في منتصف مشواري الصحفي كنت أعلم أن في مصر 34 مليون لغم مزروعة في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية وجزيرة سيناء. وفي عام 1991 علي وجه التحديد كانت القوات المسلحة قد نجحت ابتداء من عام 1981 في إزالة 11 مليون لغم في الصحراء الشرقيةوسيناء. الآن.. اكتشفت أن النجاح المصري الوحيد في ملف إزالة الألغام حققته القوات المسلحة .. أما الجهات المسئولة الأخري في البلاد فقد تعاملت مع هذا الملف كما تتعامل البيروقراطية المصرية العتيقة مع أي ملف آخر خطير وحيوي.. عملت القوات المسلحة اللي عليها.. أما تلك الجهات فلم تعمل للأسف.. ما عليها.. وتركت 21٪ من مساحة أرض مصر مزروعة بالألغام.. بكام لغم. ب23 مليون لغم.. كل لغم من دول قابل للانفجار في أي لحظة. ولقد شعرت بأسي وحسرة عندما عرفت منذ أيام أن مصر أصبحت البلد رقم (2) بعد انجولا من حيث عدد الألغام. وحتي تعرف أكثر دلالة هذا الترتيب المتقدم الذي أحرزناه ( وليتنا أحرزناه في كأس العالم مثلاً) يكفي أن أذكر لك أنه يوجد في العالم كله 110 ملايين لغم أي والله مائة مليون وعشرة ملايين لغم فوقهم.. هل أدركت ما أريد أن أقوله.. لا تنسي أن في مصر الآن 23 مليون لغم .. هل وصلتك الرسالة؟ كلنا عارفين أن ضحايا هذه الألغام من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتي الآن زادوا علي 8635 ما بين قتيل وجريح. وكلنا عارفين أن هذه الألغام عطلت استثمار خمس مساحة البلد حيث كان بالإمكان استثمار 3 ملايين فدان صالحة لكل شيء.. للزراعة والرعي وللثروة الحيوانية والصناعات الزراعية.. وكلنا عارفين إنه لو أزيلت هذه الألغام سيكون بامكاننا أن نزرع مليون فدان في الصحراء الغربية والساحل الشمالي قمح وحبوباً نستوردها في الوقت الحاضر بأعلي الأسعار وبالشروط التي ربما لا تناسبنا. ولكن ما باليد حيلة. وكلنا يعرف أن تكاليف إزالة كل هذه الألغام التي زرعتها ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا في الصحراء الغربية والساحل الشمالي أثناء الحرب العالمية الثانية.. واسرائيل أيضاً في جزيرة سيناء في سنوات ما بعد 1967 وحتي 1973 .. والتكاليف الكلية لا يقدر عليها بلد واحد لاسيما أن إزالة اللغم الواحد تقدر بين مائة دولار وألف دولار في بعض الأنواع الأكثر خطورة.. وإذا كنا جميعاً نعلم كل هذا .. فماذا فعلنا حتي الآن في قضية كتلك التي عطلت ومازالت تعطل تنمية واستثمار أكثر من 20٪ من أرض مصر.. لو اطلق سراحها فسوف تصبح مصر في وضع آخر أفضل وأحسن وأعظم غير الذي نحن فيه الآن. في ملف الألغام هناك بعض من يطيب له أن يقول إن هناك منحاً ومعونات حصلت عليها الحكومة من بعض البلدان الأوروبية التي زرع جنودها منذ 67 عاماً تلك الألغام.. ولكن من يدقق في حقيقة تلك المنح وهذه المعونات سيكتشف بسهولة أنها مجرد ملايين قليلة مقارنة بمليارات الدولارات اللازمة لإزالة ال32 مليون لغم.. والمؤسف أن يطلق هذا البعض إشارات وتلميحات ملغمة بأن هذه المنح والمعونات أنفقت كلها علي المستشارين والخبراء الذين يتولون ملف الألغام.. وضاعت هذه المنح والمعونات علي اجتماعات اللجان ومكافآت الخبراء ووضع الخطط اللولبية لكيفية إنقاذ البلاد من شرور هذه الألغام!. لا أريد أن أصف ما قاله هذا الفريق بأنه أشبه بأن يكون حديث الإفك.. ولا أهدف إلي تسفيه المنطق الذي منه نطلقون.. بل إنني وعلي العكس تماماً أتصور أن الشفافية مطلوبة بشدة في إدارة هذا الملف الخطير.. وبهذا التوصيف أتصور أن يخرج علينا، من يتولون ملف الألغام.. ليعلنوا للجميع: هذا ينجنا فيه.. وهذا ما فشلنا فيه. لقد تباينت التقديرات في شأن تكلفة إزالة هذه الألغام.. هناك من قال إن التكلفة تصل إلي 6 مليارات دولار، وهناك من قدرها ب052 مليون دولار فقط.. وبالطبع يتوه المرء ما بين هذه المليارات وهذا الربع مليار.. وتقديري أن بإمكان السفيرة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي التي يدخل هذا الملف من بين مهامها.. أقول بيد هذه الوزيرة النشطة أن تدلنا بشجاعتها المعهودة علي أي الرقمين هو الصحيح. ولعلي هنا أنتهز هذه الفرصة السانحة لكي أطرح السؤال التالي علي الوزيرة إلي أين وصلت مصر في محاولاتها الدبلوماسية والدولية لكي تتحمل الدول الكبري مسئولية نزع الألغام التي زرعتها علي نفقتها الخاصة!. وأردف بسؤالي السابق سؤالاً آخر: وما هو النجاح الذي تحقق في شأن مطالبة هذه الدول بدفع تعويضات عادلة للدولة المصرية جزاء عما اقترفته تلك الدول في حق مصر حين زرعت الألغام منذ 76 عاما.. وعطلت استثمار الأرض الملغومة طوال هذه الفترة.. ناهيك عن قرابة ثمانية آلاف قتلوا وأصيبوا جراء هذه الألغام التي لا يعرف بخرائطها حتي الآن إلا من زرعوها. أعلم أن هناك ألغاماً سياسية في ملف الألغام التي عطلت خطط التنمية لوقت طويل.. ولكنني أعلم أيضا أن وزيرة فاهمة ومتمرسة أثبتت جدارتها وأكدت قدراتها مثل السفيرة فايزة أبوالنجا بمستطاعها أن تحقق انجازات أكبر صدي في هذا الملف الخطير.. وبإمكانها أن تحرز نجاحات غير متوقعة مادام ظل هذا الملف الخطير علي مكتبها في مكان ظاهر لا تخطئه العين صباحا ومساء. لست مبالغا حين قلت ما قلت في سطوري السابقة في حق هذه الوزير البورسعيدية النشطة التي تستحق بالفعل أن نطلق عليها وزيرة بمائة رجل. ولعلي كذلك لن أكون مبالغا حينما أقول إن الكثيرين ممن يستبشرون خيرا من الوزيرة يرونها ومعهم كل الحق نغم فريد.. وبوصفي من آحاد الناس المتطلعين بلهفة وأمل إلي اليوم الذي نرتاح فيه من كل لغم زرعه الأعداء في ربوع البلاد.. وأقول بتلك الصفة أرجو ألا يراني أحد متزيدا أو مبالغا عندما أطلت النظر في عمق هذا الملف الخطير.. ورأيت داخله الوزيرة فايزة كمثل نغم.. ينقذ حياتي.. وليس لغماً في حياتي!.