منظمات المجتمع المدني لها دور لا ينكر في الجهود المبذولة حالياً لتحقيق التنمية البشرية.. وقد استطاعت هذه المنظمات في العقدين الأخيرين علي وجه الخصوص أن تؤكد أن القطاع الأهلي أو المدني قادر علي المشاركة الفعالة في تحقيق الأهداف القومية.. ورغم أن تاريخنا يشير إلي أن تجربتنا في مجال العمل الاجتماعي والأهلي ثرية، غير أن هناك سنوات شهدت تراجعاً في دور الجمعيات الأهلية، ومع عودة الحياة والانتعاش لهذا القطاع ظهرت العديد من المشكلات والمعوقات بعضها تشريعي وقانوني، وبعضها الآخر تنظيمي وتمويلي، والبعض يتصل بقدرات العاملين بهذه الجمعيات. وعلي مدي سنوات استطاعت الشبكة العربية للمنظمات الأهلية التي بدأت نشاطها من عام 1997 أن تسهم بدور لا ينكر في يناير قدرات المجتمع المدني في الوطن العربي من خلال جميع الأنشطة والبحوث والبرامج التدريبية والمؤتمرات وورش العمل والحلقات النقاشية التي قامت بتنظيمها.. وفي هذا الإطار أصدرت الشبكة سلسلة ممتازة من الكتيبات المفيدة جداً في إطار بناء قدرات المجتمع المدني العربي بالتعاون مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأممالمتحدة (الاجفند) ، وتقدم من خلال هذه الكتيبات مجموعة من المعارف والمعلومات الأساسية، وبلغ عددها ثمانية كتيبات، قامت بإعداد سبعة منها د. أماني قنديل المدير التنفيذي للشبكة.. تلك الإنسانة الجادة التي اختارت منذ أكثر من عشر سنوات أن يكون العمل الأهلي وتطويره قضيتها الأساسية واهتمامها الأول. وتتناول هذه الكتيبات موضوعات مهمة جداً: - الإدارة الفعالة لمنظمات المجتمع المدني. - التخطيط الاستراتيجي في منظمات المجتمع المدني - تقييم منظمات المجتمع المدني - الإعلام والمجتمع المدني شركاء في التنمية - تعزيز الدور التنموي لمنظمات المجتمع المدني - توظيف تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لتطوير أداء منظمات المجتمع المدني. - العمل الحقوقي والتأثير. - إعداد المشروعات. وقد أعجبتني فكرة هذه المجموعة من الكتيبات التي لا يزيد عدد صفحات كل كتاب منها علي 24 صفحة، تقدم مفاهيم أساسية بشكل بسيط وواضح ومحدد.. يمكن لأي مهتم ومعني بقضايا المجتمع المدني أن يستفيد منها وما تطرحه من أفكار.. فالكتاب الأول يوضح مفهوم الإدارة الفعالة لمنظمات المجتمع المدني، ويطرح بعض المفاهيم المتداولة ورغم ذلك فقد يكون هذا المفهوم غامضاً لدي البعض مثل الإدارة الرشيدة للحكم أو الحكم الرشيد، مفهوم المسئولية الاجتماعية، ويؤكد الكتيب أن الإدارة الفعالة هي تلك التي تنجح في تعبئة مواردها البشرية والمادية في إطار عمل جماعي منظم له لتحقيق الأهداف التي تتبناها المنظمة بهدف إحداث تغيير نتطلع إليه، مع الحرص علي أن يكون الانفاق رشيداً، مع جودة المخرجات واحترام قواعد المحاسبية والشفافية وحرية تدفق المعلومات. واهتم هذا الكتيب بموضوع مهم أيضاً وهو كيفية تفعيل مجالس إدارات الجمعيات الأهلية في ضوء احترام قيمة العمل الجماعي وتوزيع الأدوار والتوافق حول القضايا الرئيسية والتخطيط الاستراتيجي واعتماد المشاركة كمنهج والمساءلة والمحاسبية والشفافية وارساء ثقافة العمل التطوعي. وتعرض الكتيب الثاني لموضوع مهم بالنسبة لكل منظمة أو مؤسسة وهو التخطيط الاستراتيجي لبرامج ومشروعات منظمات المجتمع المدني باعتباره عملية منظمة يتم من خلالها تحقيق توافق بين الأطراف المعنية بالبرامج والمشروعات حول الأولويات الجوهرية التي ترتبط برسالة هذه المنظمة Mission وفي ذات الوقت الاستجابة للبيئة المجتمعية ومطالبها. والتخطيط الاستراتيجي يساعد منظمات المجتمع المدني في اختيار قضية واحدة أو اثنتين ضمن أولويات القضايا المتعددة من خلال المناقشة والحوار لكل البدائل، وهذه مسألة مهمة، حيث يعاني مجتمعنا بشكل عام من كثرة