"المنشاوي" يشارك في المنتدى الإقليمي الأول للتعليم القانوني العيادي في أسيوط    نائب رئيس الوزراء: معرض TransMEA شهد مشاركة دولية واسعة وحضور جماهيرى كبير    وكيل زراعة كفر الشيخ: صرف الأسمدة بالجمعيات الزراعية دون ربطها بمستلزمات الإنتاج    ستاندرد بنك يعلن الافتتاح الرسمى لمكتبه التمثيلى فى مصر    الإنتربول يكرم الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بوسام الطبقة الخاصة    الأرصاد تحذر: حالة عدم استقرار وأمطار وبرق ورعد بعدة مناطق واحتمالات تساقط ثلوج    ختام ورشة من الحكاية إلى المسرحية ضمن مهرجان القاهرة لمسرح الطفل    وزير الاستثمار: مصر ضمن أفضل 50 اقتصاداً فى العالم من حيث الأداء والاستقرار    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    وزارة العمل: 157 فرصة عمل جديدة بمحافظة الجيزة    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    خبر في الجول – الأهلي يقيد 6 لاعبين شباب في القائمة الإفريقية    موعد مباراة مصر وأوزبكستان.. والقنوات الناقلة    مبابي: سعداء بعودة كانتي للمنتخب.. والعديد من الفرق ترغب في ضم أوباميكانو    موعد نهائي كأس السوبر المصري لكرة اليد بين الأهلي وسموحة بالإمارات    «مؤشرات أولية».. نتائج الدوائر الانتخابية لمقاعد مجلس النواب 2025 في قنا    بعد شكوى أولياء الأمور.. قرار هام من وزير التعليم ضد مدرسة «نيو كابيتال» الخاصة    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بنسبة مشاركة تجاوزت 55%    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    أثناء عمله.. مصرع عامل نظافة أسفل عجلات مقطورة بمركز الشهداء بالمنوفية    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    الرقابة المالية تعلن السماح لشركات تأمين الحياة بالاستثمار المباشر في الذهب    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    نتائج أولية في انتخابات النواب بالمنيا.. الإعادة بين 6 مرشحين في مركز ملوي    اليوم.. محاكمة 6 متهمين ب "داعش أكتوبر"    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل هو مولد وصاحبه غايب؟!

يشغلني منذ فترة طويلة الصخب والضجيج المجتمعي المستمر المستعر المتصاعد، الذي ينفجر بين حين وآخر حول قضية ما أو موضوع ما، خبر صحفي ينشر في إحدي الجرائد، فقرة تذاع في أحد البرامج في إحدي الفضائيات، تصريح يقوله هذا أو ذاك. فإذا بالصخب والضجيج المجتمعي ينفجر بشكل رهيب. كل الصحفيين أو معظمهم يتكلمون في ذات الموضوع. بعضهم ينفي وبعضهم يؤكد. بعضهم يدعم وبعضهم يعارض. ويفتح سوق عكاظ وحديقة "الهايدبارك" الكل يتحدث ويتحدث. كلام متناقض متضاد. وفي النهاية لا يستفيد المجتمع أي فائدة من ذلك الصخب ولا تعرف الحقيقة ولا يعرف الصواب ولا نعرف "مين صح ومين غلط" وكان الهدف الحقيقي من تلك الضجة والصخب والضجيج هو إلهاء الناس عن أي شيء جاد أو حقيقي أو له معني أو له قيمة. كأن الهدف الحقيقي من تلك الضجة هو إشاعة الفوضي في المجتمع فيكفر الناس بكل شيء ويكرهون كل شيء ويفقدون انتماءهم لكل شيء وليذهب الوطن للجحيم ولتحيا الفوضي! ضجيج الهايدبارك
أي صحفي في أي جريدة يملك اليوم لو أراد أن يقلب المجتمع رأسا علي عقب. يملك أن يقول أي شيء صحيح أو كاذب. وهنا تبدأ المعارك المتتالية. الصحفي ينشر خبرًا. يقول البعض.. هذا كاذب. يقول المعنيون بالخبر إنهم تضرروا منه لأنه يسيء إليهم. ينخرط المجتمع في مناقشات سفسطائية حول هل من حق الصحفي النشر هل من حق المشار إليه في الخبر التضرر. ما هي العلاقة بين حرية الصحافة وحقوق المواطنين؟.. ثم تثار بالتبعية مسألة حبس الصحفيين. ولا ننسي في الزحمة أن نتكلم عن الاعتداء علي حرية الصحافة - فأي صحفي من حقه أن يقول ما بدا له - وإذا تضررنا من قوله فلنشكو لله وهو المنتقم الجبار. وإذا لجأنا للقضاء إذن نحن معادون للحريات ولحقوق الإنسان ولحق الصحفي في النشر ونجد ألف صحفي يهاجم سلوك المجني عليه ونجد ألف محام متطوع للمرافعة والأحاديث التليفزيونية يدافع عن حرية الصحافة وعن حق الصحفي في النشر وينسي ويتناسي القانون وجرائم السب والقذف وحق المجني عليه في التعويض والقصاص ولا تقف المعركة المجتمعية عند هذا الحد بل تتسع لتشمل الحكم القضائي.
