بداية فيما يخص الحديث عن لائحة انتخاب بابا للأقباط لابد من ضبط بعض التعبيرات أولاً حتي تكون بعض الأمور واضحة. يتردد علي لسان البابا هذه الأيام حديث يقصد به عدم تدخل الإعلام فيما يخص الكنيسة معتبراً أن هناك أسراراً لا يجب لأحد الاطلاع عليها. هنا نقول إن تدخل الإعلام بالرغم من بعض السلبيات في الطرح ولوجود كثير من التجاوزات في معالجة العلاقة الإسلامية المسيحية. ولكن دور الإعلام وتدخله فيما يخص الكنيسة والأقباط فهذا أمر طبيعي وذلك لأن البابا شخصياً يفتخر بأنه كان إعلامياً وعضواً في نقابة الصحفيين. ولأنه يحب جداً ذلك الظهور الإعلامي سواء المقروء أو المشاهد والأدلة علي ذلك لا تحصي. كما أن البابا خاصة بعد عودته مرة أخري من الدير عام 1985 هو الذي فرض وجوده إعلامياً وهو وحده الذي طرح كل ما يخص الكنيسة علي الإعلام والوثائق موجودة ولا تكذب. والأهم أن ثورة الاتصال والفضائيات الآن لا تترك مجالاً لا تتدخل فيه ولا شيئاً لا تطرحه ووجود البابا في قناتيه الفضائيتين علي مدار الساعة خير دليل.. وأهم الأهم أن المصريين المسيحيين هم جزء من هذا الوطن لا يجب الصمت تجاه قضاياه واهتماماته.. الغريب أنهم يشكون من المحاصرة، ما المصطلح الآخر وهو العلمانيون. وهذا المصطلح يعني ببساطة أنهم المسيحيون من غير رجال الدين. أي كل مسيحي يعتقد في العقيدة القبطية الارثوذكسية وينتمي للكنيسة القبطية ومن غير رجال الدين فهو علماني. وبهذا التعريف لا يجب ولا أحد يدعي أن العلمانيون هم خدام مدارس الأحد والشمامسة ومدام الكنيسة المنظمين في الخدمات المختلفة وحدهم هم العلمانيين. وأيضاً ليس هم هؤلاء المجموعة التي تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة والتي يطلقون علي أنفسهم جبهة العلمانيون لا هؤلاء ولا أولئك هم فقط العلمانيين. ولكن العلمانيين هم كل أبناء الكنيسة من الملايين من غير رجال الدين. ولا يجب أن يدعي أحد أن اجتماع بعض هؤلاء الشمامسة والخدام تحت مظلة معروفة ومسبقة ولا مؤتمرات تلك الجبهة التي لا نعلم جبهة ضد من هم من يمثلون كل آراء أبناء الكنيسة من العلمانيين. أما فيما يخص تصريحات قداسة البابا في بعض الاجتماعات حول تعديل لائحة سنة 57. فليسمح لنا قداسته بمناقشة بعض الأفكار والطروحات التي يعلنها حول تلك اللائحة. وذلك لأنها لا تخص المجمع المقدس فقط حيث إن المجمع هو الجهة الروحية والرسمية للكنيسة أو لأنها لا تخص المجلس الملي فقط حيث أن تقصير المجمع والمجلس الملي في مناقشة القضايا المهمة مثل تلك اللائحة فقط فهذا يعود إلي ذلك المزن الذي انتج الخط الهمايوني الذي أعطي حقوقاً لغير المسلمين في إطار طائفي يستعر مع ذلك الزمان الذي كان يعتمد علي نظام الطوائف. وهذا يتناقض كلياً مع ذلك العصر الذي نعيشه الذي يحدد العلاقة بين الدولة وبين كل مواطنيها دون تحديد هوية دينية وعلي أساس المواطنة وليس الطائفية) فمن حيث الواقع والمتغيرات والدستور يصبح من حق كل مواطن قبطي ارثوذكسي