القضايا والمسائل المطروحة والجديرة باهتمامنا، غير أننا عادة نعمل عليها بأسلوب اطلاق رصاصات طائشة هنا وهناك، وقد تصيب وقد تخيب، كما أننا غالباً ما تتسم جهودنا بالموسمية وعدم الاستمرارية واحياناً عدم المتابعة والتقييم، مما يترتب عليه اهدار طاقتنا وجهدنا ومواردنا، ولا نستطيع تحقيق النجاحات المأمولة أو الأهداف المنشودة.. ومن الكتيبات المهمة أيضاً التي تضمها هذه الحزمة التي حملت عنوان "سلسلة بناء قدرات المجتمع المدني "كتيب بعنوان الإعلام والمجتمع المدني شركاء في التنمية، خاصة في ظل الفرص التي اتاحتها ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات أمام منظمات المجتمع المدني من خلال الفضائيات والانترنت، والتي فتحت أمامنا - كما تقول د. أماني قنديل صاحبة هذا العمل المتميز - آفاقاً واسعة للتواصل والتفاعل بين البشر وبين القضايا العالمية وأهمها مكافحة الفقر واحترام حقوق الإنسان والتدفق الحر للمعلومات. ولكن المشكلة هي ضرورة النظر للمسئولية المشتركة بين الإعلام بجميع صوره التقليدية والجديدة ومنظمات المجتمع المدني ومن هنا لابد أن يتم التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام كشريك رابع ( القطاع الحكومي، القطاع الخاص، القطاع الأهلي، الإعلام) وليس كمجرد وسيلة لتغطية أنشطة هذه القطاعات والتعامل معها سواء بمجرد ابرازها وتسليط الضوء عليها أو الدفاع عنها وتبريرها أو الهجوم علي بعض السياسات والخطط والبرامج ونقدها. ومن المهم هنا أن يتبني الطرفان ( المجتمع المدني، الإعلام) مفهوم المسئولية الاجتماعية الذي يبلور العلاقة بين الفرد والمجتمع، ويرسي مفهوم استناد النشاط الإنساني والمهني إلي عدم الإضرار بالآخرين، واتخاذ سلوك إيجابي لتحسين نوعية الحياة والنهوض بالمجتمع، والمسئولية الاجتماعية تقوم علي العمل الإداري أو الاختيار لتحمل مسئوليات ازاء تعزيز منظمات المجتمع المدني. وقد أكد هذا الكتيب علي عدد من الأمور التي يمكن أن تحقق التفاعل الإيجابي بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني منها: 1- الفهم المتبادل من جانب كل طرف للآخر. 2- تدفق المعلومات بين الطرفين. 3- توافر المهنية. 4- التأكيد علي مجموعة من القيم أهمها قيمة العمل الجماعي، قيمة التطوع، قيمة المسئولية الاجتماعية قيمة المشاركة، قيمة الشفافية والحوار. 5- وجود مناخ سياسي وتشريعي يحقق الحرية المسئولة للتعبير عن الرأي والعمل في بيئة داعمة للشركاء والإعلام في هذا الصدد يستطيع أن يبرز قيمة المجتمع المدني وأهمية دوره كشريك في تحقيق التنمية البشرية وتعميق الوعي المجتمعي بقضاياها، وأن يؤكد قيمة المشاركة بين الإعلام والمجتمع المدني للدفاع عن الحقوق والحريات ومناصرة الفئات الضعيفة في المجتمع. ولاشك أن الإعلام أصبح شريكاً حقيقياً، ومقترناً بجميع قضايا المجتمعات مثل التنمية ومكافحة الفقر، الملكية الفكرية، التنوع الثقافي، الابعاد الأخلاقية لعملية تدفق المعلومات وإدارة الإنترنت. وطرح الكتيب عدداً من الآليات لتحقيق هذه الشراكة منها: آليات تحقق تدفق المعلومات والمعرفة بكل شفافية. استقطاب عضوية الإعلاميين المتميزين والنشطاء القادرين علي مساندة المجتمع المدني من خلال نشر المعلومات عن عملهم التنموي والحقوقي. تأسيس منظمة مدنية تسعي إلي توسيع نطاق النشر وتدفق المعلومات حول الأعمال التطوعية والإدارة المتميزة. قيام منظمات المجتمع بتوفير المعلومات وتحديثها باستمرار للإعلاميين. تنظيم برامج مشتركة لبناء القدرات من خلال دروس العمل وتأسيس مواقع اليكترونية وبناء قواعد معلومات أو بيانات عن نشطاء الإعلاميين في مجال قضايا المجتمع المدني. مرة أخري نخبة خاصة لتلك المبادرة المهمة، واتمني أن يستفيد بها المهتمون بالعمل الأهلي وكذلك الإعلاميون.