"شعبة الدواجن": انخفاض أسعار الدواجن والبيض ل35%    عاجل الإحتلال يطالب بتفويض واسع لقوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة وفق البند 7 من مجلس الأمن    غيابات تضرب معسكر المنتخب.. كيف يتعامل حسام حسن مع أزمة ال11 لاعبًا قبل مواجهة كاب فيردي؟    ضبط مخالفات مرورية وإزالة إشغالات في حملة بالمهندسين    سفير مصر بروما: افتتاح المتحف الكبير أحدث صدى في إيطاليا    البرازيل: الرسوم الأمريكية على البن واللحوم والفواكه الاستوائية تبقى عند 40% رغم خفض ترامب لبعض الضرائب    جميع المتأهلين لدور ال16 في كأس العالم للناشئين وموعد المباريات    وزير الصحة يشارك في حوار عن الثقافة والرياضة والهوية الوطنية    مجموعة مكسيم للاستثمار راعٍ بلاتيني للمؤتمر العالمي للسكان والصحة PHDC'25    المشاط: الاستثمار في رأس المال البشري ليس إنفاقا.. وهناك بعد تنموي لكل جنيه يُوضع    المتسابق محمد محفوظ لدولة التلاوة: رحلتى مع القرآن بدأت فى سن 7 سنوات    اختتام المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يعلن التوصيات ويحدد موعد النسخة الرابعة    كولومبيا توقع عقدًا لشراء 17 طائرة مقاتلة من طراز "جريبين" من شركة ساب السويدية    مجلس الوزراء يستعرض كيف تحولت تلال الفسطاط من بؤرة للمخلفات إلى واجهة حضارية    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    أسامة ربيع: أكثر من 40 سفينة تعبر قناة السويس يوميًا    أسباب الانزلاق إلى الإدمان ودوافع التعافي.. دراسة تكشف تأثير البيئة والصحة والضغوط المعيشية على مسار المدمنين في مصر    الأرصاد: تحسن في الطقس وارتفاع طفيف بدرجات الحرارة نهاية الأسبوع    (كن جميلًا ترَ الوجودَ جميلًا) موضوع خطبة الجمعة المقبلة    سلة - قبل مباراة الفريق الأول.. مرتبط الأهلي يفوز على سبورتنج ويتأهل لنهائي الدوري    رامي عيسي يحصد برونزية التايكوندو في دورة ألعاب التضامن الإسلامي 2025    مؤتمر جماهيري حاشد ل"الجبهة الوطنية " غدا بستاد القاهرة لدعم مرشحيه بانتخابات النواب    محافظ الدقهلية خلال احتفالية «المس حلمك»: نور البصيرة لا يُطفأ ومصر وطن يحتضن الجميع| فيديو    استشاري أمراض صدرية تحسم الجدل حول انتشار الفيروس المخلوي بين طلاب المدارس    "رويترز": لبنان يعتزم تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي بشأن الجدار الحدودي الإسرائيلي    تعديلات منتظرة في تشكيل شبيبة القبائل أمام الأهلي    رواتب تصل ل 45 ألف جنيه.. وظائف جديدة في محطة الضبعة النووية    عاجل خبير أمريكي: واشنطن مطالَبة بوقف تمويل الأطراف المتورطة في إبادة الفاشر    وزير الصحة يشهد إطلاق الأدلة الإرشادية الوطنية لمنظومة الترصد المبني على الحدث    الليلة الكبيرة تنطلق في المنيا ضمن المرحلة السادسة لمسرح المواجهة والتجوال    قضية إبستين.. واشنطن بوست: ترامب يُصعد لتوجيه الغضب نحو الديمقراطيين    حبس والدى طفلة الإشارة بالإسماعيلية 4 أيام على ذمة التحقيقات    عملات تذكارية جديدة توثق معالم المتحف المصري الكبير وتشهد إقبالًا كبيرًا    الزراعة: تعاون مصري صيني لتعزيز الابتكار في مجال الصحة الحيوانية    القاهرة للعرائس تتألق وتحصد 4 جوائز في