"سيدتي ، انت مدرسة شنيعة!!" كانت هذه إحدي الاهانات اليومية التي تواجهها شارلوت شاربو، معلمة الأدب واللغة الفرنسية الشابة في احدي المدارس الثانوية البلجيكية في ضواحي بروكسل من طلابها المراهقين ،الأمر الذي جعلها بعد 6 سنوات من العذاب في مجال التعليم تؤلف كتابا يحمل هذه الجملة الصادمة كعنوان له . والكتاب يتصدر حاليا قائمة الكتب الأكثر مبيعا في المكتبات البلجيكية. فهذا العمل يطرح قضية شائكة تشغل العالم كله، بدوله المتحضره قبل النامية ، وهي قضية التعليم ومشاكله، لكن هذه المرة ليست من وجه نظر الطالب كما اعتدنا ،بل من وجه نظر المعلم. ويصعب اعطاء الكتاب وصفا محددا، فهو مزيج من تجربة المؤلفة الشخصية، وشهادات زملائها ، والتحقيق الصحفي وهو مانجح في اعطائه طابعاً مختلفاً خاصة مع اسلوب المؤلفة الساخر العميق. والكتاب يتناول بصورة خاصة ظاهرة العنف التي يتعرض لها المدرسون من طلابهم بل ومن أولياء الأمور أحيانا ، وتحكي شارلوت ان الطلاب كسروا نظارتها في ثاني يوم لها في الفصل، هذا بالاضافة إلي العنف المعنوي الذي تتعرض له هي وزملاؤها بشكل شبه يومي في هذه المدارس الفقيرة المنفية في الضواحي بداية من الاهانات والشتائم والنظرات الساخطة إلي العنف الجسدي. وتضيف شارلوت أن مثل هذه الوقائع نادرا ما تصل لإدارة المدرسة ، فهناك شبه قانون ضمني يلزم المدرسين بالصمت ويمنعهم من الشكوي،قد يكون عدم اهتمام الادارة أو خوف المدرسين، وهو ما يزيد من حالة الاحباط والاكتئاب التي تسيطر عليهم وتمنعهم من أداء وظائفهم في جو مريح. فهذا الجو المشحون المرهق يمنع حتي التعاون والتضامن بين الزملاء بعضهم بعضا . وبعد أن كانت أثناء دارستها للأدب تحلم بالعمل في التدريس، وخاصة في المناطق الفقيرة حيث يمكنها أن تقدم شيئا مفيدا لسكان هذه المناطق ، تؤكد شارلوت آسفة انها اضطرت لترك هذه المهنة المرهقة عصيبا وبدنيا ، وتقول"ان المدرس في بلجيكا يجب أن يكذب ويكون منافقا ليحافظ علي منصبه، بل يجب أن يكون اخطبوط بثمانية أزرع ليتمكن من القيام بالعديد من المهمات في نفس الوقت ، وفي النهاية يحصل علي تقدير وراتب لا يذكر." فهو ضحية لمراهقين ثائرين ، وأولياء أمور لا يمارسون دورهم، وإدارة مدرسة متساهلة ، وسلطات تعليمية غير مبالية. وفي النهاية تنادي شارلوت شاربو (وهو ليس اسمها الحقيقي، بل اسم مستعار فيه تهكم علي اسم المستشار مارسل "بوشار"، والذي كلفته حكومة فيون بكتابة تقرير عن "اعادة تعريف مهمة المعلم" وهو التقرير الذي كان مصيره الدفن في الأدراج! ) كل المعنيين والمسئولين عن العملية التعليمية بالجلوس علي مائدة واحدة والتحاور حول مستقبل التعليم فهي تحلم بمدرسة "انسانية"، تضع في المقدمة كرامة المعلم ، ويكون بها مكان لطبيب نفسي واخصائي اجتماعي. والآن بعد أن طوت شارلوت هذه الصفحة من حياتها، حيث تستكمل الآن دراستها العليا في الأدب وتعمل في شركة استثمارية، إلا انها فخورة بردود الأفعال التي أثارها كتابها علي الانترنت وفي أوساط المدونين والمعلمين في بلجيكا، واعتبرته صرختها الأخيرة لإصلاح هذا المجال الحيوي في بلادها.