حق استباحة الآخرين
فإذا جاء الحكم مؤيدا حق الصحفي في النشر إذن "عاش القضاء الشريف" و"يحيا القضاة الشرفاء" وليمت المجني عليه بغيظه و"إن شالله يولع"!!! وإذا أدان الحكم الصحفي عما نشره باعتباره سبا وقذفا. اتسعت المعركة لمهاجمة القوانين سيئة السمعة المقيدة للحريات وكانت الحريات تفترض حق استباحة الآخرين. بل وتمتد لمهاجمة القضاء الذي يضم من بين رجاله هؤلاء القضاة الذين أصدروا الحكم باعتبار أن "السلطة التنفيذية تتدخل في استقلال القضاء" هكذا يقودنا الخبر الصحفي للحديث عن حرية الصحافة وأيضًا استقلال القضاء وتتسع المعركة ليدخل فيها بعض رجال القضاء الجالسين فوق المنصة يناقشون الحكم ويهاجمونه ويعتبرونه حالة نموذجية تثبت انتقاداتهم لما يحدث في القضاء من تدخلات من قبل السلطة التنفيذية المعادية للحريات فإذا قيل لهم لا تتكلموا في السياسة قالوا هذه ليست سياسة هذا شأن عام وإذا قالوا لهم لا تنتقدوا الأحكام القضائية التي صدرت والتي نظم القانون طرق الطعن فيها وانتقادها قالوا نحن نناقش المبادئ العامة ولا نتطرق لتفاصيل الحكم. ويدخل المحامون في المعركة وتفتح محاكم خاصة علي صفحات الجرائد وفي البرامج التليفزيونية والفضائيات هذا الحكم صحيح هذا الحكم خاطئ ويقدم كل طرف أسانيده القانونية وينقسم الجمهور المتعطش للتسلية بين الفريقين بعضهم يؤمن بأسانيد الطرف الأول وبعضهم يرفض حجج الطرف الثاني ويزداد الصخب والضجيج والهوس وللأسف تفقد جميع القضايا والموضوعات معناها وقيمتها. فالجمهور قد تسلي قبل النوم ولم يخرج في النهاية بنتيجة واضحة أو رأي محدد. كله كلام في كلام وفوضي في فوضي وضجيج في ضجيج وتتوه الحدود بين الحرية والفوضي وبين مصلحة المجتمع في معرفة الحقيقة وحقوق الأفراد في عدم التشهير بهم وبين انشغال القضاة بالسياسة وبين إبداء الرأي كمواطن في الشأن العام وبين استقلال القضاء وبين استغلاله لمصلحة هذا التيار السياسي أو ذاك و......."أهو ولد وصاحبه غايب"!!!!!
واقعة الخضيري
وأقف هنا أمام - خلال الآونة الأخيرة عدة وقائع استوقفتني بشدة باعتبارها حالات نموذجية لما يثيرني ويثير مخاوفي علي الوطن ومواطنيه!!!!