مهرجان الطفل العربي    الداخلية تكشف ملابسات تضرر مواطن من ضابط مرور بسبب «إسكوتر»    جنايات بنها تصدر حكم الإعدام شنقًا لعامل وسائق في قضية قتل سيدة بالقليوبية    جامعة قناة السويس تنظم ندوة حوارية بعنوان «مائة عام من الحرب إلى السلام»    سفير الجزائر عن المتحف الكبير: لمست عن قرب إنجازات المصريين رغم التحديات    موعد مباراة تونس ضد النمسا في كأس العالم تحت 17 عام    التعليم العالي ترفع الأعباء عن طلاب المعاهد الفنية وتلغي الرسوم الدراسية    بيان رسمي.. تفسير جديد لاستبعاد معلول من ودية تونس والبرازيل    عاجل| «الفجر» تنشر أبرز النقاط في اجتماع الرئيس السيسي مع وزير البترول ورئيس الوزراء    أسماء مرشحي القائمة الوطنية لانتخابات النواب عن قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    الشرطة السويدية: مصرع ثلاثة أشخاص إثر صدمهم من قبل حافلة وسط استوكهولم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    طريقة عمل بودينج البطاطا الحلوة، وصفة سهلة وغنية بالألياف    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    نقيب المهن الموسيقية يطمئن جمهور أحمد سعد بعد تعرضه لحادث    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    نانسي عجرم تروي قصة زواجها من فادي الهاشم: أسناني سبب ارتباطنا    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صوت الشارع
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 17 - 09 - 2025

فى فيلم «خرج ولم يعد» وقف عطية «يحيى الفخراني» يصرخ بصوت عالٍ: «جايلك، جايلك يا أحمد يا عدوية»، باعتباره رمزًا فى ذلك الوقت للفوضى وطغيان العشوائية وتراجع الأصالة التى تاهت وسط الزحام، كان ذلك إنذارًا أطلقه المخرج محمد خان قبل أربعة عقود، لكنه بدا إنذارًا خاطئا مقارنة بما نعيشه اليوم، فالآن وجب أن نطلق كل آلات التنبيه والتحذير فى مواجهة ظاهرة «المهرجانات» التى غزت حياتنا، مثلما غزا التوك توك شوارعنا.
أينما ذهبت تلاحقك الأغانى، فلا حاجة إلى جهاز راديو، من ميكروباص مزدحم يصرخ فيه مطرب مهرجانات، إلى قهوة بلدى لا يزال صاحبها يسمع أم كلثوم كأنها تذكير خافت بزمن آخر.. بين هذا وذاك يتأرجح مزاج الناس، خليط من الحنين إلى رومانسية الصوت العذب، والصخب الذى يفرض نفسه كقدر لا مهرب منه، وربما لا نملك إلا أن نضحك فى سرّنا ونقول: «هى دى بقى الفوضى الخلاقة».
وفى مواجهة هذا الصخب اليومي، يظل الفن الكلاسيكى صامدًا، حاملًا رسالته الخالدة التى تهذب الروح وترتقى بالوجدان.. لقد جاءت أنشودة الفن التى شدا بها محمد عبدالوهاب، وبلغت ذروتها بصوت ليلى مراد، لتكون بمثابة بيان إنسانى خالد عن رسالة الفن، ودوره فى تهذيب الروح وارتقاء الوجدان، ففى قولها: «الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها» تتجلى صورة الفن كضوء يبدد عتمة الحياة، وكزينة تُغرى العيون وتفتح أبواب الأمل، وهكذا يصبح الفن، فى هذا «المانفستو»، أكثر من مجرد متعة عابرة، إنه رسالة راقية تغذى الذوق العام، وتهذب السلوك، وتفتح أمام الإنسان آفاقًا من السمو والجمال، فالفنان الحقيقى لا يسعى وراء الشهرة وحدها، بل يترك أثرًا خالدًا يتجاوز حدود اللحظة ليبقى مع الزمن.
