أواصل تعليقاتي علي الكتاب الخطير والأخير للشيخ القرضاوي حول فقه الجهاد حيث يقول في ص1047 ج2: ”إذا كان المنكر من جانب الحكومة فمن الذي يزيل هذا المنكر عند القرضاوي؟”. وفي ص0501 ج2: يحدد القرضاوي القوة التي تزيل المنكر ألا وهي الجماهير الشعبية العارمة علي حد وصفه، والتي أعطاها حق الحكم علي الحكام بالردة كما ذكرت ذلك في المقال السابق فالقرضاوي بكلامه هذا جمع بين فرقتين من فرق الخوارج الأولي التي تري الخروج علي الحكام بالسلاح وهو ما عبر عنه في ص9401، ثم ثنَّي بالفرقة الثانية من فرق الخوارج ألا وهم خوارج القَعَدَة وهم الذين يحثون الناس علي الخروج المسلح إلا أنهم لا يخرجون وهم من أخبث فرق الخوارج، والرد الشرعي علي تلكما الفرقتين اللتين عبّر عنهما الشيخ القرضاوي في صفحتي 9401، 0501 علي النحو التالي: إن المقرر عند أهل السنة والجماعة الصبر والسمع والطاعة في غير معصية علي الحكام وإن جاروا وظلموا، لأن الخروج عليهم مفسدته أعظم لما يترتب علي ذلك من رفع السلاح وسفك الدماء وإشعال نار الحروب الأهلية وقد جاءت الأدلة واضحة في وجوب الصبر علي جور الحكام وعدم نزع اليد من طاعتهم وهاك بعض الأدلة: 1- قال تعالي: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) “آل عمران: 301”. 2- قال تعالي: ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) “آل عمران: 501”. 3- قال تعالي: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) “الأنعام: 351”. ومن الأحاديث الصحيحة التي وردت في لزوم الجماعة والتحذير من الفرقة والخروج علي السلاطين والحكام ما ذكره الإمام أبو عبدالله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري المتوفي في سنة 783ه في كتابه “الإبانة” ما يلي: 1- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: “ترك السنَّة الخروج من الجماعة”. 2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم “من ترك الطاعة وفارق الجماعة ثم مات فقد مات ميتة جاهلية”. 3- وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: “من خلع يده من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”. 4- وعنه -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: “إنها ستكون هنّات وهنّات فمن جاءكم يفرق بين جماعتكم فاضربوا عنقه كائنًا من كان”. 5- وروي الشيخان عنه -صلي الله عليه وسلم- قال: “علي المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤْمَر بمعصية فإن أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة”. والأحاديث في لزوم الحاكم المسلم وطاعته في غير معصية وعدم الخروج عليه ومنازعته الأمر كثيرة تصل إلي حد التواتر ولقد سقت في كتابي “الخوارج دعاة علي أبواب جهنم” أدلة شرعية جاوزت الثلاثين دليلاً تحرم الخروج علي الحكام المسلمين ولقد جمعت أكثر من عشرين قول إمام من أئمة أهل السنَّة يحرمون الخروج علي الحكام وإن ظلموا ولمن شاء المزيد فليرجع إلي كتابي المذكور، وها أنا أذكر بعض كلام الأئمة تناسب هذا المقام علي النحو التالي: 1- يقول الإمام أحمد “والسمع والطاعة للأئمة (الحكام) وأمير المؤمنين البر والفاجر، ويقول رحمه الله في كتابه أصول السنَّة “ولا يحل قتال السلطان (أي الحاكم) ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل فهو مبتدع علي غير السنَّة والطريق”. 2- وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري ج31 ص63 “والدعاة علي أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم”. 3- وقال الأشعري في كتابه “مقالات الإسلاميين” إن أهل الحديث اتفقوا علي أن السيف (أي استخدام السلاح في تغيير السلطة) باطل ولو قتل الرجال وسبيت الذرية وأن الإمام (الحاكم) قد يكون عادلا ويكون غير ذلك وليس لنا إزالته وإن كان فاسقًا وأنكروا الخروج علي السلطان”. 4- قال ابن تيمية رحمه الله “أمر النبي -صلي الله عليه وسلم- بالصبر علي جور الأئمة ونهي عن قتالهم ما أقاموا الصلاة ويقول ابن تيمية إن المشهور من مذهب أهل السنَّة أنهم لا يرون الخروج علي الأئمة وقتالهم بالسيف. 5- وقال الطحاوي في عقيدته: “ولا نري الخروج علي أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدًا من طاعتهم”. 6- وقال النووي: “وأما الخروج عليهم (أي الحكام) وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين”. 7- وقال القرطبي “والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر علي طاعة الإمام الجائر أولي من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي السفهاء وشن الغارات علي المسلمين والفساد في الأرض”. ولمزيد تفصيل فيما نُقل عن أئمة أهل السنة والجماعة من السلف الصالح يراجع كتابي (الخوارج دعاة علي أبواب جهنم)، وبعد هذا البيان الشرعي الواضح يظهر للعيان أن دعوة القرضاوي للعوام أو القوات المسلحة لتحقيق مطالب أو مصالح شرعية والتي منها كما ذكر تكفير عين الحكام إنما هي دعوة لا ترتبط بشرع ولا بمنهج أهل السنة وإنما ترتبط بهوي ومنهج الخوارج في القديم والحديث، حيث لا يعرف الإسلام ثورة احتجاج أو ثورة استئصال لنظام وإنما يعرف الإسلام الدعاء للحكام والصبر عليهم ومناصحتهم بالتي هي أحسن وبالوسائل الشرعية التي تحقق الأغراض الشرعية بلا تشنيع أو اتهام ليتحقق الغرض من النصح بعيدًا عن المآرب السياسية وفي هذا القدر من الرد علي هذه المسألة الخطيرة ما يكفي، ولكن يبقي تساؤل مهم خطير حيث نُشر -إن صح الخبر- تعيين القرضاوي عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية والرجل أحد دعاة خوارج العصر فكيف يحدث ذلك في المؤسسة الرسمية الشرعية؟! وقيل إن أحمد شوقي الفنجري والذي ينكر أحاديث صحيحة متفقًا عليها عضو بنفس المجمع فكيف يستقيم ذلك ونحن بصدد تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم؟ أما من يعترض علي ما سقته فليأت بالبرهان علي صحة دعواه وأني له هذا فالمسألة محسومة عند أهل السنة قديما وحديثا. وللحديث بقية..