لعل أحداً لن يعارضني حين أقول إن أكثر ما يثير إعجاب الناس بأي مسئول حكومي هو أن يكون هذا المسئول، وزيراً كان أو محافظاً، صاحي ويقظاً وصاحب قرار صحيح وسريع.. فالناس.. أنتم وأنا نحتاج في كل وقت لأن نشعر ونتأكد أن المسئول الحكومي يري ما نراه ويشعر ما نحسه ويرفض ما نرفضه.. ففي هذه الحالة.. عندما يتوحد رأي المسئول مع آراء الناس تكون النتيجة خيراً علي الجميع.. علي الناس وعلي الحكومة نفسها.. لأن المسئول الصاحي تكون قراراته - وأكرر - في هذه الحالة عزفاً مع ألحان الجماهير وليست عزفاً منفرداً يكرس قاعدة يعتنقها بعض المسئولين في الحكومة وهي: خليك جوه مكتبك.. وابعد عن الناس وغني لهم ... وكأن الناس باتوا شراً يجب علي الوزراء والمحافظين الابتعاد عنه.. أو عنهم! ولا أستطيع القول أو الادعاء بأن كل رجالات العمل التنفيذي هم من أصحاب تلك القاعدة.. فهناك وزراء ومحافظون صاحيين في كل وقت.. داخل مكاتبهم وخارجها.. يقظون.. خيوط اللعبة (رغم أنها ليست كذلك) كلها في أيديهم.. وحين ترصد قرارات هذا الصنف من الوزراء والمحافظين ستدرك فوراً أن الحكومة مش كلها وحشة.. وستعرف أن الصورة مش كلها سودة.. وستتأكد أن الدنيا لسه بخير.. وأن هناك مسئولين مازالوا باقين علي العشرة معانا.. مع الناس. حد دلوقت ها يقول طيب إيه مناسبة الكلام ده يا عمنا؟.. هو فيه تعديل وزاري جديد بعد العيد.. هو فيه حركة محافظين في الطريق.. طبعاً من حق هذا ال(حد) أن يطرح هذه الأسئلة التي يراها البعض خبيثة بل في منتهي الخبث السياسي.. ولكن من حق كل وزير وكل محافظ علينا نحن اصحاب الأقلام أن نكافئه ونقدره حين يجيد.. مثلما ننتقده ونشن عليه الحملات حين يخرج عن جادة الصواب ويتمسك برأيه وقراراته.. فشر السلطان قرقوش! مناسبة الكلام هو البلاغ الذي تقدمت به السفيرة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان إلي المستشار عبد المجيد محمود يوم الأربعاء الماضي ضد ربة منزل بشارع الهرم قامت بتزويج خادمتها (12 سنة) مرتين.. خلال شهر واحد فقط. ومناسبة الكلام أيضاً.. هو تكليف د. أحمد درويش وزير التنمية الإدارية حارسه الشخصي بمطاردة قائد سيارة ميكروباص كان يسير - لسوء حظه وحسن حظنا - عكس الاتجاه في أحد شوارع الدقي بينما كان الوزير درويش عائداً إلي منزله بالمهندسين. ومناسبة الكلام، كذلك، هو قيام اللواء سيف جلال محافظ السويس بتقديم بلاغ للنائب العام ضد بعض الأسر بالسويس كانت وراء تسرب اطفالها من التعليم. وفي تقديري أن القاسم المشترك فيما فعله الوزيران والمحافظ هو إحساس المسئولين الثلاثة بالمسئولية الحقة الملقاة عليهم.. وإخلاصهم الصادق للبلد.. ولناس هذا البلد. وعندما أتوقف عند حالة الوزيرة مشيرة استطيع أن أقول أن بلاغها للنائب العام سيحد كثيراً وبدون أي شك من ظاهرة زواج الأطفال الإناث التي مازالت تستشري في ريف مصر.. ومن واجبنا جميعاً أن نرفع للوزيرة القبعة سيما عندما استشعرت خطراً بالغاً، يطل برأسه من تلك الظاهرة القديمة المتجددة.. خاصة أن الواقعة التي أبلغت عنها لم تحدث في الدقهلية أو الغربية أو البحيرة.. بل في شارع الهرم.. تصوروا!!. نعم لقد تصرفت الوزيرة مشيرة التصرف الواعي المسئول الذي تستحق عليه الإشادة.. والشد علي يديها.. فهي كوزيرة للأسرة والسكان مسئوليتها