منذ ما يقرب من عشر سنوات أصدرت وزارة الأوقاف قرارًا يمنع من يتبرع ببناء مسجد على أرضه من تعيين أقربائه أو معارفه فى المسجد بعد أن تبين أن أكثر من 90٪ من المتبرعين يلجأون لهذه الحيلة من أجل تعيين أقربائهم مقابل التبرع بأرض المسجد التى لا تساوى ثمن أجر ثلاثة عمال فى عام واحد¡ خاصة أن الوزارة تبين لها أن هذا الأمر تحول ل«سبوبة» كبيرة فى القرى والنجوع لدرجة أن إحدى القرى فى محافظات الصعيد خلال خمس سنوات تم بناء أكثر من مائة مسجد بهذه الطريقة منها مساجد لا يتردد عليها أحد للصلاة فيها وأن أغلب العاملين لا يجدون من يؤمهم فى الصلاة والبعض الآخر اختصر الأمر وقام بإغلاق المسجد ولا يذهب إليه إلا مرة فى الأسبوع للتوقيع فى دفاتر الحضور والانصراف والبعض منها تم بناؤه فى أرض زراعية. وبعد أن استطاعت وزارة الأوقاف السيطرة على الأمر وأوقفت هذه المهزلة التى كان يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة فى السيطرة على المساجد، بدأت ظاهرة جديدة أكثر فسادًا من الظاهرة السابقة وقامت بالالتفاف على القوانين واللوائح وبدأت تعلن عن بناء مساجد بشكل عشوائى عن طريق جمعيات خيرية تروج لنفسها على القنوات الفضائية وعن طريق السوشيال ميديا تطالب المواطنين بالتبرع لبناء مساجد فى النجوع والقرى النائية وتستعين بشيوخ البعض منهم معروف ويحصل على أموال ضخمة مقابل الظهور فى الإعلان والبعض الآخر مجهول لكنه يجيد فن إقناع المواطنين من أجل التبرع بالأموال لبناء المساجد التى يصورونها وهى فى مرحلة البناء، هؤلاء جميعًا افتقدوا إلى الضمير والأخلاق الإنسانية، فالمعروف أن أغلب القرى والنجوع فى مصر لا تحتاج إلى بناء المساجد فما أكثرها فى كل مكان، ولكن هذه الجمعيات تستطيع أن تعزف على الوتر الدينى الحساس للمواطنين من أجل الحصول على أموالهم من أقصر طريق ولو كانت هذه الجمعيات وهؤلاء الشيوخ من أصحاب الضمائر الحية لسارعوا بمناشدة المواطنين بالتبرع لبناء مدرسة أو وحدة صحية أو مراكز غسيل كلى أو فصول لمحو الأمية فهى أكثر فائدة وأكثر نفعا لأهل القرى والنجوع التى لا تجد فصلًا واحدًا لتعليم أبنائها أو غرفة واحدة لعلاج مرضاهم أو طريق ممهد للسير فيه أو حتى وحدة بيطرية لتحصين الماشية وعلاج حيواناتهم التى إن مرضت لا تجد من يعالجها أو يحصنها لبعد المسافات بين القرى والمدن أو القرى التى بها وحدة بيطرية، ولكن الواقع يقول إن هؤلاء منعدمو الضمير يبدأون حديثهم بأن من تبرع لبناء مسجد بنى الله له بيتا فى الجنة، مما يجعل عددا كبيرًا من المواطنين يسارعون بالتبرع ظنا منهم أن الأمر حقيقى وأن هناك قرى ونجوعا لا يوجد بها مساجد وهم يثقون فى شخصية هذا الرجل الأزهرى الذى يقف أمام الكاميرا مناشدا أهل الخير بسرعة دفع أموالهم لبناء المسجد، والحقيقة غير ذلك تماما هؤلاء المشايخ يتعاطون أموالًا طائلة للظهور أمام الكاميرا مقابل هذا الإعلان وهذه الجمعيات تجمع أموالا طائلة أيضا ولا يعلم أحد أين تذهب فبناء مسجد لا يحتاج إلى هذا الكم من الإعلانات التى تجلب الملايين¡ وعلى الجهات المسئولة أن تحدد شروط بناء المساجد وأن تحدد شروط الإعلانات وأن تمنع رجال الدين أن يظهرها بهذا الشكل العشوائى فى إعلانات مدفوعة الأجر من أجل حث المواطنين للتبرع بأموالهم لهذه الجمعيات التى لا تحسن استخدامها فكلنا نعلم أن القرى والنجوع فى مصر تحتاج إلى مدارس ووحدات صحية وفصول محو أمية ووحدات بيطرية، تفيد القرية أكثر بكثير من بناء مسجد فى قرية بها عشرات المساجد العامرة بأهلها وناسها. حفظ الله مصر قيادة وشعبًا وجيشًا.