوقات الشدّة، يتعاركا في وقت اللعب. ووصل الحال إلي حرق العلم المصري وتوتّر الجوّ، وتبودلت الاتّهامات وتهدّدت الأرواح والمصالح ووقف متحدّث رسمي باسم الخارجية المصرية يلفت النظر واستدعي السفير الجزائري! ومن الشحن والتحريض المتبادل يتطاير الشرر، ومعظم النيران من مستصغر هذا الشرر، والمخطّطون والانتهازيون والمستفيدون كثيرون ويظهر من بينهم بوضوح قناة الجزيرة، لايتورّعون عن استخدام الكلّ ضدّ الكلّ في السياسة والدين وحتّي الكورة! ولايوجد بلد في هذا العالم يمكن أن نستثنيه بدرجة أو أخري من الهوس بكرة القدم، هناك مشكلة حقيقية في التعصب الكروي أضعها أمام الفيفا! والتحيز لفريق ضد آخر والمشاغبة عليه، بل ان أنصار الفريق ومشجعيه يصل بعضهم الي استعمال لغة غير مقبولة واستخدام العنف ضد أنصار الفريق الآخر. لذا وصلنا الي جو من الخوف والارهاب في الملاعب يستدعي حراسة الشرطة وتدخلها لمنع أعمال العنف وهذا يعني فقدان الروح الرياضية وانحسارًا لمتعة الجمهور. دعونا لانطيل اللوم ولنتعلّم من أخطائنا في الحالة التي نعيشها، ولنر أثرا لتصحيحها. نحن نتعامل مع تخلّف وجهالة وتراث وثقافة وعلينا أن نحسّن كلّ ذلك. فالساحرة الساخرة المستديرة كما يسمّونها، لعبة تنهض بين الجماهير في الأزقّة والحواري والشوارع، تنهل من تملّق وتهييج النّاس وغوغائيتهم ودهمائيتهم. وأكثر من ألعاب أخري ككرة السلّة والتنس والسباحة علي سبيل المثال سيعتمد التحيز للأبطال والنادي والفريق علي المشاعر والعواطف لا علي العقل المحايد! ومع ذلك يبدو النّاس العاديون أكثر براءة وأحكم من إعلامهم وصحافتهم، إنّنا لم نسمع عن تعكير صفو يذكر لمبارياتهم البريئة في الشارع والساحة والنادي الشعبي، إنّهم لايحتاجون إلي الأمن المركزي! إلاّ أنّه يظهر في حياتنا دائما التجّار الذين لا يستغنون عن استغلال لا القوي العضلية والمادّية للإنسان فحسب، إنّما طاقاته الإبداعية والمعنوية في كلّ مجال. ولم تعد هناك دولة في العالم لا توجد بها صحف يومية كبيرة تخصّص بعض صفحاتها في أخبار الرياضة بالاضافة الي الملاحق الرياضية، وتقتحم الشاشة الفضّية بكلّ قوّتها، ويجد الأبطال المعتزلون وظائف تقاعد علي كراسي الإعلام، ينجحون في شغلنا بالأخبار الرياضية. حيث القراء والمشاهدون يتابعون التحليلات والخناقات المحلاّة بالمهاترات وأدقّ التفاصيل وآخر الأخبار الرياضية، ربما أكثر من متابعتهم لاخبار السياسة والاقتصاد والحوادث المحلية. ويميل أنصار المؤامرة إلي اعتبار الأمر من تدبير أجهزة التحكّم السرّي لشغل ولهو الرأي العام عن أزماته ومشاكله! نفوز لنفشل! يصعد أحدنا لكأس العالم وقد لطّخنا وجهنا الحضاري، وشوارعنا وجماهيرنا مشوّهة بالتعصّب. هذا هو الفشل الحقيقي، أمّا أن يخطئ المهاجمون أو يعجز المدافعون وتفلت الكرات من بين أصابع حرّاس المرمي فهذا يحدث طوال الوقت، ولو دام الكأس لفريق ما ذهب للآخر! البشر ومن بينهم لاعبو كرة القدم خطّاءون. تلك هي متعة اللعبة التي لايهنأ بها المتعصّبون ولايدعون لغيرهم الفرصة للتمتّع بالهدف الذي أحرزه عمرو زكي في الدقيقة الأولي للماتش، لم يستسلم الفريق الجزائري، ولم يفتني أن ألاحظ المعلّم الشجاع حسن شحاته يحبس أنفاسه ونكاد أن نستسلم لليأس، وفي آخر لحظة، وصفّارة الحكم علي وشك أن تحسم النتيجة لصالح الفريق الجزائري، يسجّل عماد متعب الذي دخل الملعب لتوّه، هدف الصعود إلي ملحق المباراة حامية الوطيس.. والتي فاز بها من فاز فلنوقف الرعب من التعصّب!