الواقعة الأولي - استقالة السيد المستشار محمود الخضيري من منصبه بالقضاء قبل عدة شهور تقريبا من إحالته للمعاش!!! هذا في ذاته خبر عادي!!! أحد المستشارين الأجلاء بالهيئة القضائية استقال من عمله. خبر لا يقف أمامه أحد. ربما استقال لأسباب صحية. ربما استقال لنيته الترشيح لمجلس الشعب بما يستوجبه ذلك من ضرورة الاستقالة من عمله الذي يشترط انقطاع صلة رجاله بالسياسة. ربما زهد من عمله أو رغب في الراحة. ربما ربما.. ألف ربما.. جميعها تصلح لتفسير سلوك سيادته باعتباره سلوكا شخصيا خاصا لا يهم أي منا!!!! لكن السيد المستشار محمود الخضيري وقد أوشك علي إكمال السبعين عاما وبعد أن اقترب من الإحالة للمعاش أي قضي ما يقرب من خمسة وأربعين عاما أو يزيد أو يقل قليلا معتليا منصة القضاء لم يكتف بالاستقالة باعتبارها شأنا شخصيا بل صرح للصحف بتصريحات تفسر استقالته باعتبارها احتجاجا علي تغول السلطة التنفيذية في شأن القضاء وكأنه يقول للآخرين.
إنه اضطر للاستقالة احتجاجا علي ذلك رغم أنهلم يضمن خطاب استقالته أي عبارات بخلاف الاستقالة في ذاتها. هنا ينفجر الصخب والضجيج المجتمعي الرهيب حول تلك الاستقاله.
فريق يعتبره يقول الحقيقة المطلقة ويؤيده ويدافع عن موقفه المبدئي الهمام ويردد أقواله بشأن احباطاته القضائية باعتباره كان من أبطال وقادة فريق الاستقلال القضائي.
وفريق آخر اعتبره بموجب هذه الاستقالة إنما يعد نفسه لنزول المعترك السياسي بالترشيح في الانتخابات البرلمانية ويفسر كل الأسباب التي أوردها السيد المستشار في استقالته باعتبارها نوعا من مباشرة الخصومة السياسية المبكرة مع الحكومة اعدادا لمعركة الانتخابات. فريق ثالث اعتبر أن السيد المستشار "السابق" إنما استقال من عمله راغبا في ممارسة المحاماة وإنه وقبيل التوقيع علي الاستقالة كان قد أعد مكتبا فاخرا لممارسة المحاماة بالإسكندرية وفسر ذلك الفريق الثالث الصخب الذي أثاره السيد المستشار حول استقالته باعتباره نوعا من الترويج والتسويق والدعاية لعملة المهني الجديد.
مساس بهيبة القضاء
في نفس الوقت اعتبر الكثيرين من رجال القضاء ما قاله المستشار السابق مساسا بهيبة القضاء وطالبوه بالكف عن مثل تلك الأقوال التي تعد من وجة نظرهم إساءة للقضاء وعاش المجتمع صخبا وضجة وحوارات ومعارضين ومؤيدين ولقاءات تليفزيونية ومحاورات تليفزيونية ووجدت بعض الصحف ضالتها في ذلك الخبر كمدخل تارة لمهاجمة القضاء التابع حسب ادعاءاتهم وتارة لمهاجمة الإخوان المسلمين المحظورة وتارة ثالثة لمهاجمة الحكومة المستبدة وتوريث الحكم بالمرة بل وعقب أحد الأساتذة القانونيين معتبرا أن معركة حقيقية ستتفجر إذا ما اتهم المستشار السابق بإهانة القضاء لما في ذلك من مساس بحقه في التعبير عن رأيه بحرية كأن من حق السيد المستشار أن يقول ما بدا له بحرية وإن اعتبر غيره من المستشارين أقواله مساسا بهم وبالقضاء الذين يشرفون بالانتماء إليه وطالبوه بالصمت أو طالبوا مؤاخذته بالقانون الذي شرف بتطبيقه خمسة وأربعين عاما عدوا معتدين علي حقه في التعبير عن رأيه بحرية!!!!!!! صخب صخب!! كأن هذا المجتمع وصفوته ومثقفيه وسياسييه لا يجدون قضية يتحدثون فيها أو يتحدثون عنها وحين استقال السيد المستشار وجدوها فرصة سانحة ليقول كل وجهة نظرهم في أي شيء وكل شيء!!! ويكفر الناس بالقضاء الذي يهاجمه شيخ سابق من شيوخه ويكفر الناس بالحريات التي تبيح لمن يرغب أن يقول أي شيء أن يقوله وإذا اعترض البعض اعتبروا أعداء للحريات أعداء للديمقراطية. ويكفر الناس بالصحافة التي وجدت ضالتها "جنازة وتشبع فيها لطم" ويزداد الصخب والضجة ولتحيا الفوضي!!!!!
