صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية العدد 24 من فصلية "قضايا إسرائيلية"، وفي العدد مقال مميز للباحث كمال علي حسان حيث يعرض ويفتح ملفا بكراً وحيوياً يرصد فيه مراكز الفكر الإسرائيلية ودورها في النسيج الإسرائيلي، ليعرفنا علي مدي اعتماد المؤسسة الاستراتيجية الإسرائيلية علي مراكز الأبحاث والدراسات لرسم وتخطيط سياستها، موقع هذه المراكز وتأثيرها علي السياسة الإسرائيلية وما هي هذه المراكز وكيف تعمل ومن يديرها ويمولها؟ وهل البحث العلمي والدراسات الفكرية في إسرائيل مستقلة ومحررة؟ ويتعرض الباحث من خلال دراسته إلي أصل التسمية لمراكز الفكر وما هي أهميتها ومتي بدأ انتشارها حيث كتب أن: مراكز الفكر ترجمة حرفية لمصطلح "Think tanks" أو "مصانع التفكير" وهو تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف علي دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء علي هذه المقترحات في مجالات مختلفة. وقد أصبح لمراكز الفكر دور ريادي في قيادة العالم، وأصبحت هذه المراكز أداة لانتاج العديد من المشاريع الاستراتيجية الفاعلة. ولعل أهميتها تنبع من عدة اعتبارات: 1 إن الرأي الذي يأتي تحليلاً أو تعليقا علي قضية من القضايا يتم من خلال جهود فردية بحتة. وفي كثير منها ليس مدعوما بقوة المعلومة أو عمق الطرح. 2 تعمل مراكز الفكر علي التأثير في مجالين حيويين، هما: الرأي العام، والقرار السياسي أو الاستراتيجي. فالرأي العام يتأثر كثيراً من خلال وسائل الإعلام التي تعد أداة رئيسة من أدوات نشر الفكر البحثي. أما القرار السياسي أو الاستراتيجي فينبغي تقديم خيارات مدروسة للخروج بقرارات تخدم مصلحة الدولة والمجتمع. 3 إن مراكز الفكر تكاد تصل إلي تكريس وجودها كأحد أساسيات الحياة الناجحة المتسمة بالمهنية المبتعدة عن الغوغائية في التفكير والعبثية في التنفيذ، والمبالغة في تصوير وتوقع الثمار والنتائج وعلي ذلك فإنها غدت كالماء والهواء لمؤسسات صنع القرار. ويعود استخدام مصطلح مراكز الفكر إلي الفترة التي دارت فيها الحرب العالمية الثانية، وذلك للتعبير عن الغرف الآمنة التي يتناقش فيها كل من المخططين العسكريين وعلماء الدفاع، وبعد هذه الفترة أي أثناء الحرب الباردة في الخمسينيات والستينيات بدأت تتكاثر مراكز الفكر في الولاياتالمتحدة وأوروبا والعالم. وعن مراكز الفكر الإسرائيلية يري حسان أن للشخصية الاسرائيلية دوراً أساسياً في هذه المراكز حيث كتب: قبل الحديث عن مراكز الفكر الاسرائيلية لابد من التعريف بالمركب الاساسي الفاعل داخل هذه المراكز، باعتبار أن شخصية الفرد وتميزه الثقافي والحضاري، بالاضافة لتميزه الثقافي، ينعكس بشكل أو بآخر علي المكان الذي يعمل فيه ويسعي لتطويره. الشخصية الفردية الإسرائيلية هي شخصية ديناميكية وبنيوية تعتمد في تثبيت مواقفها مركبين أساسيين وهما: المعرفة والقوة. أما المعرفة المكونة والمحددة للسلوك عند الفرد الاسرائيلي فمنبعها البيت الاسرائيلي أو العائلة. هذا الوسيط الاجتماعي الاساسي الذي هو عبارة عن خليط مركب من القيم والمفاهيم الدينية والتاريخية والتي بمجملها تدعو إلي الاعتزاز بالانتماء للشعب اليهودي كهوية جماعية تعتمد علي عناصر من الدين والتراث اليهودي من جهة ومن جهة أخري تدعو إلي الاستقلالية التامة للشخص واعتماده علي ذاته كفرد وكمجموعة. ومن حيث تنوعها فيكون وفقاً إلي طبيعتها، وإلي المساحة العلمية التي تتعامل معها، حيث توجد هناك مراكز فكر صناعية وتكنولوجية أو زراعية أو تربوية. ويمكن أن نقسم مراكز الفكر إلي مراكز متخصصة لحقل علمي واحد كمراكز فكر الطاقة أو الليزر، أو تكون مراكز فكر متنوعة التخصص، كمراكز فكر بحوث التاريخ، أو مراكز الفكر الاقتصادية لمختلف أشكالها، أو مراكز الفكر الاجتماعية. إن عمل هذه الخزانات يمكن أن يكون محصوراً في إطار منطقة جغرافية معينة أو يمكن أن يمتد ليعبر الحدود الإقليمية. وقد اهتمت الدول الصناعية بالفرع الأخير وذلك لنقل آخر المستجدات في الحقل العلمي، وللحديث بقية..