من المؤكد أن الملك عبدالله كان يدرك ردود الأفعال التي ستحدث وهو يفتتح أول جامعة للعلوم والتكنولوجيا سيكون التعليم فيها مختلطا.. من المؤكد أنه كان يعرف أن هذه الجامعة ستتعرض لهجوم بعض رجال الدين الذين يعتبرون اختلاط الطلبة والطالبات رجساً من عمل الشيطان، وخروجا علي تعاليم الدين الإسلامي، وبدعة تغريبية، وضلالاً لا يجب أن تقع فيه الدولة التي تحتضن المقدسات الإسلامية ويحج إليها المسلمون من جميع أنحاء الدنيا. ومع ذلك لم يتراجع الملك عبدالله وافتتح في احتفالية عربية ودولية جامعة العلوم والتكنولوجيا بالسعودية.. لم يخش الملك عبدالله ردود الأفعال التي حدثت فعلا، والتي سبق أن حدثت ردود فعل مشابهة لها حينما دخل المذياع والتليفزيون المملكة العربية السعودية، لأنه كان يدرك أن بلده تحتاج هذه الجامعة، وأن تعاليم الإسلام لا تعارض أن يكون التعليم مختلطا فيها، والأهم كان يدرك أن هذه المعارضة في سبيلها إلي زوال مثلما حدث مع التليفزيون الذي صار يستخدمه الآن وعلي نطاق واسع من عارضوه في البداية. وهذه تعد شجاعة يتحلي بها الملك عبدالله.. وبما كانت هذه هي التي ميزت الكثير من مواقفه وقراراته حتي وهو مازال وليا للعهد ويمارس المسئولية فعليا علي أرض الواقع. فقد كان شجاعا وهو يقدم مبادرته لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بشكل نهائي لإقرار سلام دائم وعادل في منطقتنا وبغض النظر عما قيل وكتب وقتها عن دور الكاتب الأمريكي المشهور فريدمان في اقناع الملك عبدالله بفكرة هذه المبادرة أو علي الأقل باتخاذ خطوة جريئة في هذا الصدد، إلا أنه يبقي أن الملك عبدالله أخذ علي عاتقه وحده مسئولية إطلاق هذه المبادرة التي تحولت فيما بعد إلي مبادرة عربية حينما وافق عليها كل القادة العرب في قمة بيروت بعد مناقشات واسعة لها. وحينما حاولت الإدارة الأمريكيةالجديدة أن تستغل هذه المبادرة لانتزاع موافقة عربية علي تطبيع متعجل ومبكر مع إسرائيل قبل أن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة، وقبل أن تعيد للفلسطينيين حقوقهم وتقام دولتهم، تصدي الملك عبدالله لهذه المحاولات بوضوح، وأعلنت المملكة العربية السعودية رفضها لأي تطبيع مع إسرائيل قبل أن تنفذ ما يتعين أن تقوم به، وقالت السعودية لأمريكا المطروح ليس هو ما سيقدمه العرب للإسرائيليين، وإنما هو ما سيقدمه الإسرائيليون، وهكذا رفض الملك عبدالله مجاراة دول خليجية أخري وافقت علي فتح مكاتب تمثيل إسرائيلية في أراضيها أو فتح أجوائها أمام طائرات العال الإسرائيلية، أو فتح حدودها أمام البضائع الإسرائيلية والسائحين الإسرائيليين، فالمبادرة العربية تمثل مقايضة شاملة، انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة مقابل علاقات طبيعية عربية معها.. وهذه المقايضة ليست طروحا إلي الأبد إذا كان الإسرائيليون يماطلون في القبول بها كما أعلن ذلك الملك عبدالله في القمة الاقتصادية العربية التي عقدت بالكويت. وبذات الشجاعة فاجأ الملك عبدالله القادة العرب في قمة الكويت بدعوته لطي صفحة الانقسام الذي فرض نفسه علي البلاد العربية والذي هدد المصالح العربية وقضاياهم الأساسية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وهكذا تناسي الملك عبدالله، ما تعرض له هو شخصيا من بعض القادة العرب، وتقدم بمد يده بالمصالحة للجميع حتي لمن أساءوا إليه حفاظا علي المصالح العربية والأمن القومي العربي، كما قال مخاطبا القادة العرب في قمة الكويت.. ومن يومها وهو يقرن الأقوال بالأفعال، رغم أن استجابة بعض الدول العربية مازالت محدودة في هذا الصدد. وهذه أيضا تعد شجاعة يتسلح بها الملك عبدالله.. ولعل ذلك يفسر العلاقة الخاصة والقوية التي تربطه بالرئيس مبارك.