حبس الصحفيين وتستر الشرطة
الواقعة الثانية - حين نشرت إحدي الصحف خبرًا عن ضبط شبكة للشذوذ الجنسي وأشارت لأسماء بعض الفنانين باعتبارهم من ضمن تلك الشبكة. وحين قامت الدنيا ولم " تقعد" بسبب ذلك الخبر ولجوء ضحاياه للسيد النائب ضد الجريدة وأصحابها والصحفي باعتبارهم نشروا خبرا كاذبا عاريا من دليله أساء إليهم.
قامت الدنيا مرة ثانية و" لم تقعد" حديثا صاخبا عن حرية الصحافة وحق الصحفي في النشر وتذكر الصاخبون بمناسبة ذلك الأمر غضبهم الدائم من "حبس الصحفيين" فعادوا وكرروا احتجاجاتهم علي إمكانية "حبس الصحفيين" والقوانين سيئة السمعة المقيدة للحريات و"غني كل علي ليلاه" فبعضهم هاجم الشرطة وادعي دفع مبالغ رشوة رهيبة لإخفاء المحضر الذي ضبطت فيه شبكة الشذوذ فكانت فرصة أيضًا لمهاجمة الشرطة التي تتستر بالرشوة علي الشواذ.
وبدلا من أن يكون خبرا واحدًا كاذبًا مفبركًا بشأن شبكة الشذوذ يدعم بخبر ثانٍ كاذب بشأن فساد الشرطة وتواطئها مع تلك الشبكة.
وحين يحيل السيد النائب العام الجريدة والصحفي للمحاكمة بعد التيقن من الجهات المعنية بعدم صحة الواقعة التي تشكل الاتهامات الأخلاقية فيها حكما مدنيا بالإعدام علي أصحاب الشأن يسيء لسمعتهم ولأسرهم ويضيرهم. يزداد الصخب المجتمعي والبرامج التليفزيوينة وينقسم الجميع فرقاء متقاتلين حول صحة الخبر وحول تستر الشرطة وحول حرية الصحافة وحول إدانة حبس الصحفيين ولا يخمد الحريق. بل يزداد اشتعالا. فقبل الجلسة الأولي للمحاكمة الجنائية تنشر تصريحات نارية من المتهمين وعلي لسانهم تفيد وجود سي دي يثبت الواقعة ويتحدث المجتمع عن السي دي وهل مفبركة مصطنعة وينفي أصحاب الشأن صحتها ويتمسك المتهمون بها بل وتضيف بعض الصحف أن دفاع المتهمين سيطالب بإحالة المتهمين للكشف الطبي عليهم اثباتا للاتهامات التي نسبتها الجريدة إليهم. وينفعل البعض ويقول إن هذا تصرف غير لائق وتعسف غير مقبول فالمحاكمة الجنائية تدور حول خبر نشر بالصحيفة عاريا من دليله ومناط الإدانة من عدمه اثبات أو عدم اثبات صحة الخبر المزعوم وأن احالة المجني عليهم للكشف الطبي يشكل مزيدًا من التعسف ضدهم والتشهير بهم. وينفعل فريق آخر ويقرر أن الدفاع عن المتهمين يبيح لهم جميع الإجراءات التي تثبت خبرهم المزعوم ولو تطلب ذلك إجبار المجني عليهم وإحالتهم للكشف الطبي وتزداد المشاحنات والصراعات والصخب والضجيج وتنعقد المحاكمات التليفزيوينة قبل المحاكمة القانونية بعضهم يبرئ المتهمين وبعضهم يدينهم وينسي الجميع أصل الموضوع.....
