لا أعتقد أن هناك اختلافا كبيرًا بين الاثنين، فكلاهما شماعة يعلق عليها طرف ما فشله ضد كل صاحب مبدأ لا يخدم توجهاته المصلحية، ولا يخفي علي أحد كيف عاني ويعاني من هذا الإلصاق الكثير من المؤسسات والدول والأفراد. الفنان والوزير فاروق حسني، وخلال معركته الانتخابية علي مقعد الرئاسة في منظمة اليونسكو، وعندما أصبح قاب قوسين أو أدني من المقعد، استدعت الدبلوماسية الأمريكية ومن خلفها اللوبي الإسرائيلي المدعم أوروبيا، جراب الحاوي أقصد يالتاريخ الهلامي، واستخرجوا منه الورقة الرابحة التي يلعبون بها عند الضرورة في مواجهة من يعتبرونه خصما لهم، وهو في هذه الحالة فاروق حسني. هذه الورقة هي الجريمة المعروفة باسم يمعاداة السامية، والتي يعتبرونها أكبر جريمة يرتكبها الإنسان بحق البشرية! بالقطع فهي أكبر من جرائم الحرب والإبادة التي يقومون بها في حق الإنسانية، وبحق الأبرياء في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها! ولو عندنا بالذاكرة لاستخدام مفهوم يمعاداة السامية، نجد أنه يرجع في بادئ الأمر إلي صحفي ألماني من أصل يهودي هو ويلهلم مار (1818 1904م)، والذي استخدمه لأول مرة في كتاب بعنوان يانتصار اليهودية علي الألمانية، صدر عام 1873م، وصدرت منه اثنتا عشرة طبعة، كما أسس في عام 1879م جماعة تضم في داخلها كل أعداء اليهود. ولقد أخذ مصطلح العداء للسامية في البداية معني العداء لكل ما هو سامي غير انه تدريجيا أخذ معني العداء لليهود بصفة خاصة أما عن أسباب معاداة اليهود فهي أن معظم اليهود اشتغلوا بالتجارة خلال العصور الوسطي وحققوا من خلالها ثروات طائلة فلقد آمنوا بأن الثروة هي مصدر قوتهم ومبرر وجودهم واتسم نشاطهم التجاري بالربا حيث إن الشريعة اليهودية تحرم الربا علي اليهودي غير أنها تبيحها علي غير اليهودي ونتيجة حرصهم علي تكوين الثروات فلقد اشتهروا بالبخل الشديد كما اتسم نشاط كثير منهم بالبغاء والجريمة والنشاط الخارج علي القانون بصفة عامة. ثم تحول استخدام ذات المصطلح فيما بعد لأغراض سياسية. كما أن القانون الأمريكي الذي صدر في نوفمبر 2004، والذي يجرم معاداة السامية إلي جانب التقرير الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكي في شهر يناير من نفس العام، إلي الكونجرس بخصوص ذات القضية، يمثل تطورًا عالميًا خطيرًا في هذا الصدد، لاسيما أنه يختص بمعاداة اليهود، في حين أن هناك معاداة أخري أكثر شراسة للإنسانية ضد العرب والمسلمين، وكذلك ضد المسيحية والبوذية والهندوسية. يأتي هذا ضمن محاولات لتكميم الأفواه وعدم انتقاد السياسات الإسرائيلية والممارسات التي تقف علي النقيض تماما من القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية، كما أن هناك محاولات لتخويف الساسة والمثقفين الذين يتناولون هذه الانتقادات، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن العرب يشكلون الغالبية العظمي من السامين، واليهود هم الأقلية طبقا للمعني الحقيقي للسامية. هكذا وصل اليهود، وفي وقت مبكر من هذا القرن إلي فكرة ثبت عمليا أنها أكثر جدوي وأشد مناسبة لمتغيرات العصر الاجتماعية والثقافية والإعلامية في سبيل إسقاط الرموز، ألا وهي تشويه المصطلحات حتي تبدو كريهة الرائحة ومن ثم ابقائها جاهزة للإلصاق علي الظهور لأن لمعان الإنسان وبريقه لا ينفعه في إبقاء الناس حوله مادامت رائحته تزكم الأنوف. وهكذا استخدم اليهود مصطلح العداء للسامية لينفر الناس من كل من رمي بهذه التهمة رغم أن أكثر النافرين لا يعرفون ما هي السامية فضلا عن أن يكرهوا أعداءها، لكن المصطلح أصبح كريها لدرجة تمنع من التأمل في معناه، وهكذا نجح اللوبي الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي في إسقاط فاروق حسني، كما نجحوا من قبل في إسقاط أي شخص لا يقدم التنازلات أولاً، ولا يدين لهم بالولاء. الوجه الآخر هو العداء إلي الإنسانية، وهو ما يقوم به فرد تجاه الآخر المختلف معه دينيا، أو ثقافيا، أو اجتماعيا، المختلف معه في الجنس أو اللون. فطالما نشاهد قتالاً دامياً بين أبناء الوطن الواحد لنفس الأسباب، أو القليل منها. أو نسمع عن تكفير شخص لآخر لمجرد أنه اختلف معه في الرأي. ولعل في الأيام القليلة الماضية سمعنا الكثير عن تكفير البعض منا لأشخاص لأنهم قدموا برامج تليفزيونية في شهر رمضان، أو أعمالاً درامية اعتبرها البعض لا تتوافق مع الشهر الكريم، أو شخص آخر يتهم رجل أعمال مسيحي بازدراء الأديان لأنه طالب في حوار معه بإلغاء المادة الثانية من الدستور، والتي ينادي بها الكثيرون من المثقفين والمفكرين المصريين غير المسيحيين. أليس من حقي وحقك أن يبدي كل منا رأيه في إطار الحقوق التي كفلها لنا جميعا الدستور؟. أليس المصريون جميعا بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون أو العقيدة سواسية أمام القانون؟ أرجو أن نعطي العقل مساحة أكبر للتفكير حتي لا نصل إلي درجة العداء لا ضد السامية، ولا ضد الإنسانية.