يعتبر الموسم المسرحي الشتوي الحالي من أصعب المواسم التي مرت علي المسرح المصري من حيث الظروف العامة التي تشهد أنباءً - لم تتأكد بعد - عن نية وزارة المالية تقليص ميزانية الإنتاج المسرحي لفرق مسرح الدولة ورفع أسعار تذاكر المسرح، التي تشهد أيضًا أجواء الرعب من أنفلونزا الخنازير وفوبيا الأماكن المغلقة التي أصابت الناس مع التحذيرات المستمرة من اشتداد الفيروس خلال أشهر الشتاء مما يجعل الجمهور يكتفي بالضرورات الملحة، مع الحذر، كإرسال التلاميذ إلي المدارس أو ارتياد التجمعات المزدحمة اضطرارًا مثل المحلات ووسائل النقل، بينما يصبح الذهاب إلي المسارح ودور السينما نوعًا من التزيد والمغامرة غير الآمنة. والحق أن علاقة الجمهور بالمسرح مضطربة منذ عدة مواسم، وإن قدم الموسم الحالي أسبابًا أكثر للاضطراب، حيث لم يشهد الإنتاج المسرحي في مجمله خلال الفترة الماضية إقبالاً جماهيريًا عامًا وإنما اقتصر الالتفاف الجماهيري الملحوظ علي عدد محدود من العروض لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة خلال عدة سنوات. والحديث عن الجمهور والمسرح يقودنا إلي ثلاثة محاور تلعب دورًا أساسيًا، سلبًا أو إيجابًا، في التأثير علي حركة الإقبال الجماهيري علي المسرح، أول هذه المحاور يتعلق بالمنتج أو المصنف المسرحي الذي يتم إنتاجه، والمسئول هنا هم المسرحيون أنفسهم وفرقهم المسرحية والبداية تكون من دراسة المسرحيين للعروض التي شهدت إقبالاً جماهيريًا كبيرًا والوقوف علي أسبابه ودوافعه، مع ملاحظة أنها لم تعد تقتصر علي وجود نجوم الشباك داخل العرض المسرحي، بدليل نجاح عروض شبابية في جذب الجمهور.. وفي تصوري أن النجاح يبدأ من اختيار الموضوع الذي يجب أن يمس شرائح محددة من الجمهور ويلبي احتياجا لديها، فالفنان المسرحي ليس موظفًا عليه أن يقدم عروضًا بصفة دورية وظيفية، وإنما هو مبدع يحمل داخله قضايا فكرية وجمالية تتصل بالواقع المعاش وشروطه وتتلاقي مع حركة مجتمعية عامة.. وبالتالي يجب أن تختفي العروض ذات الدوافع الوظيفية لتحل محلها عروض تتمتع بالصلة الحقيقية مع متفرج يعيش سياقًا عامًا هو نفسه السياق الذي يعيشه المبدع، مع ضرورة الدخول إلي دوائر الابتكار والتجديد والتمرد علي القوالب القديمة والمكررة واستخدام تقنيات معاصرة ولن يتحقق هذا إلا إذا تغيرت النظرة إلي فكرة تحديث دور العرض المسرحية، فهذا التحديث محدود في تجديد المباني وإعادة طلاء الحوائط وتغيير الكراسي بينما تحتاج مسارحنا إلي تحديث تقنيات خشبات المسارح وتطويرها بميكانيزمات جديدة والاستعانة بأحدث أجهزة الإضاءة والصوت العصرية وأجهزة المالتي ميديا لأن هذا التحديث سينعكس علي العرض المسرحي وسيمنحه أفقًا تشكيليًا جماليًا جديدًا يساعد علي تميز وجدة العرض المسرحي. أما المحور الثاني فهو الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي، فهذا الاهتمام يقل تدريجيًا في بعض المدارس والجامعات واختفي في معظمها، إما بفعل عقليات أصولية ترفض المسرح والفن في عمومه، وإما لصالح ضيق العملية التعليمية والتكدس الطلابي الذي حول المسارح المدرسية إلي فصول أو معامل والنتيجة غياب أجيال عاشقة ومتذوقة لفنون المسرح. أما المحور الثالث فهو إعلامي يتجلي في غياب المسرح عن شاشات التليفزيون بقنواته المختلفة. ورصد بسيط للخريطة الإعلامية يضعنا أمام حقيقتين: الأولي أنه منذ ما يقرب من ربع قرن والتليفزيون يعرض عددًا محدودًا من المسرحيات الكوميدية ويعيدها بانتظام، ورغم كل الاحترام لهذه المسرحيات ولفنانيها إلا أنها تبقي نوعًا من المسرح وليست كل المسرح، والإلحاح في عرضها يعد بمثابة تسييد لنوع أو نمط معين من المسرح لدي المتلقي مما يجعله يستغرب أشكال المسرح المختلفة عن هذا النمط التليفزيوني السائد وقد يدفعه هذا لرفض الأشكال الأخري، إن عرض التليفزيون لمسرحيات جديدة ومتنوعة تمثل مناهج وأشكالاً مختلفة في مواعيد مناسبة من شأنه أن يتسع برقعة محبي ومتذوقي المسرح.. والحقيقة الثانية: هي تقليص البرامج التي تتعرض للمسرح بعرض النشاط والمتابعة والنقد والتحليل، ولو عثرنا علي برنامج عن المسرح فسنجده يذاع عند الفجر! بدون تطوير الإنتاج المسرحي نفسه، واهتمام الإعلام بالمسرح، وتأصيل الفنون المسرحية في مراحل التعليم المختلفة يصبح ازدهار المسرح أمرًا صعبًا وتظل علاقة المسرح بالجمهور علاقة مضطربة.