كرة الثلج
خبر صحفي عار من دليله يسيء للمعني بالأمر ويمس شرفه وشرف أسرته وسمعتهم جميعا. لكن المجتمع المتشوق للصخب والضجة وخلط الأوراق وإشاعة الفوضي لا يقف عند حدود الأمر بل يتجاوزه ويناقش كل القضايا الكونية التي كان "يتلكك" من أجل مناقشتها ويكبر الموضوع ويكبر وتنحدر كرة الثلج وتكبر وتكبر ويزداد الصخب والضجيج ويكفر الناس بالصحف وما ينشر فيها ويكفروا بحرية الصحافة التي تسيء للناس ويكفرون بالشرطة التي تتواطأ مع المتهمين بالرشوة ويكفرون بالقانون الذي لن يمنحهم مهما منحهم ما يكفي لمحو الضرر الذي أصابهم وهم يعيشون وسط مجتمع للأسف يؤمن بأن "مافيش دخان من غير نار" والخبر الصحفي اطلق الدخان الكاذب فاشتعلت النار في المجتمع كله!!! ولتحيا الفوضي!!!!!!
نقاب شيخ الأزهر
الواقعة الثالثة - حين نشرت إحدي الصحف في صفحتها الأولي خبرا عن السيد شيخ الأزهر الذي كان يتفقد مدرسة من المدارس الأزهرية للاطمئنان علي الإجراءات الصحية بمناسبة الأنفلونزا الوبائية. وهي الزيارة التي أجبر فيها شيخ الأزهر إحدي التلميذات الصغيرات علي خلع النقاب حسبما نشر بالجريدة مصحوبا بادعاء نسب للسيد شيخ الأزهر باعتباره سخر من الفتاة مرتدية النقاب وقال لها "أُمال لو كنت حلوة"!!! وهنا اشتعلت أصغر الحرائق من أصغر الشرر. أنا شخصيا حين قرأت الخبر. تعجبت من حالة التربص الصحفي من الجريدة بشيخ الأزهر والتي نقلت علي لسان الشيخ حوارا مزعوما دار بينه وبين الصغيرة.
فضلا عن أنني لم أتيقن من صحة المنشور لأنني لم أعرف إذا كان الصحفي ناشر الخبر كان حاضرا وقت الزيارة التفقدية وسمع بنفسه الحديث الذي دار بين شيخ الأزهر وتلك الفتاة وقت أن دار بينهما ذلك الحوار إن صح أو أنه نقل إليه وعما إذا كان ذلك النقل دقيق من عدمه!!
فضلا عن هذا فقد نفي السيد شيخ الأزهر في أكثر من مقام أنه عنف الصغيرة أو سخر منها.
لكن الخبر الذي نشر تضمن تربصا بالشيخ الجليل حين وصف مسلكه مع الصغيرة باعتباره إجبارًا.
وحين نسب إليه وهو الشيخ الجليل أنه سخر من صغيرة في مقام حفيدته.
