تابعت مؤتمر الحزب باهتمام نظراً لأنه الحزب الذي تنبثق منه الحكومة وترتبط مصالح الناس بما يقرره و ينفذه من سياسات في كافة أوجه الحياة. سبب آخر يدعو إلي الإهتمام بمؤتمر الحزب الحاكم، وهو أنه استمر في الحكم طوال ثلاثة عقود تقريباً، و لا تزال أمامه فرصة الإستمرار نظراً لخلو الساحة السياسية الحزبية من المنافسين الذين يمكن أن يزيحوا الحزب الحاكم في إنتخابات ديمقراطية و يتولون المسئولية بدلاً منه. قد لا يقبل بعض الناس بمنطق إستمرار الحزب الحاكم و قد يرونه نوعاً من الإلتفاف حول النظام الديمقراطي التعددي و لكن التعددية في النظام الديمقراطي قائمة و مبنية علي وجود الأحزاب المتكافئة القادرة علي التنافس بما لديها من كوادر و موارد تحترم عقل الناس، و ظروف المجتمع، و لا تخلط بين مناهضة نظام الحكم و بين المعارضة في إطار النظام القائم. النظام القائم ليس خالداً، و ليس هو الأفضل مطلقاً، و لكن المنطق العقلي و الفطرة السليمة يقولان بحتمية إستمراره لحين توافر البديل المناسب القوي الذي لا يحمل البلاد إلي طريق الفوضي و عدم الإستقرار. سمعت و قرأت الكثير مما يتردد حول التندر بموضوع الإستقرار واتخاذه مادة للسخرية في منتديات بعض الناس، فهناك جانب منهم لا يرون في قيمة الإستقرار الذي يتردد بإستمرار كهدف من أهداف قادة الحزب الحاكم إلا محاولة لفرض الجمود و تجنب التغيير، أو ما يعني إتخاذ الإستقرار ذريعة للبقاء إلي ما لا نهاية، و لكن من يملك البقاء إلي ما لا نهاية ؟! الإستقرار نعمة كبري لا يشعر بها من يعيشه، و لكنها مثل الصحة التي قيل عنها دائماً أنها تاج علي رءوس الأصحاء لا يراها سوي المرضي الذين يفتقرون إليه و يتطلعون إلي الحصول عليه. يخلط البعض بين الاستقرار كهدف قومي، وبين الاستمرار في الحكم كهدف حزبي. الاستقرار هدف يتعلق بأمن المجتمع وسلامته وصمام حيوي من الخطورة بمكان التلاعب به أو فيه. أما استمرار حزب في الحكم فهو مصلحة مجموعة لها رؤية عامة قد تستمر اذا قبلها المجتمع ووافق علي برامجها، وقد لا تستمر اذا تغيرت المعطيات والظروف. لا أريد أن أستطرد طويلاً في موضوع الإستقرار لأن ذلك سيكون من باب تحصيل الحاصل، فالذين يتندرون علي الإستقرار يتمتعون به و يعيشون في ظله و لا يلحظون المجتمعات الأخري التي تعيش حالة من عدم الإستقرار السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي الذي لم تعتده بلادنا و لم يعتده شعبنا لذلك لا يمكن القول بأننا لكي نعرف قيمته لابد و أن نفقده. قال صديق إعتاد بإستمرار إنتقاد الحزب الحاكم و سياساته أنه لا يمكن قبول أي شيء من هذا الحزب لأنه إستمر في السلطة لنحو ثلاثين عاماً، و يخطط للبقاء إلي مالا نهاية. كانت حجته أن شرط الحياة الديمقراطية الصحيحة هو تداول السلطة، و ما دام تداول السلطة لم يحدث منذ ثلاثة عقود فإنه إذن لا توجد ديمقراطية و علي الحزب الحاكم أن يقبل بتداول السلطة حتي يصبح حزباً مقبولاً و له شعبية. الحديث في موضوع تداول السلطة كشرط للقبول الشعبي للنظام ينطوي علي مغالطة شديدة، فالقبول الشعبي من وجهة نظر هؤلاء القوم الذين نكن لهم التقدير و الإحترام رغم مخالفتنا لما يذهبون إليه، هو في الواقع قبولهم الشخصي، و رأيهم الشخصي، و ليس للأمر علاقة بالقطاعات الشعبية التي تكافح صباح مساء للحصول علي رزقها و تأمين مستقبل أبنائها. قليل من الناس من يهتم بما يقوله السادة من النخب التي تظهر بين الحين و الآخر في البرامج لتتحفنا بآراء ووجهات نظر تعتمد علي فرضيات ليست محل إتفاق، و لكنها تبني علي تلك الفرضيات حزمة من الإجراءات والتنظيمات تزعم أنها تحقق مصلحة الشعب. حين نفترض أن البلد مقبل علي فوضي أو ان هناك فراغا في السلطة ثم نبني علي تلك الفرضيات وجهات نظر في كيفية تجاوز الفوضي أو ملء الفراغ فإن ذلك يعتبر بمثابة تلاعب بعقول الناس البسطاء، و إحتقار لعقول المتخصصين في الشأن العام. إذا إقتربنا أكثر من الكلام البراق شديد اللمعان عن الفوضي و الفراغ.. فإنه لا يصمد بل يتشقق علي الفور.. فليست هناك أية مظاهر للفوضي أو الفراغ في السلطة. أما الفوضي - كفانا الله شرها - فهي إنهيار في النظام. كأن تعمل و لا تقبض مرتبك، أو لا تستطيع إستخدام المرافق العامة لعجز النظام عن تشغيلها، أو لا تستطيع أن تقبض معاشك أو لا تحصل علي أموالك المودعة بالنظام المصرفي أو أشياء من هذا القبيل. السؤال هل يوجد ذلك في بلادنا؟ الجواب... لأ، اذن لا فوضي... إذن كل ما بني علي إن هنا فيه فوضي يكون باطلاً. ماذا لدينا إذن... لدينا إنحرافات في الأداء... أو قصور فيه لدينا عدم تحديد للمسئولية في بعض القطاعات، أي أن النظام الإداري غير محكم وربما لا يدار بطريقة صحيحة، و ذلك يختلف عن الفوضي المزعومة التي تستوجب إتخاذ إجراءات خاصة للانقاذ، ولكن الفساد الإداري الذي تعاني منه بعض القطاعات لابد أن يكون محل مناقشة ومساءلة لتصحيح الأوضاع لصالح المواطن. النقطة الأخري... الحديث عن الفراغ في السلطة وعن حتمية مناقشة مستقبل الحكم علي وجه الإستعجال وإدخال البعض للمنظمات الدولية والأمم المتحدة في الموضوع كمراقبين، ولأولئك نقول أننا لا نحن ولا غيرنا لاحظ أن بلادنا تعيش أي نوع من الحرب الأهلية... ولا يوجد إنهيار في مؤسساتها السياسية أو الدستورية لنقول أن هنا فيه فراغ. الحكومة قائمة، و البرلمان بغرفتيه قائم، والأحزاب قائمة، بعضها ليس فعالاً وتلك مشكلته وليست مشكلة النظام العام... بعضها يطور نفسه كالحزب الحاكم و هذه ميزة تحسب له ولا تحسب عليه. لا مجال إذن لتخطي الواقع العملي للمطالبة بإجراءات لا تناسب ظروف بلادنا الحالية.