لم يعد الشاب يسمع الأغنية ليتسلى، بل أصبح يتبنى حركات مؤديها، وملابسهم، وحتى نظرتهم إلى العالم باختصار تحولوا إلى أيقونات، هنا لم يعد الخطر مقتصرا على الذوق الفني، بل امتد ليصوغ أنماط سلوك وقيمًا جديدة، بما يجعل من الثقافة الشعبية قوة موجهة للسلوك الاجتماعي.
الأثر الأعمق للمهرجانات لا يكمن فى موسيقاها فقط، لكن فى خلق لغة جديدة أصبحت جزءا من الحياة اليومية، عبارات مثل: «إخواتي»، «يازميلى»، «مافيا»، خرجت من الأغانى لتستقر فى كلام الشباب، ثم انتقلت إلى السوشيال ميديا ك»تريندات»، حتى صارت تعبيرات جماعية عن المزاج العام، ويكفى أن نتذكر كيف انتشر تعبير «ملوك السطوح» حتى صار عنوانا لمرحلة كاملة، هكذا نرى أن المهرجانات لم تكتفِ بتمثيل الواقع، بل أعادت صياغته لغويًا وثقافيًا.
لعل أخطر ما تكشفه ظاهرة المهرجانات- والغائب عنا- هو انهيار سلطة المثقف بالمعنى الذى تحدث عنه الفيلسوف الايطالى «انطونيو جرامشي»، فالمثقف الذى كان يُنظر إليه بوصفه حامل الوعى والذوق والقدوة، فقد مكانته أمام طوفان الأغنية الشعبية الجديدة- إذا صح التعبير-، هنا لم يعد المركز يفرض معاييره على الهامش، بل العكس تماما.. الهامش هو الذى تحول إلى متن، فارضا لغته وإيقاعه وقيمه على الجميع، وبذلك تهاوت الهيمنة الثقافية التى تحدث عنها جرامشي، لتفسح المجال لهيمنة من نوع آخر، صاعدة من قلب الشارع، لا تعترف بالذوق الكلاسيكى ولا برموز النخبة، بل بصوت صاخب يعلن أن السلطة الرمزية انتقلت من المثقف إلى مطرب المهرجان، وإذا مددنا خط جرامشى على استقامته، لأمكننا القول إن مطربى المهرجانات من أمثال عنبة وبندق وحمو بيكا وماندو العالمى قد تحولوا بغير قصد إلى مثقفين عضويين هم أبناء طبقتهم الشعبية، خرجوا من الأزقة، يحملون لغتها وقاموسها وإيقاعها، ويعيدون بثها فى صورة موسيقى صاخبة تجتاح المجال العام، لم يعودوا مجرد مغنين للهامش، صاروا صوتا عضويا يعبّر عن طبقته ويفرض وجوده على المركز، فى انقلاب كامل على تعريف المثقف التقليدي.
من هنا تتجاوز المهرجانات حدود الغناء لتصير ظاهرة ثقافية واجتماعية.. إنها تعبير عن تحولات عميقة فى المجتمع، عن صعود الهامش إلى الصدارة، عن ضياع المرجعيات القديمة، وعن تبدل القيم.. وبينما يراها البعض انحطاطًا للذوق، يراها آخرون صوتًا أصيلًا للواقع بلا رتوش، بكل ما فيه من صخب وتناقضات.
من ليلى مراد إلى شاكوش، ومن عبدالوهاب إلى كابونجا، مشينا رحلة طويلة من النغم إلى الضجيج، قد نرفض، قد نسخر، لكننا لا نملك إنكار الحقيقة: المهرجانات أصبحت قدرًا يلاحقنا أينما ذهبنا، فهل هى فوضى خلاقة، أم مجرد فوضى بلا خلاص؟
رحم الله المخرج محمد خان، لو كان بيننا اليوم ورأى ما يفعله مطربو المهرجانات فى أذن المستمع، وشاهد كليب مهرجان «تشكيل عصابى» لشواحه وحلقولو لصرخ من أعماقه كما كان يصرخ أبطاله على الشاشة، ثم أدار الكاميرا نحو الجمهور قائلا: «جايلك يا عنبة.. جايلك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.