المثير في هذا الكتاب الفريد، ليس فقط كشفه عن "السيم" أو الكم الهائل من المصطلحات والتعبيرات واللغة السرية الخاصة التي تستخدمها فئة المجرمين والحرامية والنشالين، بل أيضا لجوء مؤلفه علي عيسي للانخراط في صفوف هؤلاء ومعايشتهم، يقول في مقدمة كتابه "اللغات السرية" الصادر أواخر الثمانينيات: "لم أجد مفرا من دخول السجن"، يقصد سجن الحضرة بالإسكندرية، ومكث هناك أربعين يوما كاملة، وقابل هناك مسجلين خطر، ويوضح الباحث ما هو أغرب، أن أغلب المصطلحات الخاصة بالنشالين والنصابين، وحتي المنجدين والعوالم، لها أصول فارسية وتركية وهندية ويونانية، وأن هذه اللغات تنتشر بكثرة في السعودية مع مجموعات النصابين التي تتخفي في مواسم الحج والعمرة، وكذلك في العراق والأردن، لأن النشالين يذهبون إلي هناك في مجموعات للنشل. ويشير إلي أن جذور الكلام الغامض والخفي عموما، ترجع إلي الحروف المقطعية في بعض سور القرآن، مثل "الم" وغيرها، وراجعة أيضا إلي الكلمات الأجنبية التي كثيرا ما يستخدمها السحرة والمنجمون والزنادقة، وأخيرا يكتشف قارئ اليوم لهذا الكتاب أن كثيرا من لغات السارقين والمتسولين مشتقة من لغات الشباب اليوم "احلق، ونفّض، وطير انت". رغم طرافة الموضوع، إلا أنه لم يخل من صعوبة ومجازفة وإرهاق، يقول المؤلف: "نشالة قالت لي: إذا أعطيتك لغتي السرية فبماذا أنشل؟". من مصطلحات "النشالين" التي يوردها الكتاب، نعت الشرطة ب"الكباري"، ويطلق علي المخبر في لغة حرامي المخازن السرية "خشب"، والطفاشة "عصاية"، وعندما يحس حرامي المخازن بأي قلق يصيح "بلال" بمعني الشرطة قادمة. أما "نشالين" البحر والموانئ والمطارات فيحذرون زملاءهم ب"هه يا علي"، و"نطير" بمعني نجري بسرعة، أما لو استخدم إبرة مخدرة فيقول عنها "مفك"، و"اشلح العم اللي في خذتك" بمعني ابعد الزبون الذي بجانبك، أما من أطرف عبارات النصابين "لهّست الشروت علي الكابوني وأكل" بمعني الزبون أكل الطعم.