لم تظهر الشمس طوال اليوم فى مدينة أطلانطا، رغم التنبؤ بإشراقها فى عيد ميلاد المسيح، لم تكن أندرونيكا إلى جوارى لأجادلها وتجادلنى، رغم تعصبها للمسيحية.. تعشق أندرونيكا الجدل، خاصة معى، تعرف أندرونيكا أن الجامعة تدفع لى لأعلم الطلاب الجدل، فهى جامعة متقدمة فكرياً، تجذب الأساتذة من كل أنحاء العالم، من أجل إثارة الجدل، لا تحظى «إثارة الجدل» بسمعة سيئة كما هو الحال فى جامعات أخرى أمريكية أو عربية أو غيرهما. كانت رئيسة الجامعة الدكتورة بيفيرلى تاتام قد استمعت إلى محاضرتى فى 23 أبريل 2007، الساعة الرابعة مساء.. فى السادسة مساء دعتنى للعشاء فى بيتها، أثناء العشاء قالت لى: كم أحب أن تكونى أستاذة هنا فى هذه الجامعة، أيمكن أن تأتى إلى أطلانطا؟ أيمكن أن تعيشى هنا فى الجنوب؟ ضحكت وقلت: أى جنوب هذا وأنا من أفريقيا من مصر؟ بعد دقائق قليلة، قبل أن تنهى الدكتورة تاتام عشاءها، غادرت غرفة الطعام، ثم عادت وفى يدها ورقة ناولتها لى وقالت: «هذا عقد لمدة عامين لتكونى أستاذة كرسى معنا هنا فى الجامعة! اندهشت، واندهش معى ضيوفها حول مائدة العشاء، كيف تركت عشاءها وكيف أمكنها أن تكتب العقد على الكمبيوتر بهذه السرعة؟ ترددت لحظة قبل أن أقرأ العقد، لكن بعد أن قرأته أمسكت القلم ووقعت باسمى، ورفع الجميع كؤوسهم ليشربوا نخب الأستاذة الجديدة التى تدرس الإبداع والتمرد! سافرت أندرونيكا إلى نيويورك لتحتفل بالكريسماس مع الأسرة العزيزة، رغم أنها لا تشعر بأى انتماء إلى هذه الأسرة التى يترأسها أبوها، يقول أبوها إن الكون لم يخلق فى ستة أيام، إن الكتاب المقدس من تأليف البشر، إن المسيح لم يولد من الأم العذراء، ولم يخرج من قبره بعد أن مات أبوها مثل 65٪ من الشعب الأمريكى لا يذهب إلى الكنيسة، ولا يؤمن إلا بالعلم والعقل والبرهان، لكنه يشارك الأغلبية فى الاحتفال بالكريسماس، رغبة فى الاستمتاع بلقاء الأقارب والأصدقاء، والتهام الطعام اللذيذ مع النبيذ والخمر، وكل المحرمات الممنوعة فى الحياة الدنيا المباحة فى الجنة فقط، تقول أندرونيكا باشمئناط إن أباها لا يؤمن بحياة بعد الموت، ويقول لها ولأخوتها إنه لا يملك إلا حياة واحدة فقط فوق الأرض! أفقت على رنين التليفون، جاءنى صوت ابنتى «منى» تقول: «كل سنة وإنتِ طيبة يا ماما»، صوتها يشبه صوت العصافير فى الصباح، تصحو ابنتى مبكراً مع العصافير، تقود سيارتها الحمراء الصغيرة إلى النادى، ترتدى المايوه وتسبح ساعة كاملة أو ساعة ونصف الساعة، ثم تعود إلى البيت لتتناول القهوة والفطور، تجلس إلى مكتبها وتكتب مقالها الأسبوعى، أو قصة قصيرة أو قصيدة شعر، أو السيناريو الجديد الذى تعده للتليفزيون أو السينما. «فتحت الإيميل يا ماما؟ افتحيه واسمعى الموسيقى فى رسالتى».. فتحت الكمبيوتر واستمعت معها إلى قطعة موسيقية وأغنية بمناسبة السنة الجديدة 2009، غمرتنى السعادة كأنما أجلس مع ابنتى فى بيتها فى القاهرة، أو كأنما هى تجلس معى فى بيتى فى أطلانطا. انكمش حجم الكون، انتصر العلم الحديث على المكان والزمان، فى أقل من غمضة عين يحدث الاتصال عبر البحار والمحيطات، الصوت والصورة والحركة وكل شىء، لم يبق إلا الجسد لينتقل أيضاً فى لمح البصر، ربما يتحقق هذا أيضاً فى المستقبل القريب، حين تصبح مركبات الفضاء ضمن وسائل المواصلات، سرعتها تحسب بحركة الضوء وليست بالدقيقة أو الساعة. لم أعد أشعر بالبعد عن أى مكان وزمان وإن ابتعدت، لم أعد أشعر بالغربة أو الوحدة، فالشمس هى الشمس، والقمر هو القمر، وصوت العصافير هو صوت العصافير، وصوت ابنتى يأتينى رغم المسافات والبحار والمحيطات، وأهم من كل ذلك أن أكتب كتاباً جديداً، ذكريات حياتى وراء المحيط «أنا أكتب إذن أنا أعيش» أهو ديكارت الذى قال: «أنا أفكر إذن أنا موجود؟ لا يا سيدى لا يكفى أن تفكر لتعيش، لابد لأفكارك أن تخرج إلى الناس عن طريق الكتابة، وإلا فلماذا كتب الآلهة كتبهم وأرسلوها للناس مطبوعة على الورق؟ لولا كتاب الموتى ما عرفنا عن الإله أوزوريس، ولولا كتاب الأناشيد ما عرفنا شيئاً عن الإله إخناتون، ولولا كتاب التوراة ما عرف الناس إله موسى، ولولا كتاب الإنجيل ما عرفنا شيئاً عن إله المسيحية، ولولا كتاب القرآن ما عرف أحد عن إله الإسلام، لولا كتاب الجيتا ما عرف الهنود آلهتهم. لأنى أكتب فأنا لا أعرف الغربة أو الغرابة أو الكآبة أو الفجيعة أو الفضيحة أو غيرها مما يحزن البشر، ومن ماذا يحزن البشر أكثر من هذا؟ امرأة يموت زوجها لماذا تحزن أو امرأة يخونها زوجها مع نساء آخريات لماذا تكتئب؟ أو رجل يدخل السجن أو يرحل إلى المنفى؟ لماذا يشعر بالغربة أو الحزن؟ لماذا لا يبتهج بالتجربة الجديدة، بالحياة المختلفة دون زوج أو أسرة أو وطن؟ الكتابة تجعل الوطن هو كل العالم، تجعل الإنسانية هى الأسرة والوطن، الكتابة هى حياتى وراء الشمس، وأمام الشمس، هى حروفى بقلمى المطبوعة على الورق، تربطنى بالناس وتربط الناس بى فى كل البلاد بكل اللغات، لهذا أستقبل الصبح الجديد بحب جديد، بأفكار جديدة تنتظر القلم والورق، أحب رائحة أوراقى أكثر من أى عطر. قال لى زوجى الثانى ذات يوم: أنت تكرهين الجنس! أنت تكرهين الرجال!، قلت له: غير صحيح أنا مثل البشر بكل غرائزهم، ولكنى أحب الكتابة أكثر من الجنس والرجال، اندهش الزوج الذى لم يعرف لذة الكتابة وقال: يعنى إيه تحبى أكوام الورق ده أكتر من زوجك؟ تصور الرجل أن العيب فيه أو فى فحولته لكنى شرحت له الأمر دون جدوى، لم يكن خياله قادراً على إدراك حقيقة: أن المرأة لها عقل يفكر، وأن التفكير وحده لا يكفى ليكون الإنسان إنساناً، بل لابد من التعبير، لابد من توصيل الأفكار للناس، وأضفت قائلة: إن ديكارت قال نصف الحقيقة فقط، لا يكفى أن تفكر لتعيش، وانفجر الزوج غاضباً ولعن أبو ديكارت وأبو الشخص المجنون الذى أباح التعليم للنساء! بعد الطلاق أقسم الرجل ألا يقترب من امرأة تقرأ، فما بال أن تقرأ وتكتب، ثم زوّجته أمة لفتاة من العائلة لا تفك الخط. ربما تكون هذه مشكلة الكاتبات فى العالم أجمع، هنا فى أطلانطا لم أتعرف على كاتبة أمريكية سوداء أو بيضاء، إلا وعرفت أنها لم تتزوج أبداً، أو تزوجت عدة مرات وطلقت زوجها بعد فترة، أو أن زوجها ذهب إلى الحرب ولم يعد، أو عاد دون أن تعود إليه، أو أن زوجها مات فى حادث ما أو بإرادة إلهية، وأقسمت من بعده ألا تقرب الرجال، لا حباً فى زوجها الميت بل كراهية فى الأزواج الأحياء. زميلتى شارلوت، أستاذة الأدب الإنجليزى، تخصصت فى أدب فرجينيا وولف، تربطها بها علاقة إعجاب كبيرة، أشبه بالحب، تقول عنها تناسخ الأرواح، أقدمت شارلوت على الانتحار مثل فرجينيا وولف، وفى يوم جاءنى زوجها يشكو، أنها لا تحبه وتريد الانفصال عنه، وسألته: هل تظن أنها تحب أحداً غيرك؟ فقال الرجل: يا ريت تحب رجلا آخر، إنها تكره كل الرجال، تكره الجنس كله! صوته رن فى أذنى يشبه صوت زوجى السابق، رغم أنه يتكلم الإنجليزية، حاولت أن أشرح له الأمر دون جدوى، كان عاجزاً عن الفهم، كان يتصور مثل أغلب الرجال أن ليس فى حياة النساء من شاغل إلا الرجل والسرير، قالت لى شارلوت فيما بعد: مشكلة الرجال واحدة منذ نشوء النظام الأبوى العبودى، يتمركز فكر الرجل فى الفالاس، البينيس، إنه الفاليك كالتشر «يعنى الثقافة النابعة من الفالاس، العضو الذكورى الجنسى وليس العقل» يتصور الرجل أن المرأة لا تفكر إلا فى الفالاس، تضحى بكل شىء من أجل الفالاس.. يعجز الرجل عن إدارك الحقيقة التاريخية: أن المرأة سبقت الرجل فى التطور الإنسانى. شعرت بالجوع ورأيت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، تذكرت أننى لم آكل منذ الصباح، جلست إلى الكمبيوتر أكتب دون أن أشعر بمرور تسع ساعات، الصبح والظهر والمغرب، مرت وجبات الطعام الثلاث دون أن أتحرك من مكانى، دون أن يقرصنى الجوع، إذا تغلبت الكتابة على غريزة الجوع أقوى الغرائز ألا تتغلب على غيرها الأقل إلحاحاً؟ ألهذا حرمت الكنيسة الكتابة على النساء كما قالت شارلوت؟ وقلت لها: أهى الكنيسة وحدها؟ قالت: الكنيسة بدأت وتبعها الآخرون وقلت: أهى الكتابة فقط التى تم تحريمها؟ وقالت شارلوت: حرمت الكنيسة الضحك على النساء، لأن الضحك يعنى السعادة، وإن عرفت المرأة السعادة مدت يدها وأكلت من شجرة المعرفة، تذوقت اللذة المحرمة، وبدأت الكتابة، فالمعرفة تقود إلى الكتابة والكتابة تقود إلى المعرفة، أى أن بدل الخطيئة الواحدة خطيئتان. أعددت لنفسى وجبة خفيفة: شوربة دجاج مع الأرز البنى وجبن بنى، لم أعد آكل الجبن الأبيض أو الأرز الأبيض، أشترى الفاكهة والخضروات واللحوم والخبز من المحل الأورجانيك، يعنى العضوى، يعنى الذى يبيع المنتجات الطبيعية العضوية من الحقل وليس المنتجات المصنعة المخلوطة بالكيماويات الضارة، أدفع الثمن مضاعفاً فى المحال الأورجانيك لأكتشف بعد مرور الزمن أن الفرق ليس كبيراً بين ما يسمونه أورجانيك وبين غير الأورجانيك، وضحكت شارلوت وقالت: برافوا عليكى أنا اكتشفت الأمر أيضاً لكنى لم أتصور أن جشع الرأسمالية وخداعها يصل إلى هذا الحد وإذا كان كبار رجال السياسة يكذبون كل يوم فما بال تجار السوبر ماركت؟ تعودت أن أفتح التليفزيون بينما أتناول الطعام، أتابع الأخبار فى أمريكا والعالم، وأتناول وجبتى على مهل مستمتعة بالأكل الذى أعددته بنفسى، ومعه الشاى الإير جراى فى الصباح، أو البيرة المثلجة مع الغداء فى الصيف، أو كأس من النبيذ الأحمر المعتق مع العشاء فى الشتاء، تعلمت كيف أستمتع بالطعام والشراب وكنت لا أعرف لذتهما حين كان الزحام من حولى.. إنها بعض النعم التى تغدقها الوحدة على الإنسان، أن يأكل على مهل يستشعر اللذة، أن يتأمل أخبار العالم بعين لا تتعجل الحكم على الأشياء، ألهذا ارتبط الإبداع بالوحدة والصمت والتأمل العميق غير المتاح فى الزحام والضجيج؟ على شاشة التليفزيون، كانت مجموعة من الأطفال يجلسون على شكل الدائرة حول رجل له لحية بيضاء كبيرة يسمونه بابا نويل أوسانتا كلوس أو اسما آخر، وجهه سمين أبيض، عيناه ضيقتان تبربشان مليئتان بالمكر والخديعة والمراوغة، يرمقه الأطفال بقدسية تحجب القدسية عيونهم فلا يرون الكذب فى عينيه فى مثل عمرهم، لم أكن أرى الكذب فى عيون الكبار المقدسين، وإن أحسسته بجسدى على شكل وجع فى الصدر وجع غامض فى المثلث الأعلى تحت الضلوع، يشبه الغثيان أو الرغبة فى البكاء، كأنما دموع متراكمة منذ ولدت فى صدرى، داخل الرئة أو فى القلب أو فى ثنايا المعدة كنت أبتلع الدموع قبل أن يراها أحد من الكبار، رغم الابتسامة على وجهى كنت أشعر بالحزن، دون أن أعرف السبب، أشعر بالخديعة دون أن أدركها بعقلى، لقد تم تغييب عقلى منذ الطفولة الأولى، لأومن باللامعقول، بأن الشيطان يهمس فى أذنى بالليل، الملائكة تحوطنى وأنا ساجدة فوق الأرض بين يدى الله، لم يكن هناك باب نويل أو سانتا كلوس، ولا هدايا ولا رقص أو غناء. فوق الشاشة أرى الأطفال يرقصون ويغنون بنات وأولاد، تحظى البنت بهدايا مثل الولد ترقص وتحرك ذراعيها وساقيها فى الهواء، منذ التاسعة من عمرى بعد أن أصابنى الحيض تجمد جسدى مثل عقلى، أصبحت أمشى بساقين ملتصقتين خوفاً من عيون الرجال، وحماية لأعز ما أملك بين الفخذين، تصورت أن الله لم يخلق الرجال إلا لسبب واحد، أن يتلصصوا فى البصبصة إلى أعز ما أملك، رغبة منهم فى امتلاكه، ألهذا السبب كنت أضغط بكل قوتى على أعز ما أملك حتى لا يسرقه أحد، حتى وأنا غائبة فى النوم، تصورت أن عيون الرجال يمكن أن تنفذ من تحت عقب الباب. تتوالى الصور فوق الشاشة، داخل الكنيسة يرتل الرجال والنساء من الكتاب المقدس، صبى صغير يرتدى ملابس القس يحمل مبخرة تتصاعد الأبخرة لتعمى العيون عما يحدث هناك.. دائماً أبخرة فى المعابد التى يسمونها بيوت الله، يتخفى الله دائماً وراء عمود من الدخان. فى عينى الصبى الصغير حزن عميق صامت عاجز عن التعبير، يرمقه القس العجوز ذو اللحية البيضاء الكثيفة بعينى الذئب، تتلصص العينان الغائرتان تبصبصان نحو الصبى تنتهزان الفرصة لاغتصاب أعز ما يملك لم أعرف فى طفولتى أن الولد مثل البنت يملك أعز ما يملك، بين ساقيه حتى كبرت قليلاً وعرفت أن الرجال الكبار يمكن أن ينتهكوا عذرية الولد الصغير مثل البنت الصغيرة، لا تكف الصحف هنا عن كشف أسرار القسسيين فى الكنائس، لا يتم الحجر على نشر الفضائح الجنسية بأنواعها المتعددة، المقدس والمدنس سواء بسواء، تربح أجهزة الإعلام من الفضائح أكثر من أى شىء فى السوق الحرة. بدأت الأخبار تتوالى فى العالم وفى أمريكا، رجل تنكر فى ملابس بابا نويل وأطلق النار على أسرة كاملة كانت تحتفل بالكريسماس، نساء فى نيويورك يبعن بويضاتهن فى السوق الحرة، البيضة ثمنها عشرة آلاف