نفحته مؤخّرا قناة الجزيرة زيارة خاصّة لاتبين مقاصدها أو أهميتها وفائدتها، ومن تابعها لم يجد فيها مايسترعي إلا التكرار لعروض ماحاول أن يشتهر به زغلول النجار فأساء إلي نفسه وإلي ما سماه الإعجاز العلمي في القرآن. طلع علينا الرجل فجأة منذ بضع سنوات، لم يكن قد سمع به أحد وبعد غياب طويل متنقّلا بين دول الخليج، جاء ليجرّب حظّه بعد أن هرب من مصر يحمل مرارة تسعة أشهر أمضاها في السجن الحربي وهي نصف ما أمضاه كاتب هذه السطور في نفس السجن ونفس الظروف. فقام هو يستغلّ حرّية الرأي في تكوين وعينا بوحي عقله الذي تكون في أحضان الإخوان المسلمين. أسوأ مايصدمك ليس هو إعلانه الذي ينفي عنه احتراز العلماء وفطنتهم، حين يعلن أنه يكافح وينافح من أجل وصول الإسلام إلي السلطة عن طريق الإخوان أو غيرهم! لكن يعتريك الخجل من أجل الرجل، حين سأله المحاور عن نتائج اكتشافاته، تحديدا اسم واحد، عالم أو رجل عادي هداه إبحار زغلول وراء تفسير الكلمات. يجيب الذي يرغب أن نثق فيه كعالم: لا أتذكّر الأسماء! أمن كثرتهم يادكتور؟ أم أنّ هذه حادثات يمكن أن تنسي؟ أم هو التجمل؟ ثم ماذا لو نطق باراك أوباما بالشهادتين أمام فيلمك الذي تري فيه قاع البحر والحمم البركانية تخرج من تصدّعاته تعتسف تفسيرا لعبارة "البحر المسجور"؟ ياسيدي! مالم يغير في أحوال مليار ونصف مليار مسلم يدينون بالإسلام وهوعدد غير بسيط، لماذا نتوقّع أن يغير الآخرين؟ ألصفات أفضل في هؤلاء الآخرين؟!جعلت الدنيا علي أيديهم تحيا في خضم تحول لاينتظر اكتشافاتك في الإعجاز العلمي تنسبه إلي تفسيراتك لكلمات القرآن الكريم. وبالفعل فقد تركوا لنا عبقرية تفسير الكلمات وانشغلوا هم بتفسير الواقع، وهانحن نحيا تطوّرا يجري الآن في داخلنا ومن حولنا، نتحوّل لنصبح ضربا من الكائنات يختلف عن كلّ ما ظهر قبلا، نصنع عالمًا مختلفًا، يفرض الحياة بطريقة مختلفة مغايرة لطريقة البشر منذ عدد محدود من الأجيال فما بالك بمن كانوا قبل 1500عام! لا يشق علي أن أكتشف أنّ العرب والمسلمين يجدون صعبا عليهم أن يتغيروا مع هذا التحول، والناشط في مجال الإعجاز العلمي في القرآن يسرد علي محاور الجزيرة، اللجان التي يشارك فيها في مصر والخليج وغيرهما. يعطّلنا تنازع حقيقي بين رؤية دينية يكونها الجيولوجي زغلول النجار وقد تشبع عقله بدعوة الإخوان يودون لو قدروا علي أسلمة كل ظاهرة، وبين الفكرة الديمقراطية العلمانية التي يسعي إليها المجتمع. يستمرّ صراع إيديولوجي وسياسي لا يمتّ بصلة للتعدّدية، ولايبين له حلاّ حقيقيا إلاّ بخطوات صحيحة علي طريق فصل الدين عن الدولة. دون ذلك سيظلّ يسعي هؤلاء وبشتّي الوسائل إلي توسيع اجتذاب الدهماء إلي فكرة الدولة الدينية. لايقتصر الأمر علي مسألة تطبيق الشريعة، إنّما يصطنعون نجوم النظر في متغيرات العصر علي أسس شكلية. ولديهم مقدرة لاتراعي أي تفكير أو تعقّل، علي الإدّعاء بأنّ كلّ ماعرفه الإنسان وما سوف يعرفه منوّه عنه في كتاب الإسلام المقدّس، وكفي الله المسلمين عناء البحث ومشقّة التفكير. لايمكن أو يصعب أن يخرج في ظلّ هذا الانهماك ديمقراطيون حقيقيون ولا باحثون وعلماء متجرّدون. ورغم كلّ ماوجّه إليه من نقد، حين تعقّب ضحايا تسونامي بالتشويه، فلا يزال يجيب عن أنّ الزلازل والبراكين من جنود الله لمعاقبة العصاة الفجرة! جري طويلا في الندوات وعلي القنوات يقضي في حقّ الضحايا بأنّهم استحقوا لعنة الله فأغضب عليهم قاع المحيط الهندي وزلزله، ليغرقهم بأعاصيره وطوفانه يستبد في مجادلة حتي هؤلاء الذين تخصصوا وأصبحوا دكاترة في تفسير القرآن الكريم. يستخف بعقولنا. ومنظار هابل لا ينقل لعيوننا إلا التفجرات والثقوب السوداء وابتلاع النجوم والاصطدامات وألسنة اللهب بطول السنين الضوئية. وماذا عن الزلزال يضرب أرض الجمهورية الإسلامية في إيران؟ ولم يمض علي حديثه الفياض ذاك سوي سواد ليل حتي وصلتنا أخبار كارثة فيضان باكستان، وكل طفل يعرف أن سكانها كلهم تقريباً من المسلمين.. وربما يختفي علي أرضها أيضاً أسامة بن لادن منقذ العصر للإسلام والمسلمين! وماذا عما يعانيه الشعب الأفغاني؟ هل هو أيضاً عقاب من الله بما كسبته أيدي طالبان وزراعة الأفيون؟ والشعب العراقي هل يصب عليه العذاب بما كسبت أيدي صدام؟ ويا تري ماذا يقول عن كوارث الشعب الفلسطيني؟ يكون الوقت قد ضاع علي أجيالنا في مثل هذه المعارك التي تفقد تشويقها. [email protected]