استكمالاً للحديث عن دور الفضائيات العربية في التأثير علي الرأي العام الدولي نجد أن المراكز والمعاهد المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية والسياسية قد نشطت، خلال السنوات الأخيرة، في الاشتغال بدراسة ما يسمّونه في الدوائر الأكاديمية الغربية ب(الحالة الإسلامية) التي ترتبط في أذهان القائمين عليها وبصورة تلقائية، بالإرهاب والتطرّف. وفي زمن مضي، سواء أثناء فترة الحرب الباردة، أو في العهود السابقة لها، كانت دراسة الإسلام من النواحي العقدية والثقافية والحضارية، مقصورةً علي فئات قليلة من الباحثين الغربيين ممن يطلق عليهم (المستعربون)، أو (المستشرقون)، الذين كانوا يتخصّصون في اللغة العربية، وفي الدراسات الإسلامية التي تُغطّي جلّ حقول الثقافة الإسلامية. وكان أكثر هؤلاء الباحثين يخدمون سياسات وزارات الخارجية، أو بالتعبير القديم، وزارات ما وراء البحار، في الدول الاستعمارية التي كانت تحتل بلدان العالم الإسلامي، من إندونيسيا شرقاً، إلي المغرب غرباً. وقد أنتج هؤلاء الباحثون كتباً كثيرة، وكتبوا بحوثاً غزيرة، ونشروا دوائر معارف وموسوعات، وحقّقوا واعتنوا بنشر كتب من التراث العربي الإسلامي كانت مخطوطاتٍ معرضةً للتلف والضياع، مراعين فيه الأسلوبَ العلمي الذي ابتكروه في تحقيق التراث. ومن الإنصاف أن نقول إنَّ قسماً من هذه المنشورات، التي بدأت تصدر منذ القرن الثامن عشر، وبصورة أخصّ في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، قد خدم الثقافة العربية الإسلامية علي نحوٍ ما، ولكن في الغالب لم تكن تلك الخدمة في كثير من جوانبها مقصودةً لذاتها، وإنما كانت موجهة لأغراض استعمارية. كانت هذه الفئة من علماء الغرب تجتمع في مؤتمرات عالمية، تعقد دورياً في بعض العواصم الأوربية، وأحياناً تعقد في إحدي العواصم العربية الإسلامية، تحت عنوان : المؤتمر الدولي للمستشرقين. وقد بدأت هذه المؤتمرات سنة 1873، حيث عقد المؤتمر الأول في باريس بدعوة من الاتحاد الدولي للمستشرقين الذي تأسّس في أوربا. وكان المؤتمر الرابع والعشرون الذي عقد في ميونيخ بألمانيا سنة 1957 آخر هذه المؤتمرات. ولكن تطوّر الأحوال في العالم، وبصورة خاصة في العالم الإسلامي، وظهور متغيرات في عالم السياسة الدولية، وفي عالم الفكر والثقافة والدراسات الإنسانية، كلّ ذلك أدّي إلي إلغاء فكرة عقد المؤتمر بهذا الاسم، واستبدلت به مؤتمرات أخري تحت مسميات مختلفة، ولكنها تخدم الأهداف ذاتها بأساليب وطرق مستحدثة. ومن ثم أصبح المستشرقون يجتمعون في إطار مسمي جديد هو: (المؤتمرات الدولية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية)، يعقدها معهد الشرق الأوسط في واشنطن، أو رابطة دراسات الشرق الأوسط في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، أو مراكز ومعاهد ومؤسسات وهيئات كثيرة تخصصت في هذا المجال ولم تكن مراكز الدراسات الاستراتيجية السياسية والفكرية والثقافية والمعاهد المتخصّصة في قضايا الشرق الأوسط، أو الشرق الأدني بالتعبير القديم، قد ظهرت وانتشرت في تلك المراحل كما هي اليوم، فقد كانت أقسام اللغات الشرقية في بعض الجامعات الغربية، تقوم بالوظيفة التي تقوم بها هذه المراكز. والملاحظ هنا أن هذه الأقسام الجامعية كانت تضمّ علماء أغلبهم متمكّنون وذوو مؤهلات عليا وتخصّص دقيق ودراية واسعة بالعالم الإسلامي من النواحي كافة. ولذلك كانوا يقدمون خدمات مهمّة للدوائر الحكومية التي يتبعونها، بخلاف الوضع في هذه المرحلة، حيث قلَّ لدرجة ملموسة، العلماء الغربيون الضالعون المتخصّصون، الذين يتوافرون علي معرفة واسعة باللغة العربية وبالفكر الإسلامي وبالثقافة العربية الإسلامية، وبأحوال المجتمعات الإسلامية، مما ينعكس سلباً علي مجمل الدراسات التي يعدّونها والتقارير التي يكتبونها، التي تكون في الغالب، مصادرَ رئيسةً لصانعي القرار، يستندون إليها في وضع السياسات الخاصة بالعالم الإسلامي، في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والدينية والثقافية والإعلامية، وفي غيرها من المجالات، وللحديث بقية...