دولار، عاملة فى مطعم فقدت عملها مع الأزمة الاقتصادية، أغلق المطعم أبوابه بسبب قلة الزبائن، لم يعد يذهب إلى المطاعم إلا الأثرياء، تضاعفت أعداد العاطلين والعاطلات لم تجد عاملة المطعم إلا أن تبيع بويضاتها فى السوق، يأخذها تجار بنوك أطفال الأنابيب، يبيع الفقراء من الرجال سائلهم المنوى كل شىء.. قابل للبيع فى السوق، من الدم إلى الكبد والقلب والكلية والحيوان المنوى، أيضاً يرتفع الثمن وينخفض حسب العرض والطلب، زادت أعداد الفقراء والعاطلين وزادت كميات الأعضاء البشرية والبويضات والحيوانات المنوية فى البنوك والمعامل الطبية وانخفض ثمنها، رغم التزايد فى ارتفاع كل الأسعار انخفض سعر الإنسان بكل أجزائه خاصة بويضات النساء، قد ينخفض سعر بويضات النساء فى المستقبل القريب عن بيض الدجاج. رأيت على الشاشة صور حرائق وأشلاء بشر تتطاير والأطفال تجرى هنا وهناك والنساء تولول، يقول المذيع الأمريكى إن إسرائيل ترد على اعتداءات حماس، تضرب إسرائيل.. مواقع حماس العسكرية فى غزة، وحماس تضرب إسرائيل، يعنى أنها الحرب اشتعلت بين حماس وإسرائيل، لكنى لا أرى حربًا بين جيشين عسكريين، بل جيش عسكرى واحد يضرب الناس فى البيوت والشوارع، دبابات تسحق أطفالا ونساء، قنابل تسقط على البيوت فتشتعل النيران فى كل مكان، لا أرى جيش حماس، أين قوة حماس العسكرية؟ أين صواريخها النارية؟ لا أرى إلا الأشلاء والدم المراق، امرأة تصرخ: آه يا ولدى.. آه يا كبدى ثم تنطلق فى وجهها النيران. قال المذيع: الرئيس بوش يتابع ما يحدث فى غزة، والرئيس المنتخب أوباما يقول للصحافة: مادامت حماس قد اعتدت على إسرائيل فمن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها! أغلقت التليفزيون وفتحت الإنترنت، أبحث عن الأخبار فى الصحف والإعلام غير الأمريكى، ألم تصل أخبار المعركة فى غزة إلى بلادنا؟ المانشيتات تتكلم عن الأزمة الاقتصادية، عن تزايد الفقر والبطالة، عن زيارة أوباما خلال المائة يوم الأولى من حكمه لإحدى البلاد الإسلامية، تتبارى الحكومات العربية والإسلامية فى جذب أوباما إلى عاصمتها، يتنافس أصحاب الأقلام فى تجميل بلدهم فى عين أوباما: تعالى إلى مكةالمكرمة يا أوباما فهى أرض الإسلام المقدسة، يحج الملايين من المسلمين إليها كل عام، لا يا أوباما لا تذهب إلى بلد غير ديمقراطى يقهر النساء، تعال إلى القاهرة حيث الديمقراطية وتعدد الأحزاب وحيث الأزهر الشريف أقدم جامعة إسلامية، لا يا أوباما لا تذهب إلى أى بلد عربى، جميع الحكام العرب يتحكمون فى شعوبهم بالحديد والنار، بالديكتاتورية الشرسة تحت اسم الديمقراطية، تعال إلى جاكرتا عاصمة أكبر دولة إسلامية تسودها الديمقراطية والتعددية والسوق الحرة وكل شىء تجده فى جاكرتا حتى آثار تسونامى التاريخية، تنشب المعركة بين حملة الأقلام فى البلاد الإسلامية والعربية، تسيل أنهر الحبر بدل الدم المراق فى المعارك الحقيقية، تجف الحناجر فى الفضائيات العربية، أصبحت زيارة أوباما شرفًا ما بعده شرف، يتحرر البلد من العبودية والفقر ما إن تطأه قدم أوباما، قدمه المقدسة بحذائه الجلدى الثمين ذى البوز المدبب فى عين الحاسدين.