يقوم القومسيون الطبي، فرع النقراشي بالإسكندرية، مثل غيره من الفروع بعدة مهام: اعتماد الإجازات المرضية للموظفين، وتحديد نسبة العجز في حالات إصابات العمل، والحكم علي ما إذا كانت الإجازة بأجر كامل أو بنصف أجر أو بدون أجر. المبني قديم، وعلي المتردد عليه صعود سلالم ثلاثة أدوار عالية كي يصل إلي حجرة الكشف، وذلك لعدم وجود مصعد، وحيث يلزم ذهاب المريض بنفسه مهما كانت حالته الصحية: مريضا بالقلب أو معاقا أو خارجا من عملية جراحية، عليه أن يعاني صاعدا نازلا السلم المتهالك ربما لمعاونته في التخلص من آلامه، إلي الأبد، بنظام الرحلة ذات الاتجاه الواحد، بلا عودة وللمرء أن يتخيل مدي عذاب صاحب حالة خاصة تضطره الظروف لزيارة المبني.. يكفي أن أذكر أنني صاحبت الأخ عبدالوهاب صعودا ذات مرة، وعند المدخل كان هناك مواطن يجاهد للوصول إلي الحجرة المذكورة مستندا علي عكازين وانتهي عبدالوهاب من الكشف، وعند نزولنا كان المواطن لا يزال يكافح صعودا وكله عرق وربما دموع، بما يدعو المرء للتساؤل بكل تعجب: هل يستحيل تخصيص غرفة في الدور الأرضي لمثل تلك الحالة رحمة بالبشر؟ المهم عند نجاحك في بلوغ الطابق الثالث (بتاع الكشف) تجد مجموعة من ملوك (وليس ملائكة) الرحمة متربعين علي عدد من المكاتب، كلهم إحساس بالقرف (عذرا) من الأشكال التي تضايق جلساتهم وتقض مضاجعهم.. بما يمثل اقتحاما للخصوصية ومسا للمشاعر الرقيقة تبع سيادتهم ومن ثم يبدأون في معاملة المرضي بنوع من السادية، نسبة إلي المركيز الفرنسي المرحوم دي صاد، ضمن مسلسل كله قسوة وتعال باعتبار المريض خاصة من يطلب اعتماد إجازة: مدان حتي تثبت براءته. وفي حالة الإجازة يصمم القومسيون سالف الذكر علي أن تكون مكتوبة بصيغة محددة، حتي مع كونها معتمدة من جهة حكومية ومختومة بالختم الأزلي، والويل للمريض الذي يحمل إجازة تختلف فيها كلمة وربما حرف عن الصيغة المقدسة، حيث عليه العودة إلي مقر عمله، حتي مع كونه في إجازة كي يعود متسلقًا السلم بالنص المقدس، ولا يهم ضياع يوم إجازة مهما كانت حالة المريض، ويرفض الجهابذة الأطباء القيام بالكشف عن زائر يتعهد بالشرف أنه سوف يعود لهم بالنص القانوني الدستوري لطلب الكشف بعد ساعات كي لا يضيع دوره، بل واليوم بطوله. والمضحك هنا أن من يطلب اعتماد إجازة مرضية ولو ليوم واحد، ويكون ضمن موظفي التربية والتعليم، عليه قضاء اليوم، يوم الإجازة المرضي في الذهاب إلي القومسيون والعودة لمنزله، في نفس اليوم، ومرفوض نهائيا خرافة الزيارة المنزلية، وعلي المريض السفر إلي القومسيون ولو علي نقالة، وحجة قومسيون أبوالهول أو أبوالنكد في ذلك هو ضبط أولئك المدرسين اللئام والعفاريت كمان، الذين يسعون لأخذ إجازة مرضية عشان الدروس الخصوصية، وطبعا لا يهم هنا من وجهة نظر القومسيون وجود إداريين وعمال بل و5٪ عاهات في التربية بدون تعليم، المهم السلم والأدوار والمعاملة اللاآدمية. المضحك أكثر.. وهو ضحك كالبكا، أنه يتم الكشف عن المرضي جماعة كذا واحد واقفين وبينهم واحدة أحياناً قد يكون أحدهم عامل عملية.. وببساطة يشخط فيه الباشمهندس الطبيب: ارفع الهدوم، في وصلة من تجاهل مشاعر الحياء والخصوصية، المهم أن يتأكد الباشمهندس أن المتهم عامل عملية فعلا، يتضح ذلك من تكراره القول: وريني مكان العملية يا أسطي، وفي حالة تصميم المريضة علي رفاهية الخصوصية يقول الباشمهندس بكل عنف: ادخلي ورا الستارة، وهنا ضحك بدون بكاء، فالستارة تكشف أكثر مما تخفي، قصيرة وذات ثقوب تمر منها المريضة شخصيا. وقد شاهدنا هناك طبيبة في حجم رفيعة هانم قاعدة في حالة رحرحة بيتي توبخ وتؤنب وتسخر من المريض لأنه مش قادر يتحرك، باعتبار أنه يتدلل (مريض في حالة دلع) مع أنه يحمل مستند إجازة مرضية من طبيب ومن مستشفي حكومي وخاتم، وكله معتمد بعون الله وتوفيقه، كله تأمين صحي لكن هذا لا يفيد بما يذكرك بالبرنامج الإذاعي الذي كان يردد فيه المسئول عبدالروتين: ختم النسر مش واضح يا خويا، فوت بكرة يا سيد، مصلحتك مش عندي يا محترم، شوف مصلحتك يا مواطن، سمعني سلامو عليكو! وهلم إذلالا. أخيرا ولغويا، تعني كلمة قومسيون بإلانجليزية: تفويض أو لجنة أو عمولة أو ارتكاب (جريمة مثلا).. و.. لا أراكم الله مريضا في قومسيون لديكم.