التطورات السياسية علي الساحة الإيرانية حول سينماتها من محلية لعالمية، ومن أبرز هذه الأمثلة: فيلم "لا أحد يعرف بالقطط الفارسية" إخراج "بهمان قوبادي"، والذي حصل علي جائزتين في الدورة الثالثة من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي فالفيلم يقدم فيه مخرجه "بهمان قوبادي" المولود في بلدة "بانة" في كردستان إيران ودرس السينما في طهران - رؤيته السينمائية الرافضة للنظام القمعي الذي يمارس ضد الإيرانيين، من خلال تناوله واقع الشباب الإيراني ومحاولتهم التمرد علي منع الموسيقي في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، حيث تقوم أحداث الفيلم علي قصة واقعية لشابين يهويان الموسيقي، وهو ما يؤدي إلي دخولهما السجن، وعقب خروجهما يقرران السفر لإحياء حفلات في الخارج ويصممان علي تكوين فرقة ويقرران إحياء حفلة سرية في زريبة حيوانات ويكشف "قوبادي" في فيلمه الروائي الطويل الرابع عالم موسيقي الشباب في طهران ومعاناة صانعيه في فن ينمو وينتشر في شكل سري وفي الأماكن المنعزلة لعدم جذب انتباه الشرطة. فالمنع لم ينجح في القضاء علي وجود الموسيقي أو تعطش الشباب العاملين في مجالها للتعبير عن أنفسهم. ويلتقط "بهمان" في فيلمه تفاصيل الحياة الرتيبة والمتناقضة والمتمردة في العاصمة طهران متمثلة في مبانيها وأرصفة شوارعها المكدسة ببشر اجهضت الحكومة الإيرانية أحلامهم، وفي الفيلم يقدم لنا مخرجه صورة لواقع الشعب الإيراني والذي يتعايش وسط فقر وفساد وتناقض ديني واجتماعي وسياسي ويعاني من اليأس والبطالة، فقد وصف أحد أبطال الفيلم أنفسهم في أغنية بالنصف الأخير من الفيلم بأنهم "حثالة" وأن حكومتهم لا تعيرهم أي اهتمام، ويركزون طاقتهم السياسية والاقتصادية في الترويج لأفكارهم علي حساب الشعب المنتهك إنسانياً.. ويوضح "قوبادي" - في حديثه معنا أنه مثلما هو الغناء محرم وممنوع خاصة علي النساء في إيران، فإنه قام بتصوير فيلمه في السر وبدون تصاريح مثلما اعتاد في أفلامه السابقة، ويأتي ذلك علي غرار الحفلات الموسيقية الممنوعة في إيران، والنتيجة - كما يقول بهمان - فقد أصبحت الموسيقي شكلاً للتعبير عن اعتراض الشباب علي كل ما يمنع من الفن والموسيقي واستمرارهم في مقاومة قرارات الحكومة وما يتعرضون له من كبت سياسي واجتماعي.. "بهمان" اعتبر فيلمه مجرد تعليق علي ما يحدث في إيران وكردستان، ومحاولة لاسماع صوت أصدقائه من الموسيقيين للعالم والمضطرين لممارسة موسيقاهم في السر لمجرد أنها محرمة ومرفوضة، ويشير "قوبادي" إلي إنه كردي، لكن كيانه وهويته إيرانية ويري أن الحكومة الإيرانية لا تسلط الضوء علي الأشياء المهمة، ويقول أيضاً: إن الوضع السياسي الراهن في إيران وما نواجهه من وجود الرقابات المتشددة علي الفن والسينما، قد خلق نوعًا من الحواجز والذي بات يحول دون التطوير، وباتت الرقابة تحد من حرية الإبداع، لكن هذا ساعد علي افراز تجارب سينمائية جديدة ومناهضة لكل ما يحدث في إيران وربما أدي ذلك في رغبتنا في كسر المزيد من الجدران الرقابية الصلبة. ويشير "قوبادي" إلي أن الحكومة في إيران رفضت اعطاءهم دعما للأفلام، وأرادوا أن يقتلونا لمنع تصوير الفيلم، وهو ما اضطره إلي صناعة فيلم بعيداً عن أعين الرقابة، ويقول: الحكومة الإيرانية علمتنا كيف نكذب، والنتيجة أنني رفضت اعطاءهم سيناريو الفيلم الأصلي، واضطررت أن أعطيهم نصًا آخر عن الإسلام والحياة الدينية في طهرانوإيران، وبالتالي كنا نحصل علي الموافقة لتصوير الفيلم لكن بموضوع آخر، وأؤكد لك أن فيلم "لا أحد يعرف بالقطط الفارسية" منع من عرضه في دور العرض السينمائية في إيران، وأنا مازلت ممنوعًا من الدخول مدينة طهران ومطاردًا من الحكومة منذ العرض الأول للفيلم في مهرجان كان، فمازلت أعيش متنقلاً بين نيويورك وألمانيا وفرنسا، ووصف "قوبادي" وزارة الثقافة الإيرانية بأنها قاعدة عسكرية ويتعاملون معهم كجنود، وقال إنه من الأجدر أن تقوم وزارة الثقافة في إيران بدور الأب الروحي للفنانين والسينمائيين يمنحوهم حرية في صناعة أفلامهم.. ويؤكد "بهمان" أن الحكومة الإيرانية تخصص أرقاماً خيالية في شراء وصناعة المعدات العسكرية، وتترك الشعب الإيراني يعاني من الفقر والتسول والمرض، كما أن الحكومة ووزارة الثقافة جعلتهم أكثر ابتكاراً ونجحت في ان يخرجوا من الإطار الرقابي الذي وضعته لهم.. ويعتبر "قوبادي" نفسه واحداً من كثيرين ممن يثيرون علي النظام في إيران، الذي وصفه بكونه نظامًا طاغيا، لا يحمل أية مبادئ ولا يعرف شيئًا عن حقوق الإنسان.