الأولي أن تساعد الأسر المصرية علي الارتقاء بحياة المواطن من خلال ضبط النمو السكاني.. وهي عندما ابتكرت خط الإبلاغ والمشورة الذي اطلقته تلك الوزارة الوليدة للإبلاغ عن حالات زواج الأطفال نجحت في أن تجذب عدداً كبيراً من الأسر كانت تري هذا الخطر الداهم وتشاهد تلك الجريمة غير الإنسانية .. دون أن تعرف تلك الأسر ماذا تفعل ومن تبلغ!! لم يكن هناك مفر من أن تقدم الوزيرة بلاغها للنائب العام ضد ربة منزل شارع الهرم.. فالأمور في تلك الظاهرة المؤرقة لنا داخل مصر.. والمبرحة لكل المصريين العاملين في دول الخليج بشكل خاص.. تلك الأمور لم يعد ممكناً السكوت عنها.. أو تجاهلها وكأنها لا تحدث ولا تتم.. وكأنها لم تصبح سوقاً لم لا وأكرر لا - استطيع وصفه الوصف الدقيق في هذا المقال. وللأسف الشديد هناك بعض الأسر ترغم أطفالها علي الزواج في سن الطفولة.. ليس دائماً تحت ضغط الفقر وأحلام امتلاك عشرات الآلوف.. بل أن هناك أسراً تخضع لتقاليد قديمة بالية تكون أحياناً وراء هذه الظاهرة.. ولك أن تتخيل براءة طفلة في الخامسة عشرة تعيش في قرية (الهواويشي) بمحافظة سوهاج حين امسكت هذه الطفلة بالتليفون وأبلغت ( خط المشورة والإبلاغ) بضغوط أسرتها عليها حتي تتزوج طفلة ال15 عاماً من رجل مسن في عمر جدها!!.. ولولا أن انطلق فريق من الوزارة ونجح في اقناع أم هذه الطفلة بعدم تزويجها والسماح لها بمواصلة تعليمها.. لذهبت الطفلة البريئة ضحية أسرتها. أترك الآن التصرف الحكيم البليغ الذي قامت به الوزيرة مشيرة لأتوقف أمام ما فعله الودير دروييش في الدقي. كان بامكان سيادة الوزير أن (يطنش) علي سائق الميكروباص الذي كان يسير عكس الاتجاه.. وكان باستطاعته أن ينشغل بقراءة الجرائد ولا يعير الأمر التفاقا.. ولكن كان من سوء حظ هذا السائق المقهور أن كان الوزير درويش يمر بسيارته في هذا المكان وفي هذا التوقيت. وأعتقد أن كل من كان موجوداً في تلك اللحظة.. لحظة مطاردة حرس الوزير للسائق المتهور.. قد أبدي اعجابه الشديد وتقديره العميق لواحد في الحكومة لم يطنش.. ولم يغفل.. وكان قراره السريع: أنا مع الناس.. ومع القانون. كان بإمكان الدكتور درويش أن يقول في سره: وأنا مالي.. أنا مسئول عن 5.8 مليون موظف.. وده سائق مخالف وليس موظفاً.. ولكنه لم يفعل لإحساسه العميق في داخل مكتبه.. وأيضاً خارجه بالمسئولية. أولاً كوزير في الحكومة. وثانياً كمواطن.. ولست أشك لحظة في أن (الوزير) أحمد درويش لم يكن في تلك الواقعة النبيلة إلا (المواطن) أحمد درويش!. وأقول الآن للواء سيف جلال عفواً يا سيادة المحافظ لقد أعجبني تصرفك المسئول والمبادر عندما أبلغت النائب العام ضد الأسر التي دفعت أطفالها للتسرب من المدارس .. وكنت أنتوي أن أشيد بقرارك الحكيم والمسئول في حينه.. ولكنه شغلتني الحياة والصيام ورمضان.. عن ذلك.. ومرة أخري عفواً يا صديقي الذي بات السوايسة لا يستغنون عنه ويترقبون خائفين كل حركة محافظين ولسان حالهم يكاد يهتف خلوا سيف جلال.. وأقول لك يا سيدي المحافظ وأن أكتب هذا المقال قبل العيد بثلاثة أيام كل سنة وأنت طيب يا معالي المحافظ. .. وأخيراً .. كم أتمني أن نصيب باقي السادة الوزراء والمحافظين.. عدوي القرارات الحكيمة والتصرفات المسئولة التي بادرت بها الوزيرة مشيرة والوزير درويش والمحافظ سيف جلال..