أن يناقش ويشارك ويدلي برأيه في كل ما يخص الكنيسة وذلك وبالإضافة لذلك فقوانين الكنيسة تحدد دور الشعب أي العلمانيين في إدارة الكنيسة. ومن المعروف أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين وليست هي رجال الدين فقط. النقطة الثانية هي توسيع دائرة الناخبين لموقع البطريرك. فإن طرح قداسة البابا وتلويحه بالنظام الكاثوليكي نقول هنا إن الآلية في كنيستنا تختلف عن الآلية الكاثوليكية. لأن الاسقف والبابا في الحالة الكاثوليكية ليس مؤبداً في موقعه فيمكن عزله أو اراحته عند المرض أو العجز وهذا لا يوجد لدينا كما أن اختيار الشعب للرعاة فهذا مبدأ انجيلي جاء في أعمال الرسل انتم تختارون ونحن نقيم ومبدأ الاختيار دائماً يفخر به البابا فلماذا لا يفعل هذا المبدأ؟ فهل يتم الآن واقعيا عند رسامة الأسقف أخذ رأي الشعب أن يتم الأمر بناء علي اختيار البابا؟ وإذا أخذنا بآلية اختيار البابا من المجمع المقدس فقط، فهل يقوم الشعب باختيار بل بانتخاب الأساقفة وبالتالي يقومون هم باختيار البابا؟ وإذا كان هذا لا يتم لا في اختيار الأساقفة عمليا وواقعيا وتريدون ألا يتم اختيار البابا أيضًا عن طريق الشعب، فكيف نطبق مبدأ انتم تختارون وهو مبدأ إنجيلي؟ أما موضوع القرعة الهيكلية مع التلويج للشعب واستغلال عاطفته الدينية بأن القرعة جاءت بالبابا كيرلس والبابا شنودة وهذا فيه ابتزاز صريح ومع ذلك فلم تقرر ولم تطبق القرعة قبل ذلك، فلماذا اعتبار تلك القرعة هي اختيار من الله. (وفي هذا استغلال العاطفة علي حساب العقل). وإذا كان كذلك وحتي نتأكد من أن الله يرضي عن أحد الثلاثة المطروحة أسماؤهم في تلك القرعة. فهل عند القرعة لا يظهر أحد الثلاثة بالقطع؟ ولماذا لا تكون هناك ورقة رابعة (حسب الأنبا أغريغوريوس) فمن الجائز أن الله لا يرضي عن هؤلاء الثلاثة وكيف تتسق القرعة مع العملية الانتخابية وما جدوي الانتخاب (الاختيار) مع تلك القرعة أليس هذا تسطيحًا للوعي لا يليق مع ذلك الموقع؟ ولماذا تم طرح الموضوع من البابا وبهذه الطريقة والتي قصد منها تجييش الشعب وراء وجهة نظره وتسخيرهم لما يريد، فهل هذه الطريقة تليق بقداسة البابا وتصلح لكي نربي شعبًا يعتمد علي الفكر ويحترم العقل؟ أليست هذه الطريقة هي التي انتقدتها يا قداسة البابا عندما قلت أن إشراك الشعب في الاختيار يمكن أن يجعل أحداً يلعب بهذ الشعب. أليس ما تفعله هو لعب بمشاعر هذا الشعب الذي يحبك والذي يجب أن تقابل حبه بتربية روحية ودينية تجعله شعبًا فاهمًا واعيا وليس شعبًا منساقًا وراء تلك العاطفة الدينية؟ وأخيرًا إذا كانت اللائحة لا علاقة بقداستك لها حيث إنها للقادم بعدك فلماذا هذا التمسك بالذي كنت ترفضه قبل ذلك؟ ولماذا لا يقتصر الترشيح علي راهب دون الأساقفة حتي لا ينتقل إلي البابا الجديد تلك الاستقطابات والمحاور التي نراها الآن في الكنيسة والمجمع؟ حفظ الله كنيسته وأرشدنا جميعًا للصواب لأنه ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.