وهذا التربص أثمر صخبا اجتماعيا كبيرًا تجاوز الواقعة محل النشر لمهاجمة السيد شيخ الأزهر شخصيا باعتباره يتلقي تعليمات من الدولة وباعتبار أن الدولة تهاجم النقاب ودخلت جماعة الإخوان المحظورة في الحلبة وهاجمت الشيخ وطالبته بالاستقالة باعتبار أن النقاب "فضيلة" وأن شيخ الأزهر يمنع الفضيلة. واتسعت الدائرة للحديث عن مهاجمة المنتقبات باعتباره هجوما علي الحرية الشخصية لهن وأولي مهاجمة المتبرجات و"اللي قالعين" وسخر البعض من مفهوم الحرية الشخصية الذي يسمح "بالقلع" ولا يسمح "باللبس" وكأننا في مباراة مصارعة بين المنتقبات و"اللي قالعين" فنحرض المجتمع علي مهاجمة "اللي قالعين" والدفاع عن "اللي لابسين"!!! سيمفونيات الصخب الفارغ وتجاوز المجتمع بصخبه المدوي عن حجج السيد الشيخ واعتباره ارتداء صغيرة للنقاب وهي لم تتجاوز العاشرة فتنة بين زميلاتها الصغيرات اللاتي قد يفهمن من سلوكها أنها أفضل منهن تدينا أو أنهن أقل منها دينا. تجاوزوا ذلك لاعتبار الواقعة فرصة لمهاجمة الأزهر وشيخه ومهاجمة الدولة التي تملي - حسب سيمفونيات الصخب الفارغ - علي الأزهر وشيخه مما يخالف الإسلام ويناهض الفضيلة بل اعتبرت الواقعة فرصة أيضًا لمهاجمة النساء "المتبرجات القالعين" التي تناصرهن الدولة علي حساب "المنتقبات الفضليات" وباسم الحرية الشخصية والدفاع عنها هوجم الشيخ الجليل الذي اعتبر المتربصون به أن "اجباره" للفتاة اعتداء علي حريتها. متناسين أن تلك الصغيرة ارتدت النقاب تحت تأثير أسرتها التي أقنعتها - خطأ - أن ذلك النقاب فرض ديني عليها ولم ترتده من منطق اقتناعها بها وممارسة منها لحريتها الشخصية!!! لكن الصخب المجتمعي انفجر والأحاديث التليفزيونية والمناظرات ومنتديات الإنترنت جميعها دخلت المعركة التي جاءت "علي الطبطاب" لمن يبحثون عن أي فرصة للهجوم علي الدولة ومؤسساتها وللهجوم علي الأزهر الشريف ورجاله وأظهر البعض الأمر وكأنه معركة ضد الفضيلة فانبري الناس الطيبون بالدفاع عن الفضيلة.
تسقط الحرية الشخصية
واعتبر البعض أن الأزهر وشيخه يهاجم المسلمات فانبروا يدافعون عن المسلمات و"ردح" البعض للمتبرجات اللاتي "قالعين" في الشوارع واستعدوا الناس عليهم من منطق العين بالعين و"هتهاجموا النقاب هنهاجم المتبرجات" وتسقط الحرية الشخصية إلا للمنتقبات وتسقط حجج الشيخ الجليل والأسانيد الشرعية التي يقول بها!!! تشكك بعض الناس في الأزهر ورجاله وكره البعض المتبرجات اللاتي يعمل شيخ الأزهر لصالحهن علي حساب المنتقبات الفضليات وهاجم البعض الدولة التي تسيطر علي كل شيء حتي الأزهر وشيخه و...... صخب صخب صخب وليكفر الناس بكل شيء وأي شيء ولتحيا الفوضي!!!!!
هل ما يحدث في هذا المجتمع يعتبره أصحابه معارضة سياسية لصالح الشعب؟؟؟؟ لا أظن ذلك أبدًا!!!! فرغم أنني اعتبر نفسي من دعاة الحريات والمؤمنين بحقوق الإنسان والمعارضين للحكومة في كثير بل أغلب سياساتها الاقتصادية والاجتماعية واعتبر نفسي صاحبة وجهة نظر فيما يحدث حولي في الحياة ولست مجرد مواطنة "آكل وأشرب وأنام " لكنني في أشد الانزعاج من كل ما يحدث في المجتمع. فالحقيقة أنني لا أري إلا فوضي عارمة تدب في المجتمع بشكل عمدي. فوضي يتم فيها تحطيم قيمة كل الأشياء وكل المعاني.
فوضي تتم فيها مهاجمة أي شيء وكل شيء. كأن الفوضي في ذاتها أصبحت هي الهدف النهائي المطلوب تحقيقه والوصول إليه. باستخدام جميع الأدوات والآليات الممكنه. نعم في المجتمع مشاكل رهيبه نعم يعاني الناس معاناة كبيرة في كل أوجه الحياة اليومية نعم عندنا فقراء ومهمشون ومناطق عشوائية وأناس يعيشون تحت خط الفقر. نعم عندنا فساد وانحراف وتسيب. نعم عندنا ضمائر خربة ونفوس مريضة. نعم عندنا غلاء وصعوبة في العيش. نعم عندنا وساطة ومحسوبية. نعم عندنا حكومة منحازة - من وجة نظري - للأغنياء علي حساب متوسطي الحال والفقراء.
دفع المجتمع إلي الهاوية
لكن من قال إن حل تلك المشاكل والأزمات المستعصية يكون بإثارة الفوضي المجتمعية واستثارة غضب الناس ودفعهم ودفع المجتمع للهاوية والحريق الأكبر. من قال إن حل تلك المشاكل والأزمات المستعصية يكون عن طريق الانتقادات الدائمة والهجوم المستمر علي أي شيء وعلي كل شيء والتشكيك في كل شيء وكل شخص وكل مؤسسة فتفقد جميع الأشياء معناها وجميع الموضوعات قيمتها ومعناها فيسود العبث والاكتئاب والمرارة والحنق وانعدام الانتماء في المجتمع فيكره الناس حياتهم يوما بعد يوم أكثر وأكثر من قال إن ما يحدث هو في مصلحة الوطن والحقيقة إني كثيرا ما أسال نفسي وهل يعني الوطن الذي أحبه هؤلاء مثيري الضجة مستهدفي الفوضي وهل تعني حالة الناس التي حوصرت ما بين مطرقة الغلاء وصعوبة الحياة وما بين سندان المعارضة والفوضي وإشاعة اليأس هل تعني حالتهم هؤلاء أصحاب الصوت العالي والضجيج والصخب ممن يملكون بخبر في جريدة أو فقرة في برنامج تليفزيوني أن يدفعوا المجتمع للأسف للهاوية ويدفعوا بمواطنيه للجحيم الأبدي؟!!
الفقرة الأخيرة - في معظم الأوقات لا يناقش المجتمع أي قضية جادة تؤثر في حياتنا ومستقبلنا لأنه يهتم بها يرغب في مناقشتنا بل في معظم الأحيان يتصرف المجتمع كرد فعل لحدث ما يعتبره المجتمع فرصة ومبررًا للخوض في قضايا كثيرة ومهمة لكن بطريقة الفعل ورد الفعل وبشكل عشوائي وعن طريق توجيه الانتقادات المستمرة وليس مناقشة الأمر ودراسته وتقديم البدائل للمشاكل القائمة رغبة في حلها. لا لم يعد المجتمع يكترث إلا بالصخب الإعلامي والصحفي والانتقادات والصراخ والاحتدام والفرقعات المدوية التي تحدث أكبر ضجة بلا مضمون وبلا نتيجة حقيقية علي طريقة أن الخبر الصحفي هو "إنسان عض أسد" وليس "أسد عض إنسان" وليحيا الصخب والدوشة والفوضي العظيمة!!!!
تكريس اليأس
الجملة الأخيرة - ألا يوجد في هذا البلد أي شيء جميل يستحق الذكر أو التحية أو الإشادة به وبأصحابه سؤال أسأله لنفسي كل يوم صباحا حين أتصفح مانشيتات الصحف ثم أسأله لنفسي ثانية ليلا حين اتابع البرامج الحوارية التي يسهر الشعب أمامها قبل النوم ألا يوجد شيء جميل في هذا البلد يمكن الإشارة إليه لبعث الأمل في نفوس الناس ودعم انتمائهم له وفتح طرق المستقبل التي تغلق يوميا في وجوههم باليأس والهم والفوضي؟!!!! سؤال أعرف إجابته لذا اتعجب كثيرا مما ينشر ويذاع وأؤمن أن كل ما يحدث ليس إلا حلقات في مخطط منظم لإشاعة الفوضي العارمة في المجتمع